(قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُّؤْمِنِينَ) (التوبة: 14)، (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) (الحج: 39).
في هذه المرحلة الحرجة من حياة الأمة الإسلامية نعيش معركة البقاء ومقاومة الفناء، وإن معركتنا مع الكيان الصهيوني وذيوله في الشرق والغرب لم تبدأ اليوم، ولكنها بدأت منذ تآمر العالم شرقه وغربه علينا ووضعوا هذه البذرة النتنة «إسرائيل» في أرض فلسطين، أرض القدس والمسجد الأقصى.
وبالرغم من وضوح العدو للقاصي والداني، فإننا للأسف نجد أن إخواننا في فلسطين هم الذين يخوضون المعركة وحدهم ضد العدو الصهيوني، فأصبح الصراع فلسطينياً صهيونياً بعدما كان عربياً صهيونياً.
لقد تركنا الفلسطينيين يواجهون وحدهم ترسانة العدو المدعومة من واشنطن، وذهبنا نبحث عن المفاوضات والمساومات مع العدو، والواقع يؤكد أننا منذ معاهدة «أوسلو»، في 13 سبتمبر 1993م، لم يتقدم الفلسطينيون خطوة واحدة إلى الأمام، بل إن الأمريكيين ذهبوا، في 30 أبريل 2003م، إلى عرض ما يسمى بـ«خارطة الطريق»، التي تهدف من ورائها إلى تفكيك البنية التحتية لكل فصائل المقاومة الفلسطينية، وانتزاع أسلحتها فلا تبقى لها أي قوة تذكر، ومن ثم ينكلون بالشعب الأعزل.
الوقوف مع أهل فلسطين واجب شرعي يفرضه علينا الإسلام
وبالرغم من أن هذه «الخارطة» مجحفة في حق أهل فلسطين، فإن الكيان الصهيوني لم يحقق منها شيئاً، وبدلاً من الوقوف بجوار المقاومة وتعزيز دورها في تحرير الأرض المقدسة، ذهبنا نبحث عن التطبيع مع هذا الكيان المحتل!
إن الوقوف مع أهل فلسطين واجب شرعي يفرضه علينا الإسلام، قال الله تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال: 60)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جاهدوا المشركين بألسنتكم، وأنفسكم، وأموالكم، وأيديكم»(1)، وقال: «مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»(2)، وقال: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرَّج عن مسلم كربة فرَّج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة»(3).
ومما لا شك فيه أن واجب المسلمين هو تحرير الأقصى الأسير، وكل شبر محتل من أرض المسلمين وإعادته إلى مجده الإسلامي وإلى المسلمين لإعلاء كلمة الله فيها، ويتحمَّل كلُّ مسلم من التبعة والمسؤولية بحسب قدرته وموقعه.
على علماء الأمة ودعاتها العمل الجاد على توحيد المسلمين
وكل من الحكومات والشعوب والعلماء يتحمَّلُ ما يستطيع من الوسائل والسبل التي تؤدي إلى امتثال هذا الواجب العظيم، على كافة الأصعدة والمستويات؛ سياسياً، وإعلامياً، وعسكرياً..
ويجب على علماء الأمة ودعاتها العمل الجاد على توحيد المسلمين؛ شعوباً وحكومات، لتحقيق هذا الواجب الشرعي، ولا عذر لأحد إذا فرَّط غيره في هذا الواجب الشرعي سواء على مستوى الحكومات، والأفراد، والجماعات، والعلماء.
ومطلوب الاستفادة من طاقات أبناء المسلمين وحماسهم، وتوظيف ما يمتلكونه من قدرات لصالح تقدم بلادهم، وتحرير القدس والمسجد الأقصى.
ومن الواجب على العلماء فضح مخططات العدو الصهيوني في تهويد القدس والمسجد الأقصى المبارك، وفضح جرائم اليهود ومجازرهم ضد الشعب الفلسطيني، وتعريف الرأي العالمي بأحقية المسلمين في القدس.
