فجر السابع من أكتوبر الماضي، نفذت «كتائب القسام» عملية عسكرية ضد الاحتلال «الإسرائيلي» وجيشه ومستوطنيه في غلاف غزة، أطلقت عليها كتائب «القسام» اسم «طوفان الأقصى»، فحققت نتائج عسكرية وأمنية وسياسية مذهلة، ورد الكيان الصهيوني بتنفيذ عدوان إرهابي ضد قطاع غزة، مستهدفاً المدنيين في قصف تدميري ممنهج، أسفر عن استشهاد وجرح أكثر من 35 ألفاً من أهالي القطاع وتدمير المنازل والمدارس وممارسة عقاب جماعي.
ثم بدأ العدو الصهيوني قبل أيام قليلة عملية توغل بري عبر عدة نقاط في غرب وشرق قطاع غزة لما ادعى أنه «استئصال حماس».
نظراً لأهمية المعركة في غزة، وتداعياتها على المنطقة والعالم، يراقب العالم باهتمام نتائج العدوان «الإسرائيلي» البري، وقدرات وأداء «كتائب القسام»، ومآلات المعركة، بعدما وضعت الولايات المتحدة وحلفاؤها كل ثقلهم في هذا العدوان إلى جانب الاحتلال.
سنحاول هنا أن نسلط الضوء على السيناريوهات المتوقعة لإنهاء أو توقف العدوان:
الأول: يحقق الاحتلال أهدافه في القضاء على «حماس»:
يقوم هذا السيناريو على افتراضية أن العدو الصهيوني الذي تعرض لزلزال «طوفان الأقصى» يخوض معركة هائلة بكل الأسلحة، مدعوماً من حلفائه الغربيين بدعم سياسي وعسكري وأمني وإعلامي ومالي، تهدف إلى سحق «حماس» والقضاء على المقاومة في غزة، وتغيير خارطة الشرق الأوسط للأبد، وتثبيت إدارة جديدة للقطاع.
عوامل نجاح هذا السيناريو: معركة حياة أو موت للاحتلال، دعم غربي هائل، صمت وتواطؤ عربي، حشد عسكري ضخم تجاوز 350 ألف جندي وآلاف الآليات، إصرار الاحتلال على استعادة هيبته وصورته، ظروف دولية غير مواتية لـ«حماس»، يفتح الباب لنجاة نتنياهو والفريق الحاكم، وهو فرصة لاستغلال التدمير الممنهج للقطاع للقضاء على «حماس».
عوامل فشل هذا السيناريو: ضعف «إسرائيلي» داخلي وصراعات كامنة ومعلنة، انعدام ثقة داخل المؤسستين السياسية والعسكرية، ضعف جهوزية جيش الاحتلال وتراجع روحه القتالية وهو خارج من هزيمة مدوية في 7 أكتوبر، شعور المجتمع الصهيوني بأن الحكومة تغامر من أجل إنقاذ نفسها، التفاف شعبي فلسطيني حول المقاومة رغم التضحيات، مع رفض شعبي للنيل من «حماس» أو لأي إدارة للقطاع بعيدة عن المقاومة، قدرة المقاومة على إفشال العدوان وضربه وإنزال خسائر بشرية ومادية واسعة في قواته (اعترف العدو بأقل من 20 قتيلاً في اليوم الأول)، مع تفوق في الحرب النفسية والتجييش الإعلامي، وإقرار جهات عسكرية كثيرة بتفوق «حماس» الميداني في المواجهة البرية وقدرات رجالها، يترافق مع وجود أكثر من 200 أسير لدى المقاومة، وأهم نقطة أن تتمكن «حماس» من إنزال خسائر بشرية كبيرة بالاحتلال؛ ما يؤدي لأزمة داخلية صهيونية جديدة.
الثاني: تحقق «حماس» نجاحاً في القضاء على الاحتلال:
يقوم هذا السيناريو على فرضية بروز تحول إستراتيجي لدى «حماس»، يجعلها قادرة على تنفيذ عمليات عسكرية واسعة ضد الاحتلال «الإسرائيلي»، تكمل أهداف «طوفان الأقصى»، مع احتمالية توسع دائرة المواجهة مع الاحتلال لساحات أخرى أو إدخال عناصر جديدة في المواجهة.
عوامل نجاح هذا السيناريو هي قدرة «حماس» على المناورة واستخدام أساليب جديدة تنقل المعركة للداخل «الإسرائيلي» وتحدث كوارث جديدة للاحتلال على شكل 7 أكتوبر.
