إنها ليست حرباً عادية، ولا تشبه تلك التي جرت في السنوات الماضية، فالحروب السابقة لدولة الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، بسلاحها وجيشها وقدراتها الذاتية، دون أن تكون بحاجة إلى من يساندها ويدعمها بغير السياسة والقرار، وإن كانت الإدارة الأمريكية تعوضها بسرعة، وتبدي استعدادها لنجدتها ومساعدتها متى طلبت، فقد كانت محدودة الأهداف، قصيرة المدة، ضعيفة القدرة، ضيقة النطاق، وكانت آثارها مدمرة على كل المستويات؛ المدنية والعمرانية والخدماتية والبنى التحتية، فضلاً عن مئات الشهداء وآلاف الجرحى الذين سقطوا خلال الحروب السابقة، إلا أنها لا تشبه العدوان الأخير بحال.
ربما كانت دولة الاحتلال قادرة بما تمتلك من ترسانة أسلحة متطورة، وطائرات حديثة، وتفوق جوي، وغزارة نارية صاروخية ومدفعية، وقدرة كبيرة على الاستطلاع والرصد وتحديد الأهداف، على مواجهة المقاومة لأيام محدودة ولفترة قصيرة، تعجل خلالها بالطلب من الوسطاء الإقليميين والدوليين سرعة التدخل، والعمل على التوصل إلى وقف فوري لإطلاق النار، مقابل تعهدات تلتزم بها تجاه الوسطاء الذين لا يقوون على ضمان التزامها بها، إذ سرعان ما تنقلب عليها، وتنكث اتفاقها ولا تفي بشروطها، وتعود إلى خرقها قصفاً وقتلاً وعدواناً.
أما هذه الحرب فهي مختلفة كلياً، وفاصلة تاريخياً، وستشكل منعطفاً كبيراً في المنطقة، فالعدو «الإسرائيلي» صُدِم ورُوِّع، وهُزم في الساعات الأولى للمعركة، وكُشفَ أمام مستوطنيه والعالم، واتضح للجميع أنه عاجز لا يستطيع حماية نفسه، ومهزوم لا يستطيع لَمَّ شعثه، ومرتبك لا يقوى على اتخاذ قراره، وأن جيشه الذي احتشد على حدود قطاع غزة لن يستطيع أن يستعيد حالة الردع التي كانت، ولن يتمكن من تحقيق النصر الذي بات في أمسّ الحاجة إليه بعد الذي أصابه صبيحة يوم السابع من أكتوبر.
لم يعد جيش الاحتلال في هذه المرة قادراً على النهوض على قدميه، والقتال على الجبهات منفرداً، ومواجهة المقاومة التي سبقت برسم صورتها وتحديد ماهية الحرب وشكلها، بعد أن حددت زمانها ونطاقها، فأدركت قيادة الكيان السياسية والعسكرية أنها أضعف من أن تصمد أمام مقاومة استعدت وتهيأت، وأعدت وتجهزت، وأنه لا بد لها أن تستعين بحلفائها، وأن تستقوي بأصدقائها، الذين أدركوا بدورهم أن قاعدتهم الاستعمارية التي زرعوها في المنطقة بدأت تتهاوى، وربما تسقط وتنهار بأسرع مما يتوقعون، فهبوا جميعاً في حجيج سياسي معيب على أعلى مستوى، بدأه رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، وتبعه الآخرون من حلفائه على نفس المستوى السياسي، في رسائل دعم وإسناد نظرية وعملية للكيان الصهيوني في عدوانه على الفلسطينيين.
أمام هذا التحالف الغربي المعادي برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية، وعضوية بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وكندا وأستراليا، وغيرها من الدول الأوروبية الغربية المؤمنة بالكيان أو الخائفة من الأمريكيين، فقد بتنا في مواجهة حرب «صهيو غربية» حاقدة، ترقى لأن تكون حرباً عالمية جديدة ضد قطاع غزة الصغير وسكانه الذين لا يتجاوزون الملونين إلا بقليل.
إلا أنهم رغم قلة عددهم وقلة ناصرهم غير الله عز وجل، صابرون محتسبون، يحتملون كل هذا العدوان، وحمم القصف والنيران، ويسجلون في كل يوم جديد نصراً بصبرهم وثباتهم، وآخر أكبر بتحديهم ومواجهتهم، إذ ما زالت مقاومتهم رغم مضي 3 أسابيع على العدوان تمتلك قرارها، وتوجه عناصرها، وترسل مقاتليها، وتقاتل خلف خطوط النار، وتطلق صواريخها على أهداف قريبة وأخرى بعيدة، وهي تعد بالنصر والتمكين ومواصلة ما بدأت، وتبشر العدو وحلفاءه بالخيبة والفشل، والهزيمة والخسارة، إذ ما علم هذا العدو وحلفاؤه أننا أبناء أمة ينتصر دمها على السيف، وتتغلب عينها على المخرز.