«نعلن بدء معركة «طوفان الأقصى» بضرب مواقع العدو وتحصيناته بأكثر من 5 آلاف صاروخ وقذيفة، وقد جاءت رداً على مئات المجازر التي ارتكبها بحق المدنيين الفلسطينيين، وسبق أن حذرنا العدو من قبل، لكنه دنس المسجد الأقصى وتجرأ على مسرى الرسول، وهو ينتهك حريات حقوق الأسرى، فيما يُعربد المستوطنون ويسرقون ممتلكات المواطنين بالضفة والقدس..»، بهذه الرسالة التي أطلقها قائد أركان «كتائب الشهيد عز الدين القسام»، الذراع العسكرية لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، محمد الضيف، يوم 7 أكتوبر 2023م، بدأت المعركة بين المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وجيش الاحتلال الصهيوني.
رسالة الضيف وإعلانه عن بدء معركة «طوفان الأقصى» تعكس، وفقاً لمراقبين سياسيين، أن المقاومة الفلسطينية كانت تراقب وتتابع بألم شديد ما يحدث في باحات المسجد الأقصى من انتهاك لمسرى النبي صلى الله عليه وسلم، إضافة إلى الجرائم الصهيونية المستمرة على الحواجز العسكرية بالضفة المحتلة التي تتعمد إعدام الفلسطينيين بدم بارد، ودون أي مبرر.
رسالة الضيف تعكس بأن المقاومة كانت تراقب ما يحدث في باحات «الأقصى»
وأرجع المراقبون السياسيون ارتفاع وتيرة انتهاكات الاحتلال والمجازر ضد المدنيين في جنين وطولكرم ونابلس ومدن الضفة المحتلة كافة، وداخل سجون الاحتلال ضد الأسرى الفلسطينيين، إلى التحولات في طبيعة المجتمع الصهيوني الذي بدأ يميل نحو اليمين المتطرف بشكل متسارع، فقد اتخذت مؤسسات الاحتلال سواء السياسية أو العسكرية سمة المجتمع المتطرف بشكل تدريجي.
ورصدت مؤسسات تُعنى بشؤون القدس والمسجد الأقصى انتهاكات متنوعة للاحتلال في القدس؛ ما بين اقتحام واعتقال وإبعاد وقتل وهدم، يقودها وزراء حكومة «بنيامين نتنياهو» المتطرفة، على رأسهم وزير مالية الاحتلال «بتسلإيل سموتريش»، ووزير الأمن القومي للاحتلال المتطرف «إيتمار بن غفير».
انتهاكات ضد «الأقصى»
وشهدت باحات المسجد الأقصى المبارك خلال الأسابيع التي سبقت معركة «طوفان الأقصى» اقتحامات واسعة من قبل «جماعات الهيكل» المتطرفة، التي دعت لأوسع اقتحام خلال ما يُسمى «عيد الغفران اليهودي»، تزامناً مع تحذيرات أطلقتها السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة بأن استمرار اقتحامات «الأقصى» وتدنيس باحاته وقتل المقدسيين سيمهد لحرب دينية تشعل المنطقة كلها.
الاحتلال أصدر 12 ألف رخصة حمل سلاح في الربع الأول من عام 2023م
لكن الاحتلال، وفقاً لمراقبين سياسيين، لم يهتم بتحذيرات الفصائل الفلسطينية مطلقاً، إنما زاد من جرائمه وانتهاكاته وتدنيسه لباحات «الأقصى» المبارك، وفي ذات الوقت كشفت مصادر فلسطينية عن نية حكومة «نتنياهو» تنفيذ عملية اغتيال مفاجئة لفصائل المقاومة في قطاع غزة عقب انتهاء «عيد الغفران» اليهودي.
وقال الكاتب والمحلل السياسي محمد صلاح لـ«المجتمع»: لقد طفح الكيل لدى فصائل المقاومة الفلسطينية جراء انتهاكات الاحتلال المستمرة منذ انتهاء معركة «سيف القدس» عام 2021م لباحات «الأقصى»، وتجاوزها للخطوط الحمراء التي اتفقت عليها الفصائل مسبقاً.
وأشار صلاح إلى أن انتهاكات الاحتلال للخطوط الحمراء بدأت عقب انتهاء معركة «سيف القدس» وتداعيتها التي أدت إلى سقوط حكومة «نفتالي بينيت»، و«يئير لبيد»، وتوجه الاحتلال إلى حل الكنيست وإجراء انتخابات جديدة.
