في الوقت الذي ظن البعض أن القضية الفلسطينية قد أُسدل الستار عليها، وأن التطبيع مع الاحتلال قد أخمد الجمرة في نفوس الأمة، انطلقت عملية «طوفان الأقصى» التي كسرت هيبة العدو الصهيوني، وأذهلت العالم بأسره، لتؤجج النار من جديد في وجدان الأمة.
انطلقت هذه العملية رداً على الانتهاكات الصهيونية المتكررة بحق المسجد الأقصى، التي بلغت ذروتها في الفترة السابقة بالمحاولات المتتابعة لتهويد مسرى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك الانتهاكات المستمرة بحق الفلسطينيين في بقاع فلسطين دون رادع.
الكيان الصهيوني الذي فقد اتزانه وكُسرت شوكته، أراد أن يستعيد الهيبة، فقام بعمليات انتقامية جنونية وحشية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة، وأطلق صواريخه على المدنيين العزل، وهدم المنازل فوق رؤوسهم، ودكّ المساجد حقداً وغلاً، في ظل تأييد غربي صارخ، يدين صاحب الحق، ويدعم المغتصب الجائر، رغم عدوان «إسرائيلي» على القطاع، يوصف بأنه حرب إبادة.
أول ما ينبغي أن تقوم به المرأة المسلمة تجاه القضية الدعاء لأهلنا في غزة وفلسطين
أمة واحدة
وفي ظل هذه الأجواء التي تسلب لُب الحليم الرشيد، تبزغ ضرورة الحديث عن نصرة الأشقاء في قطاع غزة والقضية الفلسطينية بصفة عامة، انطلاقاً من رابطة الدين التي لا تعلوها رابطة، فإنما نحن كما قال الله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء: 92)، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»(1).
وبناء على ذلك، ينبغي أن يكون لكل منا دوره في هذه الأحداث الجسام، وهنا يتأكّد دور المرأة المسلمة، التي لطالما كانت لها وقفة قوية عبر التاريخ في قضايا أمتها، باعتبارها شريك الرجل، ونصف المجتمع، وتلد النصف الآخر، فهي إذن المجتمع بأسره.
سهام الدعاء
أول ما ينبغي أن تقوم به المرأة المسلمة تجاه القضية الدعاء للأشقاء في غزة وفلسطين، وعندما نطرح الدعاء كوسيلة للنصرة، قد لا يوليه كثير من الناس اهتماماً، وتمر أعينهم عليه مرور الكرام، وهذا لا شك نابع من الجهل بأهمية الدعاء وتأثيره في الملمات، لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينشغل يوم «بدر» بالدعاء والإلحاح على ربه، ليقينه بأثر الدعاء في الأزمات، فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة يوم «بدر»: «اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تشأ لا تعبد بعد اليوم»، فأخذ أبو بكر بيده فقال: حسبك يا رسول الله، ألححت على ربك وهو يثب في الدرع فخرج وهو يقول: «سيهزم الجمع ويولون الدبر»(2).
لقد أدرك المسلمون الأوائل ومن سار على خطاهم أهمية الدعاء في استجلاب النصر، وهذا الأصمعي يقول: لما صاف قتيبة بن مسلم للترك، وهاله أمرهم، سأل عن محمد بن واسع؟ فقيل: هو ذاك في الميمنة، جامح على قوسه، يبصبص بأصبعه نحو السماء، قال: تلك الأصبع أحب إليَّ من مائة ألف سيف شهير، وشاب طرير(3).
فلتواظب المرأة المسلمة على إطلاق هذه السهام بيقين وثقة بموعود الله تعالى، وتعزز مكانته وأهميته لدى أهل بيتها، عسى أن يكشف الله هذه الغمة عن إخواننا في فلسطين.
إيقاظ الوعي سلاح لا غنى عنه في تحقيق النصر وما أُتيَ المسلمون إلا من غياب الوعي
أيقظي الوعي
فإيقاظ الوعي سلاح لا غنى عنه في تحقيق النصر، وما أُتيَ المسلمون إلا من جراء غياب الوعي، وهذه القضية وتلك الأحداث تحتاج لا شك إلى كشف الضلالات وإبراز الحقائق والتأكيد على الهوية وبيان حقيقة الصراع، وهو ما يمكن أن تقوم به المرأة المسلمة في محيطها النسوي، وعلى حساباتها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومع أطفالها وأهلها.
