في نوفمبر 1970م، وبينما مصر على صفيح ساخن، وترتفع الأصوات من كل بقاع المحروسة تطالب بالحرب واسترداد الأرض والكرامة، كان الشاب محمد ربيع دسوقي يتخذ قراره بالتطوع في الجيش المصري ليحقق حلمه وحلم شعبه بالعبور وإنهاء التواجد «الإسرائيلي» في سيناء المحتلة، انضم دسوقي إلى الجيش برتبة رقيب متطوع، ثم تم توزيعه على إحدى كتائب قوات المظلات، وبعد نحو ثلاث سنوات كان دسوقي أحد أفراد القوات المسلحة التي نفذت الانتصار الأكبر على الكيان الصهيوني في حرب أكتوبر 1973م.
التقينا دسوقي على وقع الحرب الدائرة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال «الإسرائيلي»، ليحكي لنا عن أسباب النصر، التي يجب التمسك بها لتكرار النصر من جديد، واسترداد «الأقصى» الأسير.
انتصار 1973 أنهى أسطورة الجيش الذي لا يهزم
بداية، هناك من يقول: إن نصر 1973 بدأ من هزيمة 1967م، ما تعليقك؟
– نعم، فما حدث في عام 1967م كان مجرد نكسة، ونجح الشعب والجيش في تجاوزها، فالجيش في الحقيقة لم يحارب في عام 1967م ولم تختبر قواته، وأود القول: إن حرب 1967م لم يكن هدفها السيطرة على أرض سيناء فقط ووضع قوات العدو هناك، بل كان الهدف الأكبر والأهم للقوات «الإسرائيلية» هو كسر إرادة الشعب المصري وإذلاله، وتصوير الأمر للعالم العربي بأن الدولة الكبيرة انكسرت ووقعت، وهو ما لم يحدث بعد إعلان جمال عبد الناصر التنحي بعد الهزيمة، لكن الشعب نزل إلى الشارع وأخذ قراره بالحرب وتحرير الأرض، واسترداد الكرامة، وهو ما تجسد فعلياً في حرب الاستنزاف ومعركة «رأس العش» الشهيرة التي كانت دليلاً واضحاً على أن الجيش المصري لن يستسلم.
كيف كانت استعدادات النهوض من الهزيمة وبدء حرب التحرير؟
– هناك جزءان مهمان في عملية الاستعداد للحرب ونفض غبار النكسة؛ الأول: كان نفسياً، والثاني: العمل على حل المشكلات التي تسببت في النكسة، وفوراً بدأت القيادة السياسية والعسكرية في إعادة تشكيل الجيش وإصلاح المشكلات التي كان يعاني منها، وضم أسلحة جديدة، كما عملت القيادة وقتها على تنويع مصادر السلاح؛ وهو ما أحدث طفرة حقيقية في تسليح أفراد الجيش المصري، بالتوازي مع ذلك بدأت عمليات تدريب قوية وبكفاءة عالية، وخلال وقت قصير للغاية نجح المقاتل المصري في التعامل مع الأسلحة الجديدة، بشكل أبهر العالم حتى الدول المصنعة لتلك الأسلحة، وبذلك أصبح لدينا سلاح حديث ومتطور وفرد يجيد استخدامه وعقيدة بتحرير الأرض والثأر للشهداء.
التوعية الدينية ساهمت في رفع الروح المعنوية للمصريين
تحدثت عن التسليح، لكن ماذا عن الاستعداد النفسي للمقاتل؟
– كما قلت، كان المقاتل المصري لديه عقيدة بضرورة الثأر واستعادة الأرض والكرامة، وتم تنظيم العديد من الندوات التوعوية والدينية التي ساهمت بشكل كبير في رفع الروح المعنوية للأفراد وإعادة الثقة لهم، بالإضافة إلى أحاديث القادة مع الجنود والأفراد التي كانت بمثابة الوقود الذي حرك هؤلاء الأبطال، وجعلهم جميعاً على استعداد تام لخوض المعركة والانتقام من العدو الذي باغتنا واستحوذ على أرضنا وانتهك حرماتنا، وهو بالفعل ما حدث في ظهر يوم 6 أكتوبر 1973م.
