كل دقيقة من أيام الحرب الشرسة على غزة ترتفع بها أعداد الشهداء بأرقام كبيرة أكبر بكثير من ثلاجات الموتى التي عجزت عن ضم جثامينهم الطاهرة، فقد ضاقت مساحتها رغم أعدادها الكبيرة بأن تجمع كافة الشهداء.
هذا المشهد كفيل بأن تذرف بدل الدمع دماً من القلب، وأنت تنظر حال مستشفى الشفاء وسط قطاع غزة الذي استقبل آلاف الشهداء، والجرحى، والمصابين، فقد ضاقت غرف العناية المكثفة والمركزة، كما ضاق المستشفى بالأعداد الهائلة.
هذا الأمر جعل العديد من أصحاب السوبرماركت يقدمون ثلاجة «الآيس كريم» للمستشفى حتى تحتضن جثامين الشهداء، ومع ذلك فقد ضاقت كذلك، فالعدد كبير وفي زيادة.
أشلاء شهيد
رغم مساحة مستشفى الشفاء الكبيرة وأقسامها المختلفة، فإنها في هذه الحرب ضاقت كثيراً، فالممرات امتلأت بالجرحى والمصابين، وساحاته وكذلك شوارعه فلم يعد هنالك متسع لمزيد من الجرحى.
والحالة التي يعمل بها المستشفى هي أعلى بكثير من الحديث عن حالة طوارئ فحسب؛ بل أكثير بكثير من دق ناقوس الخطر وزاد بكثير عن حده الأعلى.
حال الأطباء والطواقم الطبية والخدماتية قد استنزفت طاقاتهم، ورغم ذلك فإنهم يواصلون عملهم، وبين معالجة جريج ومصاب يأتي خبر لأحد منهم باستشهاد زوجته وأطفاله بعد أن تم قصف منزلهم على رؤوسهم، ورغم ذلك لا يغادر عمله، خاصة أنه يدرك أن كل ثانية من تواجده في المستشفى كفيلة أن يوقف بها نزيف جريح، أو يلملم أشلاء شهيد.
نفاد المستلزمات الطبية
كل مؤشرات الأدوية والمستلزمات الطبية ومواد التخدير والمواد المخبرية أصبحت نسبة وجودها مجاورة للصفر بكثير، خاصة أن هذه الحرب تأتي بعد استنزاف شديد وقلة الإمكانيات جراء الحصار المشدد الذي اكتوى بنيرانه أهالي غزة لأكثر من 17 سنة.
وهذا الوجع يزداد بزيادة أعداد الشهداء والجرحى، فالرقم الذي تحدثت به وزارة الصحة في غزة الذي يزيد على 10 آلاف من الشهداء، والجرحى، والمصابين ما هو إلا عدد أولي لم يكتمل بعد، فالحرب ما زالت تشعل نيران حقدها على غزة وأهلها.
وهنالك العديد من جثامين الشهداء ما زالت تحت الأنقاض لم تتمكن طواقم الدفاع المدني من انتشالها من بين الركام.
ورغم الجهود الكبيرة التي يقوم بها رجال الدفاع المدني في محاولة الإنقاذ وانتشال جثامين الشهداء، فإن إمكاناتهم وآلياتهم متهالكة وقديمة جراء الحصار؛ الأمر الذي جعلهم في الكثير من الوقت يزيلون الركام بأيديهم النازفة دماً لعلهم يستطيعون إنقاذ طفل أو امرأة أو شيخ أو شاب ما زالت قلوبهم تنبض.
صلاة بدون مساجد
كثير من الشهداء لم يتم التعرف عليهم، خاصة أن الكثير منهم تم استهداف ليس منازلهم فحسب، بل حيّهم بأكمله، وبذلك تم إبادة عائلات بأكملها، فقد اختلطت جثامين الشهداء وأشلاؤهم، فلم يعد يتبقى أحد من هذه العائلات يستطيع التعرف عليهم.
وكما ضاقت ثلاجة الموتى في احتضان جثامين الشهداء لأعدادهم الكبيرة، فقد ضاقت أعداد القبور كذلك؛ الأمر الذي جعل الكثير من جثامين الشهداء تجتمع في مقابر جماعية.
وأصبح اليوم مستشفى الشفاء ليس لاستقبال الشهداء، والجرحى فحسب، بل أصبح عوضاً عن المساجد التي قصفها الاحتلال بصواريخه الحاقدة، فصلاة الجنازة لم تعد تقام في المساجد إنما تقام في المستشفى ذاته.
بدون ماء أو طعام
ومن المؤلم أن الكثير من أهالي غزة لم يعد لهم بيوت بعد قصفها، ولا مكان للإيواء به، فالجميع مستهدف في نظر الاحتلال الصهيوني؛ الأمر الذي جعل الكثير من العائلات الغزية تفترش ساحة المستشفى للمكوث فيها، وتتخذ من السماء غطاء لها.
يعيشون في ظروف غاية في الصعوبة حيث لا غطاء يقيهم من البرد، ولا طعام أو حتى ماء.