يحيي التركستانيون في أنحاء العالم بالمهجر اليوم الوطني لدولتهم المغصوبة، في الذكرى الـ90 لتأسيس جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية (12 نوفمبر 1933م) بمدينة كاشغر العريقة، والذكرى الـ79 لتأسيس جمهورية تركستان الشرقية (12 نوفمبر 1944) بمدينة غولجا الثورية.
تناولت في المقال السابق تعريف ماهية الهوية، وقمت بتقسيمها إلى النوعين الرئيسين؛ وهي الهوية الوطنية، والهوية الثقافية، فالهويّة الوطنيّة بالنسبة للتركستانيين معقدة وصعبة، فأي تركستاني في العالم إذا قيل له: «هل أنت صيني؟» -بسبب جواز السفر– فيعتبرها إهانة في شخصه وحقارة له؛ فيبادر بالرد المتفاهم بـ«لست صينياً، بل تركستانياً إيغورياً!».
إذ الهويّة التي تُستخدَمُ للإشارة إلى وطن الفرد أو المواطن، التي يتمُّ التّعريفُ عنها من خلال البطاقة الشخصيّة التي تحتوي على مجموعةٍ من المعلومات والبيانات التي يتميّزُ فيها المواطن الذي ينتمي إلى دولة ما، أو ما يعرف اليوم بالجنسية الوطنية ويفتخر بها، بعكسنا كتركستانيين لا نزال نكافح لأجل استعادة الهوية الوطنية وأراضينا من الاحتلال الصيني.
أما الهويّة الثقافيّة لنا كتركستانيين، هي الهويّة التي ترتبط بمفهوم الثّقافة التي يتميّزُ فيها مُجتمعٌ ما، وهي السقف الذي يستظل تحته أفراد تلك المجموعات التي تعتمد على عناصر أساسية بشكل مباشر، يمكن من خلالها إبراز الخصوصيات التي بها تتميز تلك الجماعة عن الصينين بالإطلاق.
وهي بعناصر دين الإسلام، أعراق الأتراك التاريخية التي كانت تمثلها قومية الإيغور -الغالبية في الإقليم- والقازاق والقرغيز وغيرهم حالياً، اللغة الإيغورية التي تنحدر من اللغة التركية التي تشجرت إلى اللهجات الفرعية، كالإيغورية والقازاخية والقرغيزية وغيرها (كلها فروع أصيلة من اللغة التركية).
الفنون الحضارية الخاصة بهم، والتقاليد العامة التاريخية وطراز معاشهم اليومي التي قدّمها الشعب التركستاني إلى الإنسانية عموماً، التي تُميّزهم عن الصينيين الهان في المشهد الحضاري والتاريخي والثقافي.
وبالإضافة إلى أن أهم أركان الهوية على الإطلاق -كوننا مسلمين- هو العقيدة الإسلامية، يليها التاريخ واللغة وبقية عناصرها السابقة؛ فإذا تحدثنا عن الهوية الإسلامية، نجد أنها مستوفية لكل مقومات الهوية الذاتية المستقلة، بحيث إن الهوية الإسلامية تستغني تماماً عن أي لقاح أجنبي عنها، وتستعلي عن أن تحتاج إلى لقاح أجنبي يخصبها؛ فهي هوية خصبة تنبثق عن عقيدة صحيحة وأصول ثابتة رصينة تجمع وتوحد جميع المنتمين إليها تحت لوائها ومظلتها، وتملك رصيداً تاريخياً عملاقاً لا تملكه أمة من الأمم، وتشغل بقعة جغرافية متصلة ومتشابكة وممتدة برباط أخوة الدين، وتحيا لهدف واحد هو إعلاء كلمة الله، وتعبيد العباد لربهم، وتحريرهم من عبودية الأنذال إلى عبودية الله عز وجل، وأي واحد من جنود الجيش الإسلامي الذي كان يفتح البلاد ويبشر وينشر ضياء ونور الإسلام، إذا سألته سيردد جواب ذلك الصحابي الذي سئل: ما جاء بكم؟ فقال: الله جاء بنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الديّان، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، أو كما قال رضي الله تعالى عنه.
فهذه الهوية الإسلامية لشعب تركستان الشرقية نضجت عبر التاريخ البعيد، وكان موقعهم جزءاً أساسياً من الرقعة الإسلامية، والموطن الأم للأتراك القدامى من جهة أخرى.
فاليوم يستمر الكفاح الشعبوي التركستاني والنضال لاستعادة الهوية الوطنية في ذروته في المهجر، فمثلاً؛ خلال هذا الأسبوع من نوفمبر، تواردت لي دعوات خاصة كثيرة من عدة جهات تركستانية – إيغورية باسم شخصي لحضور فعاليات متعددة في يوم 12 نوفمبر، من أجل إحياء الذكرى لهذا اليوم لدى الجيل الحاضر والقادم من أبناء الشعب التركستاني، في كل دول ومدن يعيشون فيها.
كمثال على ذلك، نتناول حالة مدينة إسطنبول التي يكثر فيها التركستانيون، بحيث تم تنسيق فعالياتهم على الترتيب الموثق من حيث توقيت زمني لا يتصادم بعضها بعضاً لكيلا يضطر أحد اختيار إحداها ويترك الأخرى؛ وكل فعالية تتميز بنوعية خاصة من عناصر الهوية الوطنية والإسلامية للشعب التركستاني.
