كنا على موعد مع رئيس الوزراء ووزير المالية الفلسطيني د.سلام فياض. وهو سياسي مستقل ولا ينتمي إلى فتح، ويحظى بدعم الإدارة الأمريكية، ونال ثقة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.
عمل فياض في عام 1987م في البنك الدولي في واشنطن، ثم ممثلا لصندوق النقد الدولي في القدس من عام 1995 – 2001م. وتولى وزارة المالية في عام 2002م، واستقال من منصبه في نوفمبر 2005م نتيجة غضبه من زيادة إنفاق حكومة أحمد قريع من دون موافقته! ثم «فرض» على حكومة الوحدة الوطنية التي شكلت في مارس 2007م كوزير للمالية كشرط غربي للدعم المالي! ثم انقلب عباس على اتفاق مكة مع حماس وأقال الحكومة في 14 يونيو 2007م! وشكل حكومة الطوارئ الوطنية في 15 يونيو 2007م برئاسة فياض، ثم كلفه بحكومة جديدة في 19 مايو 2009م، وكلتا الحكومتين لم تحصلا على تأييد المجلس التشريعي! (لم يتحمل حكومة وطنية شهرين وتعامل بحكومة طوارئ سنتين)!
كان اللقاء معه هادئا متزنا بعيدا عن التوتر، ولأول مرة ينتهي حوار دون التطرق إلى «حماس» بسوء كما كان في اللقاءات السابقة مع قيادات الفصائل، وهذا ما ذكره الزملاء له. وتمنينا عليه أن يتعامل مع عموم الفصائل وخصوصا «حماس» كحكومة مستقلة بعيدا عن خلافات الفصائل، وكالأب الحاني على أبنائه لا كالجلاد.
وقبل خروجنا دخل الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر وفق موعد مع فياض، حيث أنه يقود حملة ضد إسرائيل لعدم التزامهم بالاتفاقيات الدولية، والتعامل بإجرام مع الفلسطينيين بشكل عام، وآخرها قصف غزة اللاإنساني، وسلم على أعضاء الوفد الكويتي، وأبدى إعجابه بقبعة الكابتن سامي النصف.
توجهنا بعدها إلى وزير الداخلية د.سعيد أبو علي الذي كان منفتحا ومنبسطا، وسألته عن أملاك الكويتيين في الضفة فطمأننا عليها وقال أنهم على تنسيق مع الخارجية الكويتية بهذا الشأن. وسأله أحد الزملاء عن عدد معتقلي حماس، فقال انهم يتراوحون بين 300و500 حسب أعداد المفرج منهم، وانهم في الغالب لا يمكثون فترة طويلة!
وفي عصر هذا اليوم التاريخي توجهنا إلى القدس، واقتربنا من بيت المقدس.. ورأيت قبة الصخرة.. فرف قلبي متذكرا أول يوم دخلت فيه مكة ورأيت منارات المسجد الحرام عن بعد. مشينا مسرعين نسابق عقارب الساعة حتى سبقنا مرافقنا ودليلنا، ولم يطمئن قلبي إلا بعد وضع أول قدم لي في بيت المقدس، وتوجهت نحو مسجد قبة الصخرة ورأيت معجزة من المعجزات الخالدة التي طالما سمعنا وقرأنا عنها، وصلينا فيه ركعتين، وتجولنا بين معالمه الرائعة وفنونه الجميلة.
ولكن القلب ما زال يرف.. إنه الاشتياق إلى المسجد الأقصى الذي توجهنا له بخطى عاجلة، فدخلنا له مسرعين مشتاقين سعيدين، دخلت أتأمل بين أسقفه وسواريه وزواياه ولساني يلهج بالحمد والثناء لله عز وجل على هذه اللحظات الغالية، وتوجهت إلى المحراب.. وصليت فيه ما شاء الله لي أن أصلي، وسجدت سجود شكر لله تعالى الذي يسر لي هذه الفرصة الثمينة، ثم جلست عند الباب أقرأ القرآن على ضوء الشمس.. فيا لها من لحظات تاريخية لا تتكرر كما قال الزملاء.
خرجت بعدها وتوجهت إلى سطح أحد البيوت المجاورة التي احتلها اليهود، لأنظر بحسرة إلى حائط البراق وقد احتجزه اليهود لهم، ورأيت الأنفاق التي حفروها تحت المسجد الأقصى ليكون قابلا للانهيار في أي لحظة يقررونها عند الاستسلام الأخير للعرب والمسلمين.. فانسابت العبرات لهذا المشهد المؤلم.
***
من المفارقات المحزنة أنه في اليوم الأخير لنا ونحن ما زلنا في الضفة، أعلن عن استشهاد الممرض هيثم عمرو( 33 عاما) تحت التعذيب في سجون الأجهزة الأمنية في محافظة الخليل! وقد اختطف على يد جهاز مخابرات السلطة بعد اقتحام منزله في قرية بيت الروش الفوقا بصورة همجية بتاريخ 10/6/2009م! وقد سبقه بأيام استشهاد محمد السمان ومحمد ياسين وعبد الناصر الباشا في قلقيلية!!