كشفت عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها المقاومة الفلسطينية، في فجر 7 أكتوبر 2023م، عندما اقتحمت الحدود والمستوطنات الصهيونية والمواقع العسكرية، وما أعقبها من عمليات عسكرية صهيونية تجاه غزة وسكانها الأبرياء، حجم الازدواجية الكبيرة في التعامل الغربي والأمريكي وإعلامه مع مجريات الأحداث، عندما تبنى الرؤية الصهيونية فقط دون النظر لما تقوم به دولة الكيان الصهيوني من تدمير للبنيان وقتل للسكان وتطهير عرقي بحق الأبرياء من الفلسطينيين، لا لشيء إلا لمجرد الانتقام الدموي لما حصل لجنودها من ذل وانتكاسة وهم يختبئون من رجال المقاومة، وينساقون أمامهم مأسورين، في مشهد تصفه دولة الكيان بأنه عار وفضيحة لم تحصل منذ تأسيس دولتهم.
الموقف الرسمي الغربي عمد إلى تحويل الضحية إلى جلاد والجلاد إلى ضحية، وحاول تلفيق الأكاذيب بشأن قيام المقاومة بذبح الأطفال، واغتصاب النساء، خلال اقتحامه غلاف غزة من المستوطنات والمواقع العسكرية المحصنة، بينما يرى في قتل الأطفال والنساء والرجال، وهدم البيوت على رؤوسهم، ودفن عائلات بأكملها تحت أنقاض بيوتهم، وقطع المساعدات الإنسانية والدوائية والمياه والكهرباء وأدنى متطلبات الحياة عنهم، حقاً صهيونياً مشروعاً للدفاع عن نفسه.
الإعلام الرسمي الغربي والأمريكي روج أيضاً لمظلومية الجانب الصهيوني، مقابل إرهاب المقاومة الفلسطينية، وتجاهل المجازر التي ارتكبها ويرتكبها الجيش الصهيوني بحق المواطنين الأبرياء في قطاع غزة التي راح ضحيتها آلاف الضحايا والجرحى، وما زالت آلة القتل الصهيونية تزهق أرواح الأبرياء وتشرد من تبقى منهم على قيد الحياة.
بعد أيام من استمرار العدوان على غزة المحاصرة منذ ما يزيد على 17 عاماً، تنجلي نظرة الغرب ومواقفه وتصريحاته الازدواجية الشديدة في المعايير، وإغفال صريح لمعايير القانون الدولي بكل أبعاده، والتمييز الصارخ في النظر إلى الضحايا بين الصهاينة الذين يستحقون كل العطف والبكاء، والفلسطينيين الذين يستحقون ما جرى لهم نتيجة ما ارتكبته أيديهم وتأييدهم للمقاومة، فالتأويل المزدوج لمقتضيات القانون الدولي أو الأعراف أو القواعد الإنسانية، يؤكد التفرقة الواضحة في التعامل بين ما تقترفه دولة الكيان من جرائم وما يقوم به الفلسطينيون من دفاع مشروع عن النفس بمقتضى القانون الدولي؛ مما أدى إلى تكريس دولة الكيان فوق القانون وفوق المحاسبة والعقاب.
لقد لاحظنا إستراتيجية معظم وسائل الإعلام الغربية التي بدت وكأن اتفاقاً بينها عند حوار أي طرف فلسطيني أو متضامن مع القضية الفلسطينية، كيف تبحث عن إدانته قبل التحاور معه، عندما تحاوره حول ما جرى يوم السابع من أكتوبر، وبأن المقاومة هي التي اعتدت وهاجمت المدنيين في دولة الكيان.
إن هذا الانحياز للرواية الصهيونية دون تحقق ما هو إلا سقوط إعلامي في محاولة للتستر على جرائم الاحتلال ومجازره التي يرتكبها ليل نهار في غزة، التي ترقى إلى جرائم الحرب والإبادة الجماعية لسكان غزة، في الوقت الذي لم يسعها ذكر حجم الإجرام الصهيوني بحق المدنيين والأبرياء من قتل وتدمير.
