الحب والاختلاط سلاح ذو حدين، فإذا توافرت فيهما الضوابط الشرعية كانا نعمة؛ لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه يحمل مشاعر، وإذا غابت تلك الضوابط تحولا إلى نقمة ليس على المتحابين أو المختلطين فقط، بل على المجتمع كله.
من هنا تطرح «المجتمع» القضية، خاصة مع بدء عام دراسي جديد يختلط فيه الحابل بالنابل بين المراهقين والمراهقات.
عن تعريف الحب من الناحية النفسية، يقول د. جمال شفيق، أستاذ قسم علم النفس بجامعة عين شمس بمصر: الحب هو كل إحساس أو شعور إنساني يترك في قلب صاحبه أثراً جميلاً يجعله يشعر بالسعادة والانجذاب للطرف الآخر، والعجيب أن الشعور بالحب يحرك الهرمونات الدماغية في جسد المحب نتيجة الانجذاب العاطفي، أو كيمياء الحب بأشواقه ولوعته.
ويضيف: قسَّم العلماء علاقة الحب المثالية بأنها ثلاث مراحل؛ أولها: مرحلة الانبهار في بداية القصة؛ حيث يرى كل من المحبين الآخر بأنه إنسان كامل فيه كل مواصفات فتى أو فتاة الأحلام، وتمثل قمة الرومانسية، ثانيها: مرحلة الاكتشاف؛ حيث يتعرف ويتقارب الطرفان، ويكشف كل منهما بعض عيوب المحبوب، وفيها يقرر المحبان الاستمرار أو الإنهاء، ثالثها: مرحلة التعايش؛ وهي أصعب المراحل، وفيها يصل المحبان إلى معرفة شبه كاملة بصفات الآخر، ويقرر أنه لديه القدرة على المعايشة والتكيف معها، وهذا يمثل أقصى درجات الحب، ويتم خلال هذه المراحل المرور بعلامات الحب من التواصل البصري والرغبة في استمرار التواصل، والاستعانة بما يطلق عليه ضمير الجماعة باستشارة المحيطين.
وينهي د. شفيق كلامه مفرقاً بين الحب والاختلاط في مرحلة المراهقة، مؤكداً أن الحب تصاحبه عواطف ومشاعر انجذاب للطرف الآخر، أما الاختلاط فقد يكون بلا مشاعر، وإنما تتطلبه ضرورات الدراسة والعمل أو الحياة بوجه عام، وفي كل الأحوال إذا زادت علاقة الحب أو الاختلاط عن الحد أتت بعواقب مرفوضة دينياً واجتماعياً ونفسياً، ولهذا يجب أن تكون هناك ضوابط وحدود للحب والاختلاط من خلال التربية الدينية الصحيحة التي تجعل الإنسان متزناً نفسياً وأخلاقياً، يعامل البنات كما يحب أن يعامل الآخرين مثل أخته أو أمه أو ابنته.
الحب والقيم
جانب آخر تتناوله د. سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس، يتعلق بأهمية ربط الحب والاختلاط بالقيم الدينية والأخلاق والأعراف الاجتماعية السوية، لأنه من المؤسف أن التعبير عن الحب في عصرنا اتخذ شكلاً مادياً فقط من خلال التأثر بالقيم الاجتماعية الغربية، فدخل علينا عصر «الفلانتين» و«الدبدوب» وتقديم هدايا معينة تقدم في أيام ومناسبات معينة لا علاقة لها بديننا وثقافتنا ومجتمعاتنا، وضاعت الإنسانيات والمشاعر الحقيقية بعد سيطرة الشكليات والماديات والتقليد الأعمى؛ مما طمس هويتنا في ظل العولمة اللعينة، وضاع الحب الصادق الذي يجب أن يترجم إلى عطاء وحنان ومودة ورحمة ورفق وتسامح.
