رسمت المرأة على مدار التاريخ الإسلامي صوراً مشرقة للدعم والثبات والصمود، وزخرت كتب التاريخ الإسلامي بقصص ومواقف تحكي بطولات المرأة المسلمة على مدار التاريخ.
ويكفي أن خديجة بنت خويلد هي أول من آمن بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأول من سانده بالرأي والمال وكل أشكال الدعم.
وعلى درب خديجة ورفيقاتها سارت المرأة الفلسطينية لتمثل أسطورة حقيقية للإيمان والعزة في مواجهة الواقع المرير الذي تعيشه.
وعلى مدار تاريخ الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، تطالعنا شاشات التلفاز كل لحظة بصور ومشاهد تجسد صمود نساء فلسطين في مواجهة التحديات الجسام رغم المجازر والدماء، ولعل آخرها الحرب الإجرامية على غزة حيث استطاعت المرأة الفلسطينية أن تجسد أسطورة الصبر والصمود لكل نساء العالم، وبعثت بصوتها الصارخ وكلماتها المؤمنة رسائل الثبات من أرض الرباط إلى المسلمين في كل بقاع العالم؛ أنه لا تزال هناك طائفة من النساء المسلمات لم تعقم أرحامهن أن تلد وتربي الرجال والأحرار لتلك الأمة الجرحى.
تضحيات جسام
تواجه المرأة الفلسطينية منذ عقود تحديات كبيرة في ظل الاحتلال الصهيوني والظروف الاقتصادية الصعبة والتهميش الاجتماعي، فيد الاحتلال البغيضة كبلت كل مناحي الحياة، وأرغمتها على تحمل مهام ثقال يعجز الرجال عن تحملها، فهي المناضلة التي يطاردها الاحتلال في كل مكان، والمرابطة في «الأقصى» دفاعاً عن مسرى نبي الله، وهي الأسيرة القابعة ظلماً في سجون الاحتلال، بل ربما تضطرها الظروف إلى تحمل مسؤوليات الأسرة كاملة نتيجة استشهاد الزوج أو اعتقاله، وهي الأم التي تربي الأبطال المقاومين.
وقد جمعنا بعضاً من الإحصائيات التي توضح تضحيات المرأة الفلسطينية في الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، لنعرف قدر التضحيات التي تقدمها.
لقد استشهدت في حرب غزة وحدها 2187 شهيدة، والعدد في ازدياد كل لحظة.
كما يقدر عدد النساء الفلسطينيات اللواتي تم اعتقالهن منذ عام 1967م بأكثر من 15 ألف امرأة منهن 39 امرأة لا تزال قابعة في سجون الاحتلال.
كما يُقدر عدد النساء اللاتي تم تشريدهن بقرابة 750 ألف امرأة فلسطينية، وذلك بسبب الانتهاكات المستمرة من قبل الاحتلال أو الهدم القسري للمنازل.
لكنها استطاعت رغم كل ذلك أن تظل هي رمز الصمود ومنبع الإيمان واليقين للأجيال المتعاقبة، وظلت صامدة ثابتة رغم المحن المتعاقبة والتضحيات الجسام.
دروس في الصبر والثبات
من المشاهد التي تعجز كلماتنا عن توصيفها مشاهد الأم الفلسطينية وهي تقف على رفات ابنها الشهيد وتودعه بالزغاريد، وتقول: هنيئاً له الشهادة، فقد ربيته على ذلك.
وصورها وهي تقف على أطلال بيتها مؤكدة أن الحجارة سنعيد بناءها من جديد، وأنهم باقون على الأرض ولن يغادرونها مهما دفعوا الثمن من أرواحهم ودمائهم.
لقد ربت المرأة الفلسطينية أولادها على معاني النضال ومقاومة الأعداء والتشبث بالأرض، فنشأت أجيال متعاقبة ترفض التهجير وترى الشهادة أغلى أمانيها، وهذا يبشرنا بأن جيل عشق الشهادة أكثر من الحياة لن يترك أرضه ولن يعطي الدنية في دينه.
حاملة للقضية
غرست المرأة الفلسطينية في أولادها عقيدة الجهاد دفاعاً عن أرض فلسطين وفي القلب منها «الأقصى»، كما ورثت الأولاد والأحفاد مفاتيح بيوتهم المهجرة لتبقى القضية حية تتوارثها الأجيال المتعاقبة.
لذا، فقد استهدفها العدو الصهيوني بشكل مباشر بالقتل والاعتقال والتعذيب، وكذا باستهداف الزوج والأبناء سواء بالقتل أو الاعتقال، لكنها ظلت الداعم للجميع رغم آلامها، ولم تُظهر الضعف أو الانهزام أمام العدو، وعَبَرَت فوق آلامها لتُصدر للشعب الفلسطيني بأكمله صور الثبات على الحق مهما كانت التضحيات.
وتشبثت بأرضها وأرضعت حب الأرض للصغار مع اللبن، فشبت أجيال تتشبث بالأرض وتقاوم العدو بحجارتها.
أقمار مضيئة في سماء فلسطين
بعد أن استعرضنا دور المرأة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال ودعم القضية الفلسطينية، كان لزاماً أن نسلط الضوء على بعض المناضلات الفلسطينيات، وإن كن قطرة في بحر تضحيات نساء فلسطين بأكملهن.
– المناضلة أم نضال فرحات: لقبت بـ«خنساء فلسطين»، وهي مربية، ومجاهدة، وقيادية في حركة «حماس»، قدمت للشهادة ثلاثة من أبنائها فداء لأرض فلسطين، كما آوت القائد البطل عماد عقل في بيتها، الذي كان منطلقاً لعملياته الجهادية.
– الشهيدة رزان النجار: وهي مسعفة فلسطينية كانت تؤدي واجبها بكل إخلاص لإنقاذ حياة المصابين في العدوان الصهيوني على غزة عام 2014م؛ لذا استهدفتها آلة القتل الصهيونية لترقى شهيدة أثناء تأدية واجبها الإنساني.
– الأسيرة إسراء جعابيص: تم اعتقالها عام 2015م، بعد حريق شب في سيارتها وأصيبت على إثره بحروق من الدرجة الأولى والثانية والثالثة في 50% من جسدها، وفقدت 8 من أصابع يديها، وأصابتها تشوهات في منطقة الوجه والظهر، ورغم آلامها فإنها لا تزال رهن الاعتقال.
– الشهيدة دعاء شرف: صحفية في إذاعة «الأقصى»، استشهدت مع ابنها الذي لم يكمل عامين في غارة جوية «إسرائيلية» على منزلها في مدينة غزة في الحرب القائمة حالياً لتنقل الصورة للعالم على جثمانها وأشلاء ابنها الصغير.
– الشهيدة جميلة الشنطي: عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» التي استشهدت في حرب غزة الحالية لتنقل قضيتها للعالم على أشلاء جسدها الممزق.
هذه النماذج هي قطرة من فيض تضحيات نساء فلسطين الصامدات اللاتي ما زلن يسطرن بصمودهن وصبرهن ملاحم العزة للشعب الفلسطيني بأكمله.
وفي النهاية، تظل المرأة الفلسطينية رمزًا للصمود والقوة في وجه الواقع المرير، ورغم كل التحديات، فإنها دائماً ترسل رسائل الدعم للمجاهدين ورسائل الصمود لأبناء شعبها الفلسطيني، وكل صور اليقين والثبات للشعوب العربية والإسلامية.