ويمكن تلخيص المحاور التي تعمل عليها المرأة في هذه النقاط:
أولاً: القضية الفلسطينية ليست شأناً داخلياً فلسطينياً، ولكنها قضية أمة، بموجب عقيدة الولاء والبراء، والانتماء للراية الإسلامية الجامعة، والأخوة الإسلامية، والتعامل مع الأحداث من منطلق حقيقة أمة الجسد الواحد.
ثانياً: دحض ما يروجه الإعلام الصهيوني من أن المعركة صراع بين حركة «حماس» و«الإسرائيليين»، والتأكيد على أنها معركة بين أصحاب الحق والأرض، ضد المغتصب الجائر.
ثالثاً: دحض فرية أن المقاومة في غزة هي من قامت بالاعتداء كما يدعي الغرب، فمن ناحية، المقاومة أطلقت عمليتها رداً على الانتهاكات بحق «الأقصى» ومحاولات تهويده، ومن ناحية أخرى فهو حق مشروع للمقاومة ولا توصف بأنها بدأت الاعتداء، لأن الصهاينة أعلنوا العداء منذ أن احتلوا أرض فلسطين.
رابعاً: نشر الصور والأخبار الموثّقة التي تبين فداحة ما يفعله العدو الصهيوني بحق غزة من دكّ للبيوت على رؤوس أصحابها وتدمير للمساجد.
خامساً: التبشير بالنصر وسياق النبوءات الخاصة بملاحم آخر الزمان وانتصار المسلمين على اليهود، لربط القضية بالعقيدة الإسلامية، وبث روح التفاؤل في الجماهير.
سادساً: تفعيل الوسوم الإيجابية التي تؤازر وتدعم القضية الفلسطينية وأهل غزة المُعتدى عليهم.
حضّ الزوج والأهل والأقرباء والجيران على الدعم المالي إلى أهلنا في فلسطين المحتلة
وأنفقوا
وحري بالمرأة المسلمة أن تحض زوجها وأهلها وأقرباءها ومن تعرف، على التماس الجهات التي يمكن أن تقدم الدعم المالي إلى الفلسطينيين وخاصة قطاع غزة، والتأكد من نزاهة ومصداقية هذه المؤسسات، فأهل القطاع بحاجة ماسة إلى المؤن والأدوية والإسعافات والمستشفيات الميدانية، لكثرة الجرحى والمصابين، وقطع العدو الصهيوني الكهرباء والماء على أهل القطاع، فهذا أولى أوجه الإنفاق في هذا التوقيت.
ربط المرأة أبناءها بقضية فلسطين وتبين لهم أهمية القدس و«الأقصى» في حياة المسلمين
صانعة الأجيال
ثم يأتي دور لا يقل أهمية عما سبق، ترجى ثمرته على المدى البعيد، وهو ربط المرأة أبناءها بقضية القدس وفلسطين، تبدأ من هذه الأحداث، وتبين لهم أبعاد هذا الصراع، وأهمية القدس و«الأقصى» في حياة المسلمين، وضرورة نصرة المظلوم، وتجعل من أطفالها شركاء لها في المتابعة اليومية للأحداث الراهنة.
إنني إذ أكتب في هذا الموضوع، أعلم أن بعض المسلمات قد يجدن في هذه التوجيهات أنها ضعيفة التأثير في مسار الأحداث، لكن أود التنبيه على أنها تؤتي ثمارها إذا ما أصبحت ثقافة لدى عامة النساء وتراكمت الجهود وتضافرت.
يضاف إلى هذا، أن العمل وإن قلّ أفضل من القعود والتباكي على المشاهد المروعة، فيكون إعذاراً إلى الله، وبذل الجهد وفق الطاقة والوسع.
__________________
(1) صحيح مسلم (4/ 1999).
(2) صحيح البخاري، رقم (4594).
(3) سير أعلام النبلاء للذهبي، (6/ 121).