عوامل ضعف هذا السيناريو: وجود توازن عسكري لصالح الاحتلال بعدما تيقظ واستنفر وحشد، ضعف أداء ساحات عمل مقاوم كان يؤمل منها التماهي أكثر مع عملية «طوفان الأقصى»، تعقيد الوضع السياسي في المنطقة، قطع الطريق على أي مبادرة للحلول؛ أي لوقف العدوان «الإسرائيلي»، استنزاف أكثر لجهود المقاومة والوضع الإنساني في قطاع غزة وتحييد احتمالية تقديم إغاثة عاجلة للقطاع.
الثالث: الإقرار بالواقعية والاكتفاء بما تم والعمل للخروج بحلول مقبولة:
يقوم هذا السيناريو على قاعدة إقرار أطراف المواجهة بما حققته حركة «حماس» من ضربة مزلزلة للاحتلال «الإسرائيلي»، والرد الصهيوني الإجرامي على المدنيين والمجتمع في قطاع غزة، وشكل ومستوى التوغل البري الصهيوني، والتعقيدات الكامنة خلف احتمال إطالة الأزمة.
عوامل نجاح هذا السيناريو: اقتناع الإدارة الأمريكية بحجم ما قدمته من دعم سياسي وعسكري للاحتلال مقابل محدودية قدرته على تحقيق نصر عسكري ساحق كما يأمل ضد «حماس»، تطويق أي احتمال لتمدد المواجهة إلى ساحات أخرى، الأخذ بالاعتبار أخطار استمرار الأزمة والعنف «الإسرائيلي» على العالم الذي ينتفض وترفع المنظمات الدولية صوتها ضد الإرهاب «الإسرائيلي»، الحرج الذي تشعر به دول إقليمية مؤثرة من استمرار أو اتساع المعركة، الأخذ بعين الاعتبار وجود أسرى لدى «حماس»، اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، القلق الأمريكي من المزيد من الاستثمار الصيني الروسي، بروز عوامل قلق داخلي في الكثير من المجتمعات والدول الحليفة لواشنطن، خوف واشنطن من استهداف مصالحها في المنطقة بعد هذا الدعم اللامتناهي لنتنياهو وهذه المجازر ضد المدنيين.
عوامل ضعف هذا السيناريو: تطرف إدارة بايدن في دعمها للاحتلال ما عقد الأزمة وصعب الحلول، عدم قدرة الاحتلال على تحقيق نتائج حاسمة بارزة، مصير نتنياهو وفريقه الحاكم وقيادته العسكرية والأمنية وهو مصير يرعب هؤلاء، ضعف الضغط العربي.
في الترجيح، ومع صعوبة الوضع، نميل إلى السيناريو الثالث الذي هو أقرب إلى التحقق، مع عدم إلغاء أي خيار طبعاً.
لقد حققت عملية «طوفان الأقصى» ضربة موجعة للاحتلال، واضطرت واشنطن لتوفير حماية عاجلة له ومنحته وقتاً كبيراً للرد وحسم المعركة.
لكن «حماس» تمكنت من امتصاص العدوان البري وأوجعت الاحتلال؛ بالتالي فإن المراهنة على انتصار الاحتلال يتراجع ويتهاوى.
ستكون هناك فئة تدفع الثمن، وليس هناك أفضل من نتنياهو وفريقه رغم حساسية ذلك.
سيتم العمل على تدفيع «حماس» ثمناً، وهذا قد يكون من خلال الضغط الإنساني والاجتماعي الذي سببه إرهاب الاحتلال.
من الممكن اللجوء لخطوات لتمرير الحلول عبر مبادرات كالتالي:
1- هدنة إنسانية مؤقتة يتم تمديدها من فترة لأخرى.
2- عملية تبادل لإطلاق الأسرى والمعتقلين تمنح الاحتلال نوعاً من المكاسب المعلنة.
3- مبادرة سياسية إنسانية واسعة على شكل مؤتمر سلام إقليمي أو دولي، يناقش القضية الفلسطينية وموقع قطاع غزة، بما فيها شكل إدارة القطاع.
أياً يكن شكل الحلول، فإن حركة «حماس» حققت إنجازاً إستراتيجياً كبيراً، وإن الكيان الصهيوني تعرض لهزيمة مدوية، وعلى العالم أن يعترف بذلك.
نحن أمام عهد جديد، تحصنه قيادة واعية ومقتدرة للمقاومة وتكتيك مقاوم متميز، وتضحيات شعبنا وعطاء أهلنا في قطاع غزة، صناع المجد.. ومعهم كل شعبنا.