ولفت إلى أن الانتخابات الجديدة التي أجريت عام 2022م أفرزت حكومة متطرفة بقيادة «نتنياهو» الذي لم يجد حلاً لاستقرار حكومته إلا التحالف مع الأحزاب المتطرفة الصغيرة؛ ليتمكن من تشكيل حكومته.
وبعد أيام فقط من توليه منصب وزير الأمن القومي في الائتلاف الحكومي اقتحم المتطرف «إيتمار بن غفير» المسجد الأقصى، وقال حينها: «لقد صعدت على جبل الهيكل وسأواصل الصعود حتى بناء الهيكل»!
صلاح: طفح الكيل لدى المقاومة جراء انتهاكات الاحتلال منذ انتهاء «سيف القدس» عام 2021م
وفي الوقت ذاته، نشرت «جماعات الهيكل» المتطرفة مطالب مكونة من 11 بنداً، هدفها التخطيط لإقامة «هيكل» على أنقاض المسجد الأقصى، تبدأ بالسماح للمستوطنين لاقتحام «الأقصى» بأي وقت، وأداء كامل الطقوس التوراتية، وعدم إغلاق المسجد بوجه المتطرفين يومي الجمعة والسبت، وتحديد موقع الكنيس اليهودي، والسماح بإدخال ما يسمونها «الأدوات المقدسة» إلى المسجد الأقصى، وتشمل رداء الصلاة والقبعة ولفائف التوراة وتابوت العهد والأبواق والقرابين النباتية والحيوانية، وعدم إغلاق المسجد الأقصى أمام المقتحمين خلال المناسبات الإسلامية.
انتهاكات ضد الأسرى
لم تنتهِ انتهاكات الاحتلال والوزراء المتطرفين عند هذا الحد، إنما أشعلت جبهة أخرى بالتضييق على الأسرى الفلسطينيين داخل السجون، وفي ذلك أكدت هيئة شؤون الأسرى الفلسطينيين أن «بن غفير» اتخذ أكثر من 12 قراراً منذ توليه وزارة ما يسمى الأمن القومي للاحتلال، أبرزها إغلاق المخابز التي تزود الأسرى بالخبز، وتقليص مياه ووقت الاستحمام بحيث لا يتعدى 4 دقائق فقط، وفرض التنقلات القسرية، وقرار إعدام الأسرى الذين نفذوا عمليات ضد قوات الاحتلال، وغيرها الكثير من القرارات التعسفية.
قرارات «بن غفير» الإجرامية ضد الأسرى دفعت فصائل المقاومة الفلسطينية، لا سيما حركتي «حماس»، و«الجهاد الإسلامي»، إلى تحذير الاحتلال بالتأكيد على أن الفصائل لن تصمت كثيراً للتضييق ضد الأسرى، لكن الاحتلال لم يستجب لتهديدات فصائل المقاومة.
ترخيص حمل السلاح
وفي يوليو الماضي، صادق «بن غفير» على إجراءات تسرّع منح تصاريح حمل السلاح لليهود، ومنع مصادرة أسلحة مطلقي النار على منفذي العمليات، وحظر التحقيق معهم، مما يزيد من تسهيل وتبرير عمليات إعدام الفلسطينيين بدم بارد على الحواجز العسكرية الصهيونية.
وتُشير الإحصاءات الرسمية لجيش الاحتلال إلى أنه في الربع الأول من العام 2023م، تم منح 12 ألف رخصة حمل سلاح، بزيادة قدرها 280% مقارنة بالفترة ذاتها من العام الماضي، حيث تم منح 4054 ترخيصاً طيلة العام، وقفز العدد بنسبة 450% مقارنة بالفترة المماثلة من عام 2021م، حيث تم منح 2049 رخصة جديدة.
ووفق إحصاءات وزارة الداخلية الصهيونية، فإن نحو 200 ألف مدني «إسرائيلي» لديهم رخصة لحمل السلاح، إضافة إلى عدد المتطوعين المدنيين في سلك الشرطة والأجهزة الأمنية الذي يُقدر عددهم بنحو 35 ألفاً.
زبارقة: الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر يقف أمام مرحلة مصيرية
رئيس اللجنة الشعبية في مدينة اللد المحامي خالد زبارقة حذّر، في تصريح صحفي، من خطة «بن غفير» وتعليماته الجديدة لتوسيع حمل السلاح، وقال: إنها رخصة لقتل الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر «تحت ذرائع وحجج واهية».