إذن، الآن لدينا السلاح والجنود، هل هما فقط سبب الانتصار؟
– بالطبع لا، وإن كانا هما العنصرين الأساسيين لأي انتصار، لكن وجودهما مع غياب قيادة سياسية ذكية ولديها رؤية ثاقبة وقراءة للمشهد العالمي والإقليمي لن يكون لهما أي تأثير، فالنجاح في الحرب كان سببه الرئيس والأساسي هو التخطيط الجيد والحذر واليقظ أيضاً، وخطة الخداع الإستراتيجي، التي عملت عليها القيادة السياسية والعسكرية في هذا الوقت كان لها دور كبير في إرباك جيش العدو ومفاجأته وسحقه في الميدان، فخطة الحرب وُضعت ونوقشت بشكل دقيق بين قيادات الجيش والقيادة السياسية، وتم تدريب الجنود عليها، وأصبح الجميع بشكل كبير على أتم الاستعداد لتنفيذها، لكن موعد التحرك كان لدى رئيس الجمهورية وعدد قليل جداً من قيادات الجيش، وتم إبلاغنا بساعة الصفر وبدأ التحرك على هتاف «الله أكبر»، ونجحت خطة العبور بنسبة نجاح تصل إلى 100%.
حدثنا على طريقة التصدي للقوات «الإسرائيلية» وتكبيدهم خسائر فادحة؟
– نجحنا في العبور وتكبيد العدو خسائر فادحة بضرب النقاط الرئيسة ورفع العلم المصري على الجانب الآخر من القناة، وفقد العدو توازنه ورأيناهم يفرون مثل الجرذان، وحتى عندما استعاد العدو توازنه وحاول تحقيق أي انتصار في 14 أكتوبر 1973م، بما يسمى «ثغرة الدفرسوار» تعامل معها الجيش، وأنا شاركت في معركة الدفرسوار، حيث تم تحليل البيانات والتوصل إلى نتيجة في البداية بأن هذه مجرد قوة إغارة لا تزيد على 7 دبابات، وبدأت مدفعية الجيش الثاني الميداني فوراً في ضرب منطقة الدفرسوار، ولكن لأنها منطقة زراعات مانجو كثيفة، كان تأثير الضرب المدفعي ضعيفاً للغاية، ولذلك تم مهاجمة العدو بقوات المظلات والمشاة، واكتشفنا أن القوة «الإسرائيلية» عبارة عن 30 دبابة تختبئ وسط زراعات المانجو وما يظهر فقط هو عدد منها يقوم بإغارات على منصات الصواريخ لتدميرها بعد أن فشل ضربها من الجو، ونجحت القوات المصرية في تكبيد هذه القوات خسائر فادحة، وتمت محاصرتهم.
دول الخليج ضربت مثالاً في التلاحم واستخدمت البترول لدعم مصر
أنا أيضاً شاركت في معركة اسمها «جبل مريم»؛ وهي تبة إستراتيجية ونقطة إستراتيجية مهمة بمحافظة الإسماعيلية، وكان العدو يشن هجمات مكثفة للسيطرة عليها لأنها ستعطيه أفضلية في المعركة لكننا منعناه من ذلك، أتذكر قائد المجموعة العقيد عاطف منصف، وجه تكليفاته لنا يومها بإحكام السيطرة على التبة ومنع تقدم القوات «الإسرائيلية» نحوها؛ لأنها لو سقطت سيتمكن العدو من المرور إلى مدينة الإسماعيلية وتطويق الجيش الثاني الميداني خلال معارك الثغرة غرب القناة.
كيف ترى الدور العربي في حرب أكتوبر؟
– نحن أمة واحدة، وكما يقال دائماً: مصر قلب العروبة النابض، ودائماً مصر في قلب وفكر العالم العربي، وخاصة دول الخليج التي استخدمت سلاح البترول، ومدت يد العون لمصر في هذه الحرب التي كانت مثالاً رائعاً على التلاحم العربي، بالإضافة إلى القوات العربية التي شاركت في الحرب، ووقفت إلى جانب مصر وجيشها حتى حقق الانتصار الذي أرى أنه انتصار للأمة العربية كلها ورفع رأسها وأنهى أسطورة الجيش الذي لا يهزم.