في هذا الموقف، تجاوز الغرب الظالم الحق الذي كفله القانون الدولي للفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم ومقاومة الاستعمار والاحتلال لنيل حريتهم، وينفقون مليارات الدولارات لأوكرانيا من أجل الدفاع عن نفسها أمام الروس، في اختلال واضح للمعايير الأخلاقية، فبينما يرون أن دفاع الأوكرانيين عن أنفسهم وأرضهم أمام الروس حق مشروع، يرون في اقتحام المقاومة الفلسطينية للمستوطنات والمواقع العسكرية الجاثمة على أرضهم المغتصبة والمسلوبة من أطول احتلال في العالم عملاً إرهابياً، متجاهلين فكرة اغتصاب اليهود والصهاينة لأرض فلسطين من أصحابها الأصليين ولا تعطيهم حق الدفاع عن أنفسهم، في الوقت الذي تواصل فيه دولة الكيان الصهيوني الغاصب قصف وقتل ما هو على أرض غزة من بشر وشجر وحجر، وتقتل نساءً وأطفالاً ورجالاً، وعائلات بأكملها تدفنها تحت أنقاض بيوتهم لاستعادة كرامة جنودها التي مرغتها المقاومة الفلسطينية في التراب، ولا يلتفتون إلا عندما يريدون تحويل الجناة إلى مجنيّ عليهم!
لقد بدأ الغرب الأوروبي وأمريكا حملة لتهميش كل الأصوات المعتدلة من النظر للتطورات بعين الموضوعية، وتعزيز التأييد الأعمى لدولة الكيان وتبني الرواية الصهيونية على حساب الدم الفلسطيني؛ مما يؤكد الظلم الغربي والأمريكي الذي مارسته وتمارسه إلى اليوم عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية وحليفتها في المنطقة دولة الكيان الصهيوني، التي لو لم تكن لقامت أمريكا والغرب بإنشائها، على حد قول الرئيس الأمريكي «جو بايدن» عندما كان سيناتوراً سابقاً.
إن الاستجابة الدولية السريعة دفاعاً عن أوكرانيا في مواجهة «الغزو» الروسي غابت حين تعلق الأمر بانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها دولة الكيان بحق الشعب الفلسطيني من قتل وتدمير وتطهير عرقي، لا لشيء إلا لأنه يدافع عن حقه وأرضه وحقه المسلوب منذ أكثر من 70 عاماً، ولم ير المجتمع الدولي في نضاله حقاً مشروعاً يستحق الدعم والمساندة، بل على العكس صوّرهم على أنهم إرهابيون وقتلة!
يُعرف هذا التناقض بازدواجية المعايير، أو الكيل بمكيالين في سياسة الدول والمنظمات المتناقضة في تعاملهم مع نفس القضية أو مجموعة من الناس في أكثر من بلد، فتكيل هذه الدول والمنظمات وفق هذه الازدواجية بمكيالين، فتنصر المظلوم حينما يصب الأمر في صالحها، وتناصر الظالم إن كان حليفاً أو صديقاً!
وهو ما نراه اليوم واقعاً مؤلماً حينما تعلق الأمر بحليفتها الإستراتيجية دولة الكيان الصهيوني، التي لم تر في قتلها وقصفها وتدميرها لكل مظاهر الحياة في غزة سوى حق ممنوح لها بالدفاع عن نفسها وكأنها صاحبة الحق في الأرض، ولا حق للفلسطينيين في الدفاع عن أنفسهم ومقاومة الاحتلال لنيل حريتهم وحقوقهم.
إنها النظرة الغربية العوراء الظالمة تجاه القضية الفلسطينية وشعبها المظلوم، لصالح الاحتلال الصهيوني ومشروعه الاستعماري في المنطقة.