هل انتهى زمن المعجزات؟
طبعاً لم ينتهِ؛ لأن خالق المعجزات حي لا يموت.
لم ينتهِ؛ لأن الإنسان هو أكبر معجزات الكون وعلى يديه يجري قدر الله.
لم ينتهِ؛ فمن الممكن أن تكون أنت المعجزة، وعلى يديك أنت يجري قدر الله.
المعجزة ليست مشياً على الماء أو قفزاً في الهواء، المعجزة أن تحيا فيك الروح، أن تتغير فيتغير معك مجرى التاريخ.
هذه هي معجزة الإسلام منذ بداية الانطلاق مروراً بمراحل النهوض، معجزة تغيير النفس البشرية فيتغير معها القوم والجماعة والأمة والعالم: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِم}.
إن معجزة الإسلام هي الإيمان الذي يخلق إنسانه الجديد، خلَقَت من العبد المملوك “بلال” قوة تحدَّت العالم، ولم تستطع قوة أن تُخفض إصبعه التي ارتفعت بالتوحيد.
خلقت “عمير بن الحمام” الذي استرخص حياته فداءً لرسالته (أما بيني وبين الجنة إلا أكل هذه التمرات.. إنها إذن لحياة طويلة).
خلقت “سعد بن عبادة”: (خذ يا رسول الله من أموالنا ما شئت ودع ما شئت، وما أخذت أحب إلينا مما أبقيت).
خلقت “ربعي بن عامر” الذي عبر عن ضمير الإنسانية أمام من يستعبدون الإنسان: (جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة الله، ومن جور الحكام إلى عدل الإسلام).
هؤلاء البشر كانوا هم معجزة الإسلام، اتصلت قوتهم البشرية المحدودة بقوة الأزل والأبد المطلقة الخالدة، فأجرى الله على أيديهم خوارق لم تكن لتتم، وهي خوارق أعظم من نقل الجبال وتجفيف البحار وتحويل العناصر من حال إلى حال.
خوارق لم تكن فقط انتصارات حربية ولا طوفانًا عمَّ خريطة العالم بدءاً من نقطة اسمها “المدينة” لينساح جارفاً إمبراطوريات ودولًا؛ بل كان أعمق من ذلك.
لقد كان تغييراً لوجه التاريخ إلى الأبد، تغييرًا للإنسان، تغييرًا لصميم الحياة وتصوراتها، تغييراً لن يتوقف حتى يتم الله نوره ولو كره الكافرون.
هذه هي معجزة الإسلام، لم تكن عصا تشق البحر، ولا سفينة تعلو على الطوفان، بل كانت: صياغة إنسان.
انتهت سائر المعجزات، وظلت معجزة الإسلام قائمة ما بقي على ظهر الأرض إنسان؛ فمنهج الإيمان الذي صاغ المعجزة حي، لم ولن يموت.
وسيظل الإيمان هو سفينة نجاة الأمة كلما أشرفت على الغرق، وسيظل بريق الشرارة التي التمعت من ضربة فأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق، وأبانت له قصور كسرى وقيصر، تبدد ظلام اليأس والهزيمة في نفوس المؤمنين، وتنير الطريق في شقوق الأرض وأنفاق المقاومة.
وستظل هذه الأمة تلد أبناءها، وتظل قوافل المؤمنين يتوارثون الراية جيلا بعد جيل، وكلما ظن أعداؤها أنها ماتت، ستخرج وتفاجئهم بالمعجزات، فهم بشرى نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم: “لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ”.
{وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}.