وأضاف زبارقة أن تسريع إجراءات منح رخص الأسلحة لـ«الإسرائيليين» يندرج في سياق تعزيز المليشيات المسلحة التي شُكلت وتتواجد تحت سيطرة «بن غفير»، محذراً من مغبة اتساع دائرة قتل الفلسطينيين من قبل المدنيين «الإسرائيليين» تحت ذريعة «الدفاع عن النفس»، مشيراً إلى أن التحصين القانوني لمن يطلق الرصاص على الفلسطينيين بمثابة «منح شرعية لاستباحة الدم الفلسطيني».
وأشار زبارقة إلى أن الشعب الفلسطيني على جانبي الخط الأخضر (في الضفة الغربية والداخل المحتل) يقف أمام مرحلة مفصلية ومصيرية، مضيفاً أن المسؤولية تقع علينا جميعاً في حماية وجودنا؛ حاضرنا ومستقبلنا من التهديد الممنهج الذي تقوده المؤسسة «الإسرائيلية» بكل أذرعها السياسية والأمنية والحكومية.
هذه الانتهاكات الصهيونية وغيرها الكثير، منها الاستيطان والتهجير والإبعاد؛ الدافع الرئيس لاندلاع معركة «طوفان الأقصى» التي أعلنها قائد أركان «كتائب الشهيد عز الدين القسام» محمد الضيف، وأكدها نائب رئيس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) صالح العاروري الذي قال: «إن عملية «طوفان الأقصى» معركة تتبير الاحتلال «الإسرائيلي»، وقد جاءت للرد على جرائمه المستمرة».
وأكد العاروري، في كلمة له عبر قناة «الأقصى»، أن مجاهدي قطاع غزة بدؤوا عملية واسعة بهدف الدفاع عن المسجد الأقصى وتحرير الأسرى.
وفي الوقت ذاته، أكد المتحدث الإعلامي باسم حركة «الجهاد الإسلامي» محمد الحاج موسى، أن الاحتلال هو من بدأ الحرب ضد الشعب الفلسطيني عندما اقتحم المسجد الأقصى وتجاهل تحذيرات المقاومة المتكررة التي طالبته بالتوقف عن ذلك.
وقال: إن الاحتلال بدأ باقتحام المدن في الضفة الغربية وقام بعمليات قتل ممنهج للفلسطينيين؛ وهو من واصل التضييق على الأسرى الفلسطينيين في السجون، وهي ممارسات خطيرة كان يجب على المقاومة أن تقوم بدورها في حماية أبناء شعبنا فكانت عملية «طوفان الأقصى».
وبعد أن خاضت المقاومة الفلسطينية معركة «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر 2023م، وقامت بقتل وأسر الآلاف من جنود الاحتلال على طول الحدود المحاذية لقطاع غزة؛ أعلن الكيان الصهيوني حينها الحرب ضد القطاع واستدعى جميع قوات الاحتياط ليرتكب أكثر من 560 مجزرة بحق المدنيين الآمنين في بيوتهم؛ إذ تتعمد طائرات الاحتلال بارتكاب المجازر في ساعات متأخرة من الليل.
ووفقاً لآخر إحصائية نشرتها وزارة الصحة بتاريخ 26 أكتوبر 2023م، في تمام الساعة الثانية فجراً بلغ عدد شهداء العدوان الصهيوني ضد قطاع غزة نحو 6546 شخصاً، وأكثر من 17 ألف جريح، وتدمير أكثر من مليون منشأة سكنية بشكل كامل.
ونتج عن العدوان المستمر منذ 7 أكتوبر وحتى كتابة هذا التقرير، توقف نحو 15 مستشفى عن تقديم خدماتها الصحية، إضافة إلى انقطاع التيار الكهربائي بالكامل وانعدام توفر الوقود لتشغيل ما تبقى من المستشفيات.
وأعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) عن نزوح أكثر من 600 ألف فلسطيني من مناطق شمال القطاع ومدينة غزة صوب المناطق الجنوبية للقطاع، إذ استقرت الأعداد الهائلة في مدارس «الأونروا» الأمر الذي أدى إلى سوء الخدمات المقدمة وانعدام فرص المعيشة تزامناً مع تقليص الخبز ومياه الشرب.