على سبيل المثال؛ قام اتحاد علميار الشبابي -وهو الائتلاف الطلابي المهتم بالدراسات الإسلامية بتركيا- بتنسيق افتتاح مقره الرئيس لهذا اليوم لتكريس معاني الكفاح الوطني لعموم الشباب الإيغور.
كما قامت مجموعة الإيغور الستيم –وهي تجمع الطلبة الإيغوريين تدرس في الهندسة والفنون التقنية بتركيا- بتنظيم الندوة والمحاضرات إحياء لذكرى الجمهوريتين.
بالإضافة إلى فعاليات الاتحاد العالمي لمنظمات تركستان الشرقية الذي يحضر أغلبية الشعب في الفعالية الأشمل والأكبر من حيث المحاور والمضامين لإحياء حقيقي لتلكم الجمهوريتين في نوفمبر 1933 وعام 1944م.
رغم اختلاف المشارب الثقافية والاتجاهات السياسية والرؤى الدينية، فإن هذا اليوم التاريخي يجمعهم على إحياء هذا اليوم الذي له أهمية عظمى لأهل تركستان عموماً، فإليكم بعض المعلومات المهمة من هذا اليوم باختصار وإيجاز:
كان قد ظهر في هذه الفترة رواد الصحوة الإسلامية في المجتمع العربي كمحمد عبده، ومحمد رشيد رضا؛ في حين سعى السلطان عبدالحميد الثاني بنشر «فكرة الجامعة الإسلامية»، وبرزت حركات التجديد الفكري الإسلامي التي بدأها الشيخ إسماعيل الغسفرالي؛ صحا المجتمع التركستاني في أوائل تلكم اليقظة التنويرية، وأدت دوراً كبيراً في ثورات الشعب ضد العدوان الاستعماري؛ لأن قوة المسلمين الأتراك فقدت كيانها أمام القوات الاستعمارية من الروس والصين المانشورية والإنجليزية.
وفي مبادرة شعب تركستان الشرقية بثوراته الضخمة، ظفر بإقامة دولته الجمهورية مرتين، في نوفمبر 1933 وعام 1944م، إلا أنهما انتهيتا بإزهاق أرواح الملايين من المسلمين، بين مطرقتي قوات الاحتلال الصيني والاتحاد السوفييتي الذي اجتاح تركستان الغربية، شعوب آسيا الوسطى.
فبهذه الظروف المتشابكة لوحظ هناك بعض الميول والميوعة والانخراط مع الاتحاد السوفييتي الشيوعي فكرياً وأيديولوجياً قبل أن يكون سياسياً، خاصة بعد تغيّر النظام العالمي ورسوم الحدود الجديد عقب الحرب العالمية الثانية، قد استغل الاتحاد السوفييتي منها بتدخل سرّي في شؤون ثورة الشعب الإيغوري في تركستان الشرقية، بانتقاء من يتعامل معه سياسياً وإبعاد المعارض له.
فعلى عكس ما توقعه النظام السوفييتي، ازداد تأثير القومية الإسلامية التركية في تمثيل قيادة الشعب بالسلطة في أنحاء البلاد، وأوجس من انتشارها بين شعوب آسيا الوسطى التركية؛ فدفع ممثلي قادة جمهورية تركستان الشرقية إلى الاتفاقية مع الحزب الشيوعي الصيني، وخطط لإسقاط هذه الجمهورية الجديدة التي دعمها أولاً، بتصفية أصحاب هذه الفكرة التي سمتها باسم «فان إسلامزيم» و«فان تركيزيم» فيما بعد، وتوجه إلى تأييد الفريق المنخرط معه في الاتجاه السياسي الشيوعي من جهة، وإلى مساعدة الحزب الشيوعي الصيني في حربها ضدّ الحزب الوطني الصيني وحضوره في تركستان الشرقية، ليكون حارسه في منع انتشار تأثير القومية التركية الإسلامية، ومنع قيام دولة تركية إسلامية بجواره، وخنقها في باكورتها.
خلاصة
عندما أظهرت التواريخ يوم 12 نوفمبر 1933م، ناضل شعب تركستان الشرقية في مدينة كاشغر بتركستان الشرقية ضد الصين الغاشمة وأسسوا جمهورية تركستان الشرقية الإسلامية.
لها دستورها الخاص القائم على مبادئ الإسلام، وهي مستقرة اقتصادياً وتعليمياً.
وكانت هذه الجمهورية التي ضمنت السلام في المجتمع وقامت على مبادئ الاستقلال التام ضد الصين المحتلة، نقطة تحول مهمة في تاريخ نضال شعب تركستان الشرقية من أجل الاستقلال.
لقد فقد شعب تركستان الشرقية الذي كان لديه جيشه وتعليمه ونظامه الاقتصادي استقلاله واستقراره الاقتصادي والثقافي مع الاحتلال الصيني.
واليوم، يواصل شعب تركستان الشرقية، الذي لا يزال يعيش تحت اضطهاد الصين، الحفاظ على أحلامه في الاستقلال حية.
إن سياسات القمع والاستيعاب التي نفذها الحزب الشيوعي الصيني في تركستان الشرقية لم تدمر حلم الاستقلال لشعب تركستان الشرقية، لكن كل اضطهاد زاد من تأجيج شغفهم بالاستقلال.
بالتأكيد أن شعب تركستان الشرقية سوف ينال استقلاله يومًا ما، ولن يتمكن أي ظلم من إطفاء نار استقلال شعب تركستان الشرقية.
تحيا الحكومة الإسلامية سعيدة! عاش استقلال وطننا العظيم تركستان الشرقية.