بمناسبة الحملة الوحشية البربرية على قطاع غزة، بعد عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023م، استدعى جيش الغزو النازي اليهودي في فلسطين المحتلة جندياً سابقاً، اسمه “عزرا ياشين”، وعمره ٩٥ سنة للخدمة العسكرية، والمذكور أكبر وأقدم جندي صهيوني، شارك في الحروب التي شنّها العدو جميعاً، وكان أحد المسئولين عن مذبحة “دير ياسين” التي قامت بها عصابتا الإرجون وشتيرن الإرهابيتان، وتمت في ٩ أبريل عام ١٩٤٨، وبلغ ضحاياها 360 مدنياً فلسطينياً معظمهم من الأطفال والنساء في إبادة جماعية مدبّرة، وبعد طرد من تبقى من سكان القرية أقيم على أرضها مطار بن جوريون الحالي!
لقد جرى استدعاء الإرهابي عزرا وقد أوشك أن يتم قرناً من الزمان ليرفع الروح المعنوية لدى الجنود القتلة في حربهم ضد الشعب الفلسطيني.. وذهب إلى جبهة القتال على حدود غزة ليقول لهم:
اهزموهم واقضوا عليهم وعلى أمهاتهم وأطفالهم..
هذه الحيوانات لم تعد قادرة على العيش معنا بعد اليوم، ليس لدينا أي سبب لعدم القيام بذلك، هاجموا أعداءنا ودمروا منازل السكان وكل شيء في طريقكم بكل قوة..
يجب على كل يهودي منذ اليوم أن يحمل السلاح، وإذا كان لديك جار عربي فلا تنتظر اذهب إلى منزله وأطلق النار عليه!!
إسرائيل يجب أن تكون لليهود فقط، ولا مكان لأي عربي فيها!!
عقيدة الدم والعنصرية
ما قاله الإرهابي العجوز يعبّر عن حقيقة العقيدة الصهيونية تجاه العرب والفلسطينيين، وهي عقيدة الدم والعنصرية والحقد والتعصّب والكراهية، ومنهج اللصّ الذي لا يسمح للضحية أن تتعايش معه أو تعيش حيّة. ويظن بعض الناس في بلادنا أنه يمكن أن يحل السلام بين القتلة الغاصبين وبين الضحايا من أصحاب الأرض، ويسارعون للتطبيع معهم أملا في التخفيف من غلوائهم وشططهم فيسلّموا ببعض حقوق الشعب المظلوم.
وبينما يطبّق الغاصبون الغزاة شريعة القتل الصهيوني بأبشع ما عرفته البشرية، ويمارسون على مدار الساعة عمليات الإبادة الجماعية من ذبح وتدمير وتهجير وحصار قاتل بمنع الماء والوقود والطعام والدواء وهدم المستشفيات وإخراجها من الخدمة، يلهو بعض العرب في مهارج الرقص والطبل والزمر ، والألعاب الإلكترونية والمباريات الرياضية ومسابقات الجمال والتنعم برؤية البكيني على الرمال الصفرا!، ويقولون : لا تحرّموا الفنّ والاستمتاع بالحياة!﴿فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَن يُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَالُوا لَا تَنفِرُوا فِي الْحَرِّ ۗ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا ۚ لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ﴾[ التوبة: 81]
وتتعالى الصيحات: تريدوننا أن ندخل حروبا لا طاقة لنا بها؟
شيطنة المقاومة
والأعجب من ذلك يسلّطون أبواقهم ومنصّاتهم لتلقي بالتبعة على المقاومة الإسلامية التي لم تحسب رد الفعل، ولم تتشاور مع الأشاوس والنشامى في قصورهم واستراحاتهم وتبلغهم أنها ستقوم بعملية طوفان الأقصى! ولا يكتفون بذلك بل تخرج الأبواق ذاتها لتصف المقاومة الإسلامية بالإرهاب والعمالة لهذه الدولة أو تلك، وتحلل دمها للقاتل الصهيوني الغاصب! وكان من أعجب العجب أن تقوم مندوبة إحدى الدول العربية في الأمم المتحدة بإدانة المقاومة الإسلامية في مجلس الأمن وتردد ما يقوله العدو حرفيا.
ثم العجب العجاب في مشاركة طائرات بعض الدول العربية لطيران العدو في قصف الشعب الفلسطيني! وفي السياق نفسه تنقل الأخبار امتناع بعض الدول العربية عن التصويت الإيجابي لصالح القرار الأممي الذي يؤيد وقف القتال ورفع الحصار..
ليست وجهة نظر!