وأكدت د. سامية أهمية التنشئة السليمة من الصغر حتى يتعرف الأبناء والبنات على مفهوم العيب، وحدود التعامل مع الجنس الآخر بلا انغلاق وتقوقع، أو انفلات وتنازلات، وصدق أبو العلاء المعري حين قال:
وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ
وَما دانَ الفَتى بِحِجىً وَلَكِن يُعَلِّمُهُ التَدَيُّنَ أَقرَبوهُ
الحلال والحرام
ويؤكد د. عبدالفتاح العواري، العميد السابق لكلية أصول الدين- جامعة الأزهر، أن الإسلام دين يحترم المشاعر الإنسانية التي فطر الله الناس عليها، ومنها الحب الذي لا يقتصر في ديننا على الحب بين الجنسين كما يفهم الكثيرون، بل إن معانيه أوسع من ذلك بكثير، أعلاها حب الله ورسوله، ثم حب الوالدين وذوي الأرحام، ثم الصالحين، ثم حب الناس جميعاً، ومنها حب بين الرجال والنساء، وخص الرسول صلى الله عليه وسلم المحبين من الجنسين بأن المنفذ الشرعي الوحيد لهما هو الزواج الشرعي الذي يتحدد من خلاله حقوق وواجبات المحبين بعد أن يصيروا أزواجاً طبقاً لقول الله تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ) (البقرة: 228)، وقال صلى الله عليه وسلم: «لم ير للمتحابين مثل النكاح».
وأوضح د. العواري أن الحب بلا معاصٍ ليس حراماً في الإسلام، ولهذا وضع له شروطاً وضوابط تمنع تحوله من الحلال إلى الحرام؛ لأن القاعدة الشرعية «كل ما يؤدي إلى الحرام فهو حرام»، فإذا أدى الحب لمخالفات شرعية فهو حرام ويأثم المحبون، بل وحذرهم الرسول صلى الله عليه وسلم من عواقب هذه المعاصي واستباحة حدود الله حتى لو من باب الشبهات، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، والْحَرَامَ بَيِّنٌ، وبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ، وعِرْضِهِ، ومَنْ وقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وقَعَ فِي الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى، يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ، أَلَا وإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وهِيَ الْقَلْبُ»، فالقلب المحب الحقيقي لله ورسوله لا يرتكب ما يغضبهما ولو مع أي حبيب غيرهما، بل يحرص على الحب بلا معاصٍ، وتتويجه بالزواج وليس التسالي.
ضوابط شرعية
وتقول د. سعاد صالح، العميدة السابقة لكلية الدراسات الإسلامية للبنات– جامعة الأزهر، أنه يشترط في الحب والاختلاط الحلال ألا يلهي عن الطاعة وذكر الله، وألا ينساق المحبون وراء مشاعرهم الجياشة بالكلام المعسول كالأفلام الرومانسية، بل عليهم ألا ينسوا أنهم في ميزان الشرع أجانب، ما لم يتم عقد الزواج، ولهذا فإنهم مطالبون شرعاً بكتمان حبهم، وكبح جماح جوارحهم، وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم المحبين من المس بدون حائل، فقال: «لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له».
ووصف العلَّامة ابن القيم هذه الحالة من الحب العفيف بقوله: إنما الكلام في العشق العفيف، من الرجل الظريف، الذي يأبى له دينه وعفته ومروءته أن يفسد ما بينه وبين الله عز وجل.
وحذرت د. سعاد المحبين من اتباع خطوات الشيطان الذي يزين الحرام ويحاول أن يلبسه رداء الحلال، وعدم التنازلات من الطرفين بحجة الحب الذي سينتهي حتماً بالزواج، وليعلم المحبون أن ما قبل عقد الزواج وضْع، وما بعده وضْع مختلف تماماً، ولا يجوز بناء حكم الزواج الشرعي الذي يبيح كل شيء على الحب أو الخطوبة التي هي مجرد وعد بالزواج ولا يترتب عليها أي تحليل للمحرم بين الأجانب، ولهذا قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) (النور: 21)، كما حذرت المحبين من استخدام طرق ووسائل شركية محرمة شرعاً للتقرب أو السيطرة على المحبوب أو المحبوبة، مثل الأعمال السحرية التي يطلق عليها جلب الحبيب، والاختلاط غير المنضبط الذي يجعل المختلطين عرضة لمداخل الشيطان؛ لأنه «لا يخلو رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما».