لم تمثل «طوفان الأقصى» صدمة للكيان الصهيوني فحسب، بل مثلت مفاجأة لقطاعات عريضة من الشعوب العربية والإسلامية، بل والعالم أجمع.
حول دلالات هذه العملية وتطور قدرات المقاومة الفلسطينية، كان هذا الحوار مع اللواء د. محمد عاصم شنشل، الخبير العسكري والإستراتيجي العراقي.
نجحت المقاومة الفلسطينية في شن عملية عسكرية حققت نتائج أذهلت الجميع، وسببت صدمة عميقة للاحتلال الصهيوني، برأيكم ما أهم دلالاتها؟
– لنتفق أولاً على أن نجاح المقاومة ليس وليد اللحظة، فقد برهنت على نجاحها في كل العمليات التي قامت بها منذ سنوات؛ وهو ما أصاب ولم يزال الصهاينة بحالة من الذهول! ومن ثم شلل حركته إلى أن يقرر مجدداً ملاحقة وقمع الفلسطينيين، أما الدلالة الأهم لـ«طوفان الأقصى» فهي أن هذه العملية قد خطط لها ودرست بشكل عسكري وأمني بحت لأشهر على الأقل بعيداً عن تدخل المتآمرين والمندسين الذين يتظاهرون بأنهم مع المقاومة نهاراً فيما يكونون في أحضان الصهاينة مساء.
المقاومة الباسلة قادرة على تحرير كل فلسطين
كذلك نجحت المقاومة في استقطاب الكثير من المقاومين الشباب الذين كانوا منذ سنوات فتية وصبياناً، وها هم كبروا وامتلكوا قدرات ومهارات خاصة؛ فاستلموا مهامهم القتالية التكنيكية والتكتيكية؛ ما ساهم في نجاح المقاومة.
إستراتيجياً، يرى الكثيرون أن هذه العملية حققت أهدافاً خطيرة، منها إسقاط نظرية «الجيش الذي لا يُقهر»، هل تعتقدون بصحة ذلك؟
– نعم، فأنا كرجل عسكري عاصرت الكثير من المعارك أعلم جيداً ما تم الترويج له عن مدى قدرة جيش العدو الصهيوني، وأنه جيش لا يُقهر، وهو ما انطلى على البعض للأسف؛ لأن هناك الكثير من المتآمرين والمندسين الذين اشترت المخابرات الصهيونية ضمائرهم فعملوا على ترسيخ هذا الوهم، غير أن الواقع كشف الحقيقة، وأثبت خطأ هذه النظرية، فجيش العدو مكون من عناصر مرتزقة، فضلاً عن أنهم جبناء متخاذلون، وهو ما أكدته «طوفان الأقصى»، فهم لا يتحركون إلا بالغطاء الجوي وبالمدرعات، أما غير ذلك فهو جيش مهزوز، وسيبقى مهزوزاً بإذن الله تعالى.
ثمة تشابه بين تكتيكات «طوفان الأقصى» و«حرب أكتوبر 1973م»، برأيكم ما أوجه التشابه بين العملية ونصر أكتوبر؟
– لا شك أن انتصارات أكتوبر 1973م أعادت الهيبة والكرامة للجيش المصري والجيوش العربية؛ لهذا استنبطت المقاومة الفلسطينية تكتيكات هذه الحرب فدرستها جيداً؛ لذا حرصت على أن تشن عملياتها البرية والبحرية تحت الغطاء الجوي، فضلاً عن تفعيل عناصر المباغتة والتشويش والتمويه، بل وتشابه أيضاً زمن العملية مع زمن حرب أكتوبر؛ حيث تمت مع احتفالات اليهود بما يسمى «عيد العرش»، كما كان الأمر في عام 1973م، لتؤكد المقاومة بتكتيكاتها العسكرية أنها قادرة على تحرير فلسطين بأكملها.
ما مدى نجاح المقاومة في استخدام ما يعرف بـ«الخداع الإستراتيجي» في تنفيذ عمليتها؟
– من الطبيعي وطالما كان هناك دراسة معمقة من قبل حركات المقاومة للتكتيكات العسكرية، فقد حرص الجناح العسكري لها على أن تتسم عملياته بالخداع والتمويه، وهو ما نجحت فيه بشكل كبير.
ويجدر بنا في هذا الصدد أن نشير لما قامت به المقاومة من التعرف على العملاء من جواسيس الاحتلال داخل قطاع غزة الذين يتنقلون ما بينه وبين الأرض المحتلة بدعوى العمل؛ فحدت من قدرتهم على نقل المعلومات.
