لا تخلو البيوت من الخلافات الزوجية أياً كان سببها، حتى بيت النبوة -خير بيوت الإسلام- لم يخل من بعض المنغصات التي وصلت للهجر الذي يعد سلاحاً تأديبياً ذا حدين، فهو يؤدي للإصلاح إذا تم التعامل معه بوعي وعقلانية بعيداً عن العناد والظلم، وقد يؤدي إلى الجفاء والقطيعة إذا قام به الجهلاء بالدين.
من هنا تأتي أهمية الحوار مع أ.د. محمد عبدالدايم الجندي، عميد كلية الدعوة الإسلامية– جامعة الأزهر، حول أبعاد هذه القضية.
نود التعرف على بعض اجتهادات علماء الإسلام في هذه القضية الحساسة التي تمس صميم العلاقة الزوجية؟
– اجتهد فقهاء الأمة عبر العصور في تفسير معنى «الهجر»، ويمكن تلخيص مواقفهم إلى 3 نتائج؛ أولها أن الهجر في المضاجع بأن يعظ الزوج زوجته، فإن لم تتعظ؛ كان الهجر بتقليل الكلام معها لا يترك نكاحها؛ أي يهجر الزوج زوجته بلسانه، أو يظهر لغضب في القول، ولكن لا يترك جماعها، أما الفريق الثاني فيرى الهجر بمنع المعاشرة الزوجية، رغم أنه ينام بجوارها، وتقليل الكلام معها إذا تلاقيا وإظهار الغضب وعدم الرضا دون فظاظة أو عنف لفظي كالشتم وخلافه، ويرى فريق ثالث أن الهجر كأداة تأديبية تدور حول مقاطعة الزوجة، وعدم معاملتها، مع استمرار حقه في جماعها دون الكلام معها وإعطائها ظهره بعد الجماع، ويجب ألا يخرج الهجر للعلن للخارج كأن ينام الزوج خارج بيته أو غرفة نومه، حتى لا يكون فيه إهانة للزوجة، فيضيع الغرض النبيل للهجر الذي لا تزيد فيه مدة الهجر الكلامي عن ثلاثة أيام.
كلما قصرت مدة الهجر أفضل حتى لا يصل الأمر إلى الجفاء والقطيعة
ما أفضل وسيلة للهجر من هذه الوسائل الثلاث التي انتهى إليها اجتهاد الفقهاء؟
– كل زوج أدرى بما يصلح لزوجته من هذه الوسائل، فبعض الزوجات يصلحها الهجر بالكلام فقط، وبعضهن يصلحهن الهجر بالكلام والجماع، وبعضهن يصلحهن الهجر بالجماع مع استمرار الكلام، فالنفوس والطبائع تختلف من زوجة لأخرى، ولا شك أن الزوج هو الأقدر على اختيار وسيلة إصلاح زوجته الناشز.
الهجر وسيلة تأديبية للزوج للتعامل مع زوجته «الناشز»، واختلفت الآراء في تعريف الناشز، فما قولكم؟
– كلمة «النشوز» في اللغة تعني الارتفاع؛ وبالتالي فإن الزوجة الناشز هي التي ترتفع وتتكبر على زوجها، وترفض طاعته أو تعرض عنه، ولا توفّي بحقوقه عليها، فهذه أهم علامات الزوجة الناشز، ولا يجوز له أن يهجرها إلا بعد أن يعظها ويخوفها عقاب الله لها في حاله استمرارها في عصيانه.
متى تكون طاعة الزوجة لزوجها واجبة شرعاً وإذا خالفته تكون ناشزاً ومن حقه هجرها؟
– أوجب الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم حقوقاً للزوج على زوجته التي يجب عليها طاعته شرعاً طالما لم يأمرها بمعصية؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وفي الوقت نفسه حرم عليها معصيته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها».
