تناولنا في المقال السابق قصة ثمامة بم أثال -سيد بني حنيفة.. أسره وإسلامه ومقاطعته الاقتصادية التي ضجت منها قريش، وأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه بأرحامهم أن يكتب إلى ثمامة ليوقف مقاطعته لهم.
التعامل التجاري مع العدو في ميزان الشرع
منتجات الأعداء: نأتي إلى الحكم الشرعي في التعامل التجاري مع العدو، وبناءً على ما سبق نقول:
1- إن الأصل في طعام أهل الكتاب هو الحِل، لقوله تعالى:(وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ) (المائد:5).
ومن ثَم فلا جناح على المسلمين في التعامل التجاري معهم، ما داموا لم يقاتلوا المسلمين.
قال الله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) (الممتحنة:8)
2- بيد أنه لا يجوز التعامل التجاري أو عقد اتفاقات اقتصادية مع الأعداء أو المحاربين للمسلمين أو المحتلين للأرض الإسلامية فضلاً عن حرمة شراء منتجات العدو، وتوزيعها، وشحنها واستيرادها.
قال الله تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحن:9).
وتحريم الشراء منهم –في هذه الحالة– لعلةٍ وجيهة، ولسببٍ بيَّن، وهو أن التعاون التجاري يقوي أعداء المسلمين، فإذا كانت النكاية في إعداء المسلمين فريضة، فإن تقويتهم كبيرة من الكبائر، وهي كالخيانة العظمى، سواء بسواء.
ومن ثم لا يجوز التعامل التجاري مع مصنع أو شركة أو مؤسسة تابع للعدو حتى ولو لم تمد الجيش المعتدي المحارب بمعونة أو سلاح..
3- أما إذا وُجد “مصنع” أو “شركة” للعدو تصرف سهمًا من الأرباح لدعم الجيش المعتدي على المسلمين -كما هو الحال في شركات صهيونية مثل “ببسي” و” كوكا كولا ” و”ماكدونالدز”- تخصص نسبة من أرباحها للجيش الصهيوني ولبناء المستوطنات الصهيونية على أرض المسلمين– فإن حرمة التعامل معها أشد، وذنبها أشنع، وإثمها أفجع؛ وذلك لأن المسلم –في هذه الحالة الأخيرة– يساهم بماله في قتل إخوانه.
فشركة “ماكدونالدز” –على سبيل المثال– تخصص ريع أيام معينة في السنة لصالح الجيش الصهيوني، وهذا في جميع فروعها، ومعنى ذلك أن المسلم الذي اشترى طعامًا من هذا المطعم؛ فإنه قد شارك يقينًا في قتل مسلم أو أسر مسلم أو هدم مسجد في فلسطين!
يقول الشيخ يوسف القرضاوي –حفظه الله– في فتواه الشهيرة:
“حرام علينا أن نشتري من بضائع هؤلاء، لا يجوز لمسلم أن يدفع لهم درهمًا، أو ريالاً، أو جنيهًا، أو عملة من العملات.. كل عملة من هذه، كل ريال يدفع لهم؛ يتحول إلى رصاصة في صدر أخيك وأختك وابنك وابنتك هناك في فلسطين، أنت إذن بهذا تساعد على قتلهم، فلا يجوز أن تقتل إخوانك، إذا لم تقاتل عنهم فلا تقتلهم، أنت تقتلهم بمالك الذي تشتري به هذه الأشياء، سواء كانت بضائع إسرائيلية أم بضائع أمريكية”[2]
وأوصيك أخي:
1-أن تعمل على إحياء “المقاطعة” كلما ماتت وإيقاظها كلما نامت، أحيها في الناس حولك، أيقظها في نفوس التجار والمستهلكين.. إن ذلك من الولاء والبراء لله ولرسوله وللمؤمنين، ونصرة المظلوم واجبة، والجهاد بالمال فريضة..
2- أن تطالب أولياء الأمور والساسة والقادة بأن يساندوا شعب فلسطين المسلم.
3- أن تحذِّر سفهاء الأحلام الذين جعلوا من مقاطعة الأعداء بدعة، من مغبة ظلمهم لإخوانهم بهذا القول الشنيع، فالخَرس خير من الخِلابَة، والبَكَمُ خير من البَذاء، ألا يرعوون!؟ ألا يتخوفون قارعة تحل بهم جراء تقصيرهم!؟
4- أن تحذِّر من خطورة الاعتراف بأي حق مزعوم للصهاينة في فلسطين، فالاعتراف لهم بذلك خيانة، والسكوت عن ذلك أشر من الدياثة، ولقد أصدر علماء الأزهر فتوى في الأول من يناير عام 1956 جاء فيها:
أ-لا يجوز الصلح مع اليهود أعداء الله، مغتصبي فلسطين.
ب- لا يجوز الدخول معهم في مشروعات استثمارية…
ج- لا يجوز الدخول في تحالفات مع الدول التي تدعم الكيان الصهيوني.
5- أن تنشر قوائم المنتجات المحرمة، والمقرر مقاطعتها، انشرها بين الناس، علّقها، انسخها، مستخدمًا كافة وسائل التواصل والاتصال والنشر والطبع، فأحرى بك ألا تَطعم طعامًا من صنع أعدائك، وهم يقتلون إخوانك، وإخوانك يتضاغون جوعًا من الحصار، قد قرحت أشداقهم، وجفت بطونهم، ونَقَّ عظامهم، وقد ضعضتهم النوائب، وعقرتهم المصائب.
6- أن تهتم بقضية المسلمين في فلسطين وفي غيرها من بلدان الاستضعاف، وقد جاء في الأثر: “من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم”، فتستطيع أن تنشر القضية الفلسطينية فيمن حولك.. انشر قضية إخوانك المستضعفين وحث الناس على دعمهم، والجهاد بالنفس والمال واللسان في سبيل الله، ذكّر أهلك وأولادك وأقاربك، حث أصحابك وزملائك، راسل الصحف والمجلات ومواقع الشبكة العنكبوتية، شارك بمقالة أو بمشاركة صغيرة.. شارك في المنتديات والمدونات، أو صمم مدونة بنفسك على الإنترنت تبث منها القضية، وذكر شباب المسلمين بقضية فلسطين، شارك –قدر استطاعتك– في جميع الفعاليات المعنية بالقضية الفلسطينية من مؤتمرات وندوات ومحاضرات، إن هذه الفعاليات تعطي دعمًا معنويًا كبيرًا لشعبنا في فلسطين.[3].
_____________________________________________
[1] – الكاتب: محمد مسعد ياقوت – عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين.
[2] – زاد الخطيب إلى تحرير الأقصى الحبيب، 336.
[3] – المجتمع – العدد: 1829، 29/11/2008