المفكر المصري محمد عصمت سيف الدولة، علم من أعلام الدفاع عن القضية الفلسطينية بمصر، وأحد حراس مبادئها الأصيلة، فهو مؤسس حركة «مصريون ضد الصهيونية»، والمتخصص في الصراع العربي الصهيوني واتفاقيات «كامب ديفيد»، ومن أبرز المعارضين لمعاهدة السلام المصرية الصهيونية.
كما شغل سيف الدولة منصب مستشار رئيس الجمهورية للشؤون العربية في الفترة من سبتمبر – ديسمبر 2012م في عهد الرئيس المصري الراحل محمد مرسي، وله العديد من المحاضرات والكتابات في العلاقات المصرية الصهيونية والأمريكية.
وفي حوار لا تنقصه الصراحة مع «المجتمع»، تحدث سيف الدولة حول معركة «طوفان الأقصى» ومآلاتها، وخطورة بعض الخطوات الصهيونية الحالية على القضية الفلسطينية، وتقديراته للمشهد برمته.
المعركة الحالية لها ما بعدها وستكون ملهمة للشباب العربي والفلسطيني
في البداية، أين تضع معركة «طوفان الأقصى» في السياق التاريخي للمواجهة مع الكيان الصهيوني؟ وهل ستكون لها ما بعدها؟
– معركة «طوفان الأقصى» عمل غير مسبوق فلسطينياً منذ قرن من الزمان، ولا يمكن مقارنته إلا بحرب عام 1973م، ولكن مع فرق جوهري وهو أن مصر في عام 1973م كانت تقاتل والعرب كلهم معها، أما الفلسطيني فهو يقاتل اليوم ماكينة القتل الصهيونية الجهنمية ومعها أمريكا ومجتمعها الدولي، وحيداً محاصراً، بل إن العديد من الدول العربية إما صامتة أو مطبعة أو متواطئة.
وأياً كانت نهايات المعركة الحالية، يكفيها أنها نجحت مبكراً في إعادة الحياة والثقة بالنفس للأمة كلها، وأنا على يقين أنها ستكون ملهمة للشباب العربي والفلسطيني.
لا نعلم ماذا ينتظر «حزب الله» ويجب أن يدخل الحرب بثقله فوراً
مع استمرار التصعيد، دعا الكيان الصهيوني الفلسطينيين لما أسماه «النزوح» من غزة، كيف ترى خطورة ذلك على القضية الفلسطينية خاصة في ظل القلق الرسمي منها كذلك؟
– هذه جرائم إبادة وتهجير قسري، ولا أقول النزوح، فإنها شديدة الخطورة على القضية؛ لأن تفريغ الأرض أمام عدو متخصص في استيطان الأراضي الفارغة نتائجه كارثية، ولنا في طرد وتهجير 800 ألف فلسطيني عام 1948م عبرة مأساوية، فقد وصل عددهم اليوم إلى 5.5 ملايين ولم يتمكنوا من العودة حتى الآن رغم مرور 75 عاماً.
لم تحقق فلسطين إنجازاً مثل عبور 7 أكتوبر منذ قرن من الزمان
أطلقتكم دعوة إلى «تمصير» معبر رفح والتحرر من «اتفاقية فيلادلفيا»، ما فائدة ذلك على القضية الفلسطينية والاستقلال المصري؟
– معبر رفح، مثله مثل كل سيناء، مكبل بالقيود العسكرية المفروضة علينا في اتفاقيات «كامب ديفيد»، ولكنه مكبل من ناحية أخرى باتفاقية «فيلادلفيا» الموقعة عام 2005م بعد انسحاب شارون من غزة التي تلزم كلاً من مصر والسلطة الفلسطينية بعدم فتح المعبر إلا بموافقة صهيونية، وبالتالي فإن تمصير المعبر والتحرر من هذه الاتفاقية وتوقيع اتفاق معبر مصري فلسطيني مستقل عن الكيان الصهيوني ومعاملته معاملة معبر السلوم (غرب مصر) سيخفف كثيراً على أهالي غزة من آثار الحصار الصهيوني، المفروض عليهم في حركة الأفراد والبضائع وفي تلقي المساعدات والزيارات مثلهم مثل أي شعب آخر في العالم.
غزة تتعرض إلى جرائم إبادة وتهجير قسري والنتائج كارثية
ما رأيكم في بيان المقاومة من التهديد بإعدام رهينة على الهواء مع كل قصف للمدنيين بدون سابق إنذار؟
– أزعجني بشدة بيان إعدام الرهائن إذا قام الكيان الصهيوني بقصف المنازل بدون سابق إنذار، وصحيح أنه لم يطالب بعدم القصف لاستحالة تلبيته، ولكنه طالب بالإنذار حفاظاً على حياة المدنيين، ولكنه من ناحية أخرى أساء إلى صورة المقاومة الفلسطينية التي تحمل قيماً دينية وحضارية أرقى أضعافاً مضاعفة من العنصرية والإرهاب الصهيوني، وأعطت فرصة للأعداء والخصوم في الكيان الصهيوني وأمريكا أن يشبهوها بـ«تنظيم الدولة»، ولكن الحمد لله أنهم تراجعوا ولم ينفذوا تهديدهم