بدأ تاريخ جديد ومرحلة جديدة غيرت من خلالها معادلة موازين القوة التي شهد لها العالم ووقف مذهولاً لما يحدث وعلامات الاستغراب ترتسم على الوجوه في حيرة لم يشهد لها من قبل، لشباب في أعمار الزهور اجتازوا حدود منطقة غزة المحاصرة، ليتوسعوا في ربوع الوطن المسلوب.
ينتقلون في ملبسهم العسكري المقاوم، وهم يحملون في أيديهم الطاهرة المتوضئة بندقياتهم، وجباههم المتزينة براياتهم الخضراء الموشحة بـ«لا إله إلا الله ومحمد رسول الله»؛ ليكون جهادهم في خطى عقيدتهم السليمة في سبيل الله تعالى نحو بوصلة القدس.
عناية إلهية
اليوم غزة أقبلت على معادلة جديدة تقترب أكثر من تحرير القدس وفق خطط مدروسة تحفها عناية الرحمن.
هذه الخطوة لم تكن وليدة اليوم أو حتى عام أو أكثر فهي وليدة أجيال متعاقبة سلمت البندقية من جيل إلى جيل حتى وصل إلى جيلنا اليوم.
كانت تربية هذا الذي الجيل الذي حمل في خطاه »طوفان الأقصى» مُعد لها بإتقان يشهده الله عز وجل في إعداد رجال الأقصى الذين انطلقوا من محراب المساجد تطبيقاً لقوله سبحانه في كتابه العزيز: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الأنفال: 60).
ورغم الحصار المشدد على قطاع غزة وقلة الإمكانيات والظروف الصعبة التي يعيشها أهله فإنهم شدوا من سواعدهم المتوضئة، وأعدوا بالقدر الذي يتمكنون من إعداد أدواتهم؛ لمواجهة أشرس عدو مدجج بالأسلحة الفتاكة التي صنفت بأنها محرمة دولية.
هذه القوة جاءت بمعية الله حيث قال في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد: 7)، وقضية فلسطين هي عقيدة والجهاد فيها هو في سبيل الله فلا بد أن يأتي بذلك النصر والثبات والقوة منه سبحانه.
هذه القوة من الصعب أن تستوعبها عقول الجبناء والمطبعين مع الاحتلال والمتآمرين معهم ضد المقاومة والتحرير.
المقاومة التي انطلقت من غزة إلى ربوع الوطن المسلوب حملت على كاهلها نصر المسجد الأقصى، وتحرير فلسطين، وقضية الأسرى، فقد كسرت اليوم المقاومة شوكة الاحتلال ومرغت وجوههم تحت أقدامها الراسخة.
خلف النصر
كل الذي حدث كان من خلفه نساء غزة اللاتي أنجبن جيلا مقاوما شدت من أزره، ودعمته بعمرها ومالها ودعائها منذ أن كان جنيناً في رحمها إلى أن ربته على موائد القرآن، وحمل السلاح فأعدت منه مقاوماً لـ«طوفان الأقصى».
والدة الشهيد يحيى أبو دقة رسمت صورة مشرفة لنموذج الأم المقاومة، فثباتها كان بمثابة ثبات لأمهات الشهداء، وهي تستقبل خبر شهادة نجلها بالتكبير والحمد والشكر لله، وهي تردد بفخر بأن نجلها كان مجاهداً في المعركة مقبلاً غير مدبر في نصرة الأقصى ومعركة التحرير، وانتقاماً لحرائر فلسطين.
وهي ترى بأن ذلك فخراً ونصراً ليس لفلسطين فحسب؛ بل للأمة العربية والإسلامية، وأن خطوات المجاهدين ستقودها للصلاة في المسجد الأقصى.
وعلى الخُطى ذاتها سارت بها إسراء العرعير عند تلقي خبر استشهاد زوجها مرددة في كلماتها: “في سبيل الله ثم في سبيل الأقصى زوجي الحبيب أبو المجد، سعيت لها وجاهدت وحقق الله تعالى لك ما تتمنى مقبلاً غير مدبر، انغماسياً مثخناً في أعداء الله تعالى.
وتثبت قلبها بكلماتها: عزائي أنك في ضيافة أكرم الأكرمين.. لقاؤنا في الفردوس الأعلى بإذن الله بصحبة الرسول صلى الله عليه وسلم ومريم طفلتها التي توفت قبل شهور قليلة وكل الأحبة.. لن يهنأ المحتل؛ المعركة ما زالت مستمرة ورفاقه في الميدان والصلاة في الأقصى قريباً.
حكايات الصبر والثبات والمقاومة التي حملتها نساء غزة أنجبت منها «طوفان الأقصى» فهن مقاومات في هذا النصر الذي غير معادلة القوة، فخلف كل نصر أم شهيد، وأخت شهيد وابنة شهيد وزوجة شهيد.