اندفاعية “حماس” واعية ومدروسة، وامتلأت عقلانية وحساباً رقمياً وجَبرياً، وتخطيطاً هندسياً، وخوارط تقدم آمِن، ولم تؤثَر عنها مجازفة ولا نزوة، وقرارها جماعي بعيد عن استبداد الزعامات الفردية التي تلغي وجود الأقران ورفاق الدرب، كما كان قرار فتح، بل امتلأت مسيرة “حماس” موزونية وواقعية، فجاءت أقرب إلى السلامة، لولا أن الله تعالى كتب نوعاً من النقص على جُملة البشر، والكمال متعذَر وغير وارد في خيالنا.
من هنا كانت “حماس” قُدوة في الجهاد، ودَخَل الجهادُ ضمن حسابات القادة الإسلاميين، وانهارت تُهَم مَن يتهم كل ممارسة جهادية بأنها ترتكب نوعاً من التهورات هي من الحتم المقضي عليها، بل نهض مثال حماس كأداء بريء من المغامرة والتعسف والاندفاع الساذج الذي ابتليت به القاعدة و”داعش” وجبهة إنقاذ الجزائر وتصرفات الأفغان والشيشان، فإن الفرق عظيم، وجهاد “حماس” منبثق من وجودٍ دعوي تربوي السمت، وعميق الفكر، وترعاه الاجتهادات المصلحية والمقاصدية التي تتقنها ثُلّة من علماء الشرع الدعاة المراقبين لأداء حماس العام، والجهادي بخاصة، وبذلك عاد الفكر الجهادي أن يكون مقبولاً من كل الأجزاء الدعوية القُطرية، بلا وساوس وهواجس وتخوفات، لرؤية القادة مثال الجهاد العقلاني السليم من الشوائب قائماً ملموساً يحقق الانتصارات، ويجلب احترام الناس، وما عاد إحساس رجوع القهقرى مقبولاً، ولا تخذيل القعود وارداً، ونجحت حماس بذلك في تسويق صفقات الجهاد الموزون، وتوارى الإنهزاميون، غير صَفاقة يُبديها الخونة الذين يتاجرون بالسلم مع اليهود لمصالحهم الشخصية، ويبيعون القضية بثمن رغدِ عيشٍ يُوعَدون به، وأما في الوسط الإسلامي الإيماني فقد أذعن الجميع لأدِلّة “حماس” ومنطقها، وانعقد إجماع من الفقهاء على تجديد الإفتاء بوجوب الجهاد، وتحول التوجه الجهادي إلى عُرفٍ إسلامي راسخ.