من المؤسف والمثير للاشمئزاز أن تعبر العبارات النابية التي وجهها وزير الحرب الصهيوني للشعب الفلسطيني مرور الكرام، دون موقف واضح من منظمات حقوق الإنسان، ورافضي التمييز والعنصرية والتنمر.
حينما يهدد الوزير «الإسرائيلي» يوآف غالانت بفرض حصار كامل على قطاع غزة، قائلاً: «نحن نحارب حيوانات بشرية، ونتصرف وفقاً لذلك»، فإن المجتمع الدولي أمام دليل دامغ على حجم الكراهية والتنمر «الإسرائيلي» بحق الشعب الفلسطيني.
ومن الخطورة البالغة، حين يمرر وصف شعب يدافع عن أرضه ووطنه ضد محتل غاصب بأنهم «حيوانات»، السماح باستباحة دمائهم، وهو ما يحدث حالياً من مجازر وحشية في غزة، ستظل وصمة عار في جبن الإنسانية.
يزداد الأسف، مع استمرار الصمت المطبق على هذه الإهانة التي تمس كل عربي ومسلم، مع النظر إلى الدعم الأمريكي والغربي اللامحدود لتعزيز الهجوم الصهيوني الغاشم على من تسميهم «تل أبيب» بـ«الحيوانات».
إن تطاول وزير الحرب «الإسرائيلي» يضاف إلى سجل أسود من جرائم التنمر «الإسرائيلي» على الفلسطينيين، واتهامهم تارة بالإرهاب، وتارة بالعنف، وليس أخيراً، بنزع صفة الإنسانية عنهم وتشبيههم بـ«الحيوانات».
هذا السجل الأسود يوثق جريمة وحدة «الذئب الأزرق» بجيش الاحتلال، التي تمارس عملها العدواني ضد المواطنين الفلسطينيين منذ سنوات، وتقوم بتصوير وتسجيل تفاصيل الفلسطينيين ووجوههم بهدف متابعة تحركاتهم، مع تسجيل انطباعات جنود الاحتلال حول كل تصرف يصدر من الفلسطيني.
تلك الوحدة التي لا تتوقف فقط عند استباحة الأراضي الفلسطينية، وارتكاب أبشع أشكال القمع والتنكيل بحق المواطنين الفلسطينيين، بل تنفذ بشكل دوري عملية استباحة تطال تفاصيل حياة المواطن الفلسطيني، في شكل استعماري من أشكال التنمر السياسي والعسكري على الفلسطينيين.
وتعتمد خطة «الذئب الأزرق»، وفق صحيفة «واشنطن بوست»، على التقاط أكبر عدد من الصور، تشمل النساء والأطفال والعجائز والشباب، بهدف تأسيس قاعدة بيانات ضخمة تنتهك خصوصيات الفلسطينيين، تشمل صورهم وأسماءهم ومعلومات أخرى.
وتقوم قاعدة البيانات الفوتوغرافية بوضع رمز بالألوان لكل فرد، فاللون الأخضر يتيح السماح له بالمرور، والأصفر يعني أنه يتعين احتجاز الشخص، أما اللون الأحمر فيعني اعتقاله، دون مبرر، أو تهمة، أو حكم قضائي.
إن ما يحدث اليوم نتاج طبيعي وحتمي لسياسة العنف والكراهية والتمييز والتنمر التي يمارسها الاحتلال «الإسرائيلي»؛ حكومة وجيشاً ومستوطنين، بحق سكان البلد الأصليين، وأصحاب الأرض والشجر، وحماة القدس و«الأقصى».
في ضوء ذلك، ما كانت «طوفان الأقصى» إلا رد فعل طبيعياً على جرائم المحتل، واستفزازاته، وتدنيسه المتعمد لكل ما هو مقدس، وإهاناته المستمرة لكل ما هو فلسطيني، وها هو الآن يصرخ مستغيثاً حينما دافع المظلوم عن حقه.
في الضفة الغربية المحتلة وحدها جرائم قتل وأعمال عنف، وتحطيم السيارات وإضرام النار في المنازل والمحال التجارية، مع الإبلاغ عن أكثر من مائة حادث اعتداء شهرياً، وطرد نحو 400 فلسطيني من أراضيهم منذ بداية عام 2022م، وفق تقديرات الأمم المتحدة.
أكثر من 700 حادث عنف خلال العام الجاري (2023م)، أدى فيه عنف المستوطنين إلى إصابات أو ضحايا بين الفلسطينيين أو إلحاق أضرار بالممتلكات، أو كليهما، بمعدل 3 حوادث عنف من قبل مستوطنين يومياً، وفق أندريا دي دومينيكو، رئيس مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الضفة الغربية المحتلة.
ما سبق إشارة فقط إلى حجم ما يرتكبه الاحتلال الذي يتباكى اليوم على قتلاه وأسراه، وهو يقتل كل يوم ما يشاء من الفلسطينيين، ويهدم الأبراج والأحياء السكنية، ويقصف المستشفيات ومحطات الكهرباء، ويمنع الماء والغذاء والدواء عن شعب أعزل، وسط تواطؤ دولي فاضح.
إن الجريمة التي ترتكب ضد غزة من أبشع جرائم الحرب في التاريخ، يقودها وزير متطرف يصف خصومه بأنهم «حيوانات»، في محاولة رخيصة لاستباحة دمائهم وأعراضهم وممتلكاتهم، ضارباً بالأديان السماوية والقوانين الدولية عرض الحائط.
التنمر «الإسرائيلي» ليس جريمة فحسب، إنما مرض نفسي أصاب قادة الكيان الغاصب، والاحتلال الغاشم، فصاروا أشبه بـ«مصاصي الدماء»، لا يرتوون إلا بسفك الدم، ولا يهدأ لهم بال إلا بتدمير الآخر، ولا يغمض لهم جفن إلا بإيذاء الطفل والمرأة والشيخ.
متنمرون جبناء لا يقوون على مواجهة الرجال، فيختبئون وراء البوارج وحاملات الطائرات، وقاذفات الصواريخ والقنابل، والقبب الحديدية، والسترات الواقية، والأسلاك الشائكة، والحصون المنيعة، (وَظَنُّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُمْ حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) (الحشر: 2).