ويجب على العلماء دعوة المسلمين اليوم أن يهبوا لإنقاذ مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذود عن المسجد الأقصى، وهم يرون هذه العربدة الصهيونية في غزة، وما يفعله متطرفو اليهود في المسجد الأقصى، والدفاع عنه بكافة الوسائل، بعد أن دنسه المحتلون؛ وهذا واجب عقدي وديني، لأن «الأقصى» جزء من ديننا، جزء من عقيدتنا، جزء من قرآننا، قال تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: 1).
الدفاع عن المسجد الأقصى وتحريره فرض وواجب على الأمة
إن الجهاد على أرض فلسطين هو الأمل الباقي، وهو الأداء الصحيح لجند الله على أرض القدس التي بارك الله فيها وحولها، ولن تجلس الصهيونية يوماً إلى مائدة، أو تصغى إلى كلمة إلا بمثل هذا الجهاد المبارك.
إنَّ الدفاع عن المسجد الأقصى وتحريره والتضحية من أجله ليس من رفاهية القول؛ بل إنه فرض وواجب على الأمة المسلمة بكل أطيافها.
أيها المسلمون، إن أهل فلسطين اليوم في أشد الحاجة إلى مد يد العون لهم، وقد ورد في الحديث الذي روته السيدة ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها قالت: قلت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَفْتِنَا فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ: «أَرْضُ الْمَنْشَرِ وَالْمَحْشَرِ ائْتُوهُ فَصَلُّوا فِيهِ فَإِنَّ صَلَاةً فِيهِ كَأَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاه»، قلت: أَرَأَيْتَ مَنْ لَمْ يُطِقْ أَنْ يَتَحَمَّلَ إِلَيْهِ أَوْ يَأْتِيَه، قَالَ: «فَلْيُهْدِ إِلَيْهِ زَيْتًا يُسْرَجُ فِيهِ فَإِنَّ مَنْ أَهْدَى لَهُ كَانَ كَمَنْ صَلَّى فِيهِ»(4).
قال العلامة ابن باز يرحمه الله: إن المسلم ليألم كثيراً، ويأسف جداً من تدهور القضية الفلسطينية من وضع سيئ إلى وضع أسوأ منه، وتزداد تعقيداً مع الأيام، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في الآونة الأخيرة، بسبب اختلاف الدول المجاورة، وعدم صمودها صفاً واحداً ضد عدوها، وعدم التزامها بحكم الإسلام الذي علق الله عليه النصر، ووعد أهله بالاستخلاف والتمكين في الأرض، وذلك ينذر بالخطر العظيم، والعاقبة الوخيمة، إذا لم تسارع الدول المجاورة إلى توحيد صفوفها من جديد، والتزام حكم الإسلام تجاه هذه القضية، التي تهمهم وتهم العالم الإسلامي كله.
فلسطين قضية إسلامية أولاً وأخيراً وجهاد اليهود جهاداً إسلامياً
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية أولاً وأخيراً، ولكن أعداء الإسلام بذلوا جهوداً جبارة لإبعادها عن الخط الإسلامي، وإفهام المسلمين من غير العرب أنها قضية عربية، لا شأن لغير العرب بها، ويبدو أنهم نجحوا إلى حد ما في ذلك؛ ولذا فإننا نرى أنه لا يمكن الوصول إلى حل لتلك القضية إلا باعتبار القضية إسلامية، وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها، وجهاد اليهود جهاداً إسلامياً، حتى تعود الأرض إلى أهلها، وحتى يعود شذاذ اليهود إلى بلادهم التي جاؤوا منها، ويبقى اليهود الأصليون في بلادهم تحت حكم الإسلام لا حكم الشيوعية ولا العلمانية، وبذلك ينتصر الحق ويخذل الباطل، ويعود أهل الأرض إلى أرضهم على حكم الإسلام، لا على حكم غيره(5).
________________________
(1) أخرجه أبو داود (2504)، وأحمد (12268) واللفظ لهما، والنسائي (3096) باختلاف يسير.
(2) أخرجه البخاري (6011)، ومسلم (2586) واللفظ له.
(3) أخرجه البخاري (2442)، ومسلم (2580) باختلاف يسير.
(4) المجموع للنووي (8/ 278)، خلاصة حكم المحدث: إسناده لا بأس به.
(5) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز (1/ 277).