ثمانون عاما والعرب يرون بأم العين أن الغزاة القتلة لم يقبلوا بقانون دولي ولا إرادة أممية و لا شريعة إلهية ولا قواعد إنسانية ولا مبادرات عربية استسلامية. ثم نرى بعض الدول العربية عن طريق أبواقها المأجورة تهاجم من يرفع عنها الحرج، ويضحي بدمه وبيته ومستقبله نيابة عن الأمة كلها من أجل القدس والمسجد الأقصى المستباح والأرض المقدسة المحتلة! ونسمع من يؤيّد العدو ويدعمه في إجرامه وإبادته للشعب الفلسطيني في القطاع والضفة ويستنكر أن يرد عليه الناس بالمنطق والعقل، ويدعي أن هذه وجهة نظر، ورأيا آخر، وهي ليست كذلك، إنها خيانة سافرة وفاجرة، علما أن الخونة ليست لهم قيمة عند الغزاة القتلة، وقد قال أحدهم في فيديو شائع، إننا نرحب بمن يخونون بلادهم، ولكننا نحتقرهم، ولعلهم يذكرون الخائن أنطوان لحد (1927 – 10 سبتمبر 2015) الضابط في الجيش اللبناني الذي رأس ما يسمى دولة لبنان الجنوبي المدعومة من العدو. لقد انتهى به المطاف بعد تحرير الجنوب إلى أن ركله الغزاة القتلة، وأضحى مجرد عامل يغسل الصحون في إحدى المدن الفلسطينية المحتلة من أجل أن يأكل ويظل على قيد الحياة.
طعنة في الظهر
الخيانة ليست وجهة نظر، ولا رأيا آخر، ولكنها طعنة في الظهر للدين والأمة والأوطان، إن من حق المقاومة أن تؤلم العدو الذي لا يصغي لقانون أو نظام دولي، ومن واجبها أن تضربه في الوقت والمكان المناسبين بما يحقق لها أن تنزل به أكبر الخسائر، ولا أظن عاقلا يطلب من المقاومة أن تنشر خططها ونواياها على الملأ، ولا أظن عاقلا يتخيل أن تكون عمليات المقاومة دون رد فعل، ويتضمن رد الفعل عادة خسارة أغلى الأشياء، وهي الروح أو الشهادة، المقاومة كما يعلم المقاومون والمقاتلون من أجل الحرية هي تقديم الأرواح وغير الأرواح! فماذا يريد أصحاب وجهات النظر الموالية للعدو؟
إن المقاومة تعلم أن العدو في عدوانيته وشراسته ليس له مثيل في التاريخ، حتى من يعيشون في الغابة يواجهون قانونا له سقف من التوحش. وتعلم المقاومة أيضا أن هذا العدوّ الهمجي تسانده حكومات همجية متوحشة تؤمن بما يسمى القتل الإلهي!، وتدعمه بالسلاح والذخائر والعتاد، وتقف إلى جانبه في المحافل الدولية ومؤسسات الدعاية، وفي الوقت نفسه تصدر خطابا نفاقيا ملفوفا بكلمات ناعمة وكاذبة، مثل: من حق الغزاة القتلة الدفاع عن النفس، أو البكاء على أطفال ذبحتهم المقاومة، ولم يُذبحوا حقيقة، ولعل هذا ما أحدث تحولا في الرأي العام العالمي بصورة ما بعد أن شاهد الوحشية الهمجية بأم عينيه، ودفع كثيرا من مشاهير العالم إلى الغضب، ومنهم الممثلة الأميركية المعروفة أنجلينا جولي، التي أعلنت بكل قوة: أن الفلسطينيين يتعرضون للعقاب الجماعي وتجريدهم من إنسانيته، وقالت في تغريدة على صفحتها في “إنستجرام”:
سجن مفتوح
«هذا هو القصف المتعمد للسكان المحاصرين الذين ليس لديهم مكان يفرّون إليه.. لقد ظلت غزة بمثابة سجن مفتوح منذ ما يقرب من عقدين من الزمن، وتتحول بسرعة إلى مقبرة جماعية.. 40% من القتلى أطفال أبرياء وعائلات بأكملها تُقتل».. وأرفقت التغريدة بصورة توضح الدمار التى تعرضت له غزة. وأضافت «أنجلينا»: «بينما يراقب العالم، يتعرض الملايين من المدنيين الفلسطينيين من الأطفال والنساء والأسر للعقاب الجماعي وتجريدهم من إنسانيتهم. كل ذلك بينما يُحرمون من الغذاء والدواء والمساعدات الإنسانية، وهو ما يتعارض مع القانون الدولي. (الأهرام، 3 نوفمبر 2023).
إن الذين يروّجون لفكرة أن الخيانة وجهة نظر، يدافعون في الحقيقة عن المخلفين والقاعدين عن الجهاد، واللاهين في مهارج الرقص والطبل والزمر والألعاب الإلكترونية ومسابقات الجمال والتمتع بالبكيني على الرمال الصفراء، لقد أعفاهم أبو عبيدة من الجهاد والقتال، وقال لهم بعد مرور أكثر من عشرين يوما على القتال(29/10/2023م): “إن المقاومة لا تطلب منهم التدخل العسكري “لا سمح الله”، وتساءل: “لكن هل وصل بكم الذل والهوان ألّا تقدروا على إدخال مساعدات إنسانية للشعب الفلسطيني؟”. (الخونة المأجورون يسخرون من اسم أبي عبيدة!).