ما مدة الهجر الشرعي من خلال الأدلة الشرعية؟
– يرى بعض الفقهاء أن أقصى مدة للهجر شهر، وهناك اجتهادات أخرى أن المدة أكبر من ذلك حتى أوصلها البعض إلى قرابة الأربعة أشهر هي التي لا تستطيع الزوجة أن تصبر عن ابتعاد زوجها عنها أكثر منها، وهذا التحديد لم يأت من فراغ، وإنما جاء اقتداء بما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما أسر النبي إلى زوجته أم المؤمنين حفصة بأمر بينهما، إلا أنها أفشت هذا السر إلى أم المؤمنين عائشة واتفقتا عليه، وسجل القرآن الكريم هذه الواقعة لتكون عبرة للزوجات بأن يكن أمينات على أسرار أزواجهن حتى لا يتعرضن للهجر، فقال الله تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثاً فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَن بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ) (التحريم: 3)، ولا شك أنه كلما قصرت مدة الهجر فذلك أفضل حتى لا يصل الهجر إلى الجفاء والقطيعة.
يجب ألا يخرج الهجر للعلن حتى لا يكون فيه إهانة للزوجة
هل يجوز للزوجة هجر زوجها إذا لم يلب طلباتها أو تكون غير راضية عنه؟
– الهجر حق للزوج فقط، وليس من حق الزوجة هجر زوجها، بل إنها تكون آثمة شرعاً وعلى خطر عظيم إذا هجرته، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت عليه؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح»، وفي رواية أخرى: «إذا باتت المرأة هاجرة فراش زوجها، لعنتها الملائكة حتى تصبح».
إذا كانت وسائل التأديب للزوجة الناشز تتمثل في ثلاثية الوعظ والهجر والضرب، فماذا تفعل الزوجة إذا كان الزوج معرضاً عنها أو لديه بعض مواصفات النشوز؟
– حدد القرآن الكريم العلاج في مثل هذه الحالة كنوع من المحافظة على حقوق الزوجة إذا كان الاعوجاج من الزوج كوسيلة مقابلة للوعظ والهجر والضرب التي أعطاها الشرع كحق للزوج مع زوجته الناشز، فقال الله تعالى: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِن بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء: 128)، وكذلك قول الله تعالى: (وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً) (النساء: 35).
يجب أن يكون تدخل أهل الزوجين للإصلاح ورد الزوج إلى صوابه بالحسنى حتى لا تتفاقم الخلافات الزوجية إذا فكرت الزوجة في هجر زوجها؛ لأن هجرها له حرام شرعاً، وكذلك يعتبر مدخلاً للشيطان للتفريق بين الزوجين وإشعال الخلافات الزوجية باعتبارها أحب الأعمال إلى إبليس، فقال صلى الله عليه وسلم: «إنَّ إبليسَ يضعُ عرشَه على الماءِ، ثم يبعثُ سراياه، فأدناهم منه منزلةً أعظمَهم فتنةً، يجيءُ أحدُهم فيقولُ: فعلتُ كذا وكذا، فيقولُ ما صنعتَ شيئًا، ويجيءُ أحدُهم فيقولُ: ما تركتُه حتى فرَّقتُ بينَه وبين أهلِه، فيُدْنِيه منه، ويقولُ: نعم أنتَ».
لا يجوز للزوجة أن تهجر زوجها لأن هذا مدخل للتفريق والطلاق
قد تطول مدة الهجر عن شهر، ويستمر ليصل إلى مدة الإيلاء، فما الفرق بين الهجر والإيلاء؟
– ذكر الله الهجر ضمن العقوبات التأديبية للزوج في إصلاح وردع زوجته الناشز إذا لم تستمع لوعظه ونصائحه، أما الإيلاء فقال عنه الله تعالى: (لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (البقرة: 226)، فهو أن يحلف الزوج أن لا يطأ زوجته، فحدد له الشرع أربعة أشهر كحد أقصى ليحدد موقفه، فإن جامعها، فهذا خير، وعليه كفارة يمين، وانتهت المشكلة، أما إذا استمر ورفض أن ينهي قطيعته، فولي الأمر أن يوقفه أو يخيره بين أن ينهي إيلاءه وقطيعته لها، وإما أن يطلقها، أو يكون لها حق طلب الطلاق للضرر بها، وكذلك لها حق الصبر.