شملت «طوفان الأقصى» تحركات برية وبحرية، وهو أمر له سوابق، لكن الجديد التحرك الجوي، هل ترون أن هذا تطور نوعي في قدرات المقاومة؟
– بالطبع، فتحرك المقاومة في توقيت واحد؛ برياً وبحرياً وجوياً، مثَّل مفاجأة كبيرة وصدمة للعدو؛ ما ساهم في تحقيق هدفها، حيث كانت ضربات المقاومة استباقية؛ فعجز العدو عن التعامل معها بشكل سريع؛ ما يعد تطوراً نوعياً كبيراً في قدراتها وتكتيكاتها، وهو التطور الذي يجب أن نرفع له القبعة، والذي سيحسب له ألف حساب من قبل العدو.
«حماس» وجهت ضربة مؤلمة لجهاز «الموساد»
وهنا يبرز أيضاً نجاح المقاومة في اختراق وإصابة وإسقاط الوحدة الصهيونية «8200» التجسسية الموجهة بشكل خاص لغزة التي كانت تدعي أنها تتجسس على كل فرد في القطاع في مساحة ليست بالصغيرة وليست بالكبيرة هي 365 كيلومتراً، وهو ما يعد كسراً لهيبة «الموساد»، و«الشاباك».
«طوفان الأقصى» كشفت عن قدرات عسكرية مذهلة لـ«حماس»، كيف تمكنت الحركة من بناء هذه القدرات في ظل الحصار؟
– نعم هناك حصار منذ عام 2007م، لكن المقاومة قاومت هذا الحصار واخترقته، فالمقاومة وخاصة «حماس» تمكنت مؤخراً من خلال التخطيط الجيد والتدريب العالي والتضحيات المتواصلة من امتلاك تجهيزات عالية عبر إدخال ما أمكنها من سلاح لمخازنها، فيما حرصت على استغلال كل ما لديها من موارد وإمكانيات حتى لو كانت قليلة في التصنيع المحلي، كما حدث مع المسيرات والطائرات الموجهة.
كيف تفسر نجاح المقاومة في التخفي بعيداً عن أعين أجهزة المخابرات الصهيونية؟
– نؤكد أن الوهم الذي حاول الاحتلال ترويجه لم يكن يتعلق بجيشه فقط، بل أيضاً بجهاز مخابراته «الموساد»، فقد صوروا أن «الموساد» من أقوى أجهزة المخابرات بالمنطقة، بل بالعالم كله، لكن الحقيقة التي أضحت معلومة أنه جهاز ضعيف سهل الاختراق.
نجاح المقاومة ليس عسكرياً فحسب، بل يعد نجاحاً إعلامياً أيضاً، هل ترون أن التوظيف الإعلامي الجيد من قبل المقاومة كان له أثره في المعركة؟
– من المعلوم أن الجيوش الكبرى لديها قسم مخصص للتوجيه المعنوي، وهو يقوم بدور مهم يعلمه العسكريون؛ الأمر الذي استفادت منه المقاومة ليس في «طوفان الأقصى»، بل في كل عملياتها، غير أن المقاومة في العملية الأخيرة درست بشكل دقيق كيف تكون التغطية الإعلامية على قدر الحدث ليكون لها دورها الفعال والمؤثر وهو ما تابعناه بوضوح؛ إذ نجحت المقاومة في تغطية عمليات الاقتحام التي شملت العديد من المغتصبات الصهيونية، فحرص الإعلام العسكري على أن ينقل الكثير من تحركات عناصر المقاومة من أرض الواقع وبلا «مونتاج»، فأظهر كيف أن عناصر المقاومة سيطرت على هذه المغتصبات فيما سقطت عناصر جيش العدو برصاص المقاومة أو فرت من أمامها؛ ما أسقط أسطورة الجيش الذي لا يقهر.
تشابه بين تكتيكات «القسام» 2023 وحرب أكتوبر 1973م
يردد الكثيرون أن ما جرى قبل «طوفان الأقصى» سيختلف عما بعده، ما التغيرات المحتملة، برأيكم؟
– بالفعل ليس ما بعد «طوفان الأقصى» سيكون كما قبلها، فعلى المستوى العسكري، مثلاً، لاحظنا كيف أن المقاومة نجحت في استخدام السلاح السيبراني بما كان له من أثر كبير، حيث تمكنت المقاومة من تشويش شبكة الإنترنت في الأرض المحتلة؛ مما تسبب في شل منظومة الإنترنت لدى الصهاينة؛ وهو ما يجعل هذه العملية من العلميات الأكبر والأقوى، حيث أدخلت أدوات جديدة على فكر المقاومة؛ ما يعني أن هناك عسكريين أصبح لديهم خبرة وباع في المجال العسكري وتدريب عال على الأمور الفنية وشن الحرب السيبرانية.
يضاف إلى ذلك، فقد ثبت أن الاحتلال مخترق، وقد تيقن هو نفسه من ذلك؛ الأمر الذي سيجبر العدو على اللجوء للحل السياسي.