أبو عبيدة المتحدث باسم المقاومة يسرد في فخر وعزة ما يقوم به زملاؤه من جهاد يكبد العدو خسائر غير مسبوقة في الأشخاص والدبابات، ويفخر بمقاتل فجّر وحده ثلاث دبابات، ولكنه يعيب على القاعدين أن يعجزوا عن إدخال المساعدات الإنسانية للشعب الذي يكاد يموت جوعا!
أشياء كثيرة
كان يمكن للحكومات العربية أن تفعل أشياء كثيرة دون قتال، أن تقطع العلاقات وتوقف التطبيع مع العدو الذي يقتل الأشقاء (هل صار الدم ماء؟)، (بوليفيا وكولومبيا وتشيلي قطعت العلاقات مع العدو!)، وكان يمكنهم أن يقطعوا الغاز والبترول والغذاء الذي يتم تصديره إلى دول الدعم الصليبية، ولا يدخل قطاع غزة، وكان يمكنهم أن يوقفوا مرور الطيران في الأجواء المحلية والهبوط في المطارات العربية، وكان يمكنهم سحب الاعتراف بدولة الكيان الصهيوني، ومعه المبادرات الاستسلامية التي لم تتحرك قيد أنملة بسبب غطرسة العدو وعجرفته.
هناك بلا شك خطوات محدودة قامت بها بعض العواصم العربية في مجال الطيران، وسحبت إحداها سفيرا، وقالت لا نريد سفيركم، هناك أيضا موقف رئيس وزراء الصومال الذي قال: إن حماس حركة مقاومة وليست حركة إرهابية. نقول هذا ولو قطعوا رءوسنا. وهناك جموع الشعوب العربية والإسلامية التي تفاعلت تظاهرا وتأييدا للمقاومة الإسلامية، وشهد العالم موقف الشعب المسلم في جمهورية داغستان الإسلامية الذي خرجت جموعه لتنقض على طائرة قادمة من تل أبيب واحتلت مطار “محج قلعة” بكل مرافقه حتى أرغمت الطائرة على الإقلاع دون أن ينزل منها ركابها الصهاينة.
المقاطعة الفعالة
وتبنت الشعوب العربية والإسلامية مقاطعة الشركات والمنتجات الأجنبية التي تدعم كيان الاحتلال الغاصب بالمال والمواقف، كما ظهر في عدد من المجالات ومعظمها تركز في المطاعم والمشروبات الغازية والمنظفات. وقد أثمرت المقاطعة ثمارا طيبة، فقد شاهد الناس بعض المطاعم وهي خاوية على عروشها لا يدخلها أحد، وبعضها لم يجد مفرا من الإغلاق، وقامت بعض الشركات التي تعرضت للمقاطعة بتخفيض أسعار مشروباتها، ونزلت بها إلى نسبة 20% من السعر القديم، وانتعشت المشروبات المحلية وتضاعف إنتاجها ثلاث مرات، وتحاول بكل السبل أن تفي بمطالب الجمهور بعد الإقبال الشديد عليها، واستغني الناس بالمنظفات المحلية عن المنظفات المستوردة، وهو ما جعل الدعوات تتصاعد لاستمرار المقاطعة، ووقف الاستيراد من دول الدعم للكيان الصهيوني للسلع جميعا باستثناء الضروري الذي ليس له بديل محلي أو عربي، ورافق ذلك دعوات للاكتفاء الذاتي من المنتجات المختلفة.
لا يخجل أصحاب “الخيانة وجهة نظر” من محاولات التقليل من قيمة المقاطعة، والادعاء أنها تؤثر على آلاف العائلات التي تعمل في الشركات المستهدفة، وكان الردّ ولماذا يعملون فيها؟ يجب أن يعملوا في مؤسسات محلية، وفي كل الأحوال عليهم أن يتحملوا شيئا من الضريبة التي يدفعها أهل غزة!
لأول مرة
إن المعركة مع العدو المتوحش طويلة، ويجب أن نتذكر أنه لأول مرة يرى المعارك تنتقل على الأرض المحتلة قبل 1948م، ولأول مرة يدفع ثمنا باهظا لم يتعود عليه من قبل في الأشخاص والمعدات والأمن، لدرجة أن يقول رئيسهم الإرهابي السفاح بنيامين نتينياهو : نحن نذرف الدموع ولكننا سننتصر!، ونسي أن وحشيته لم تحقق له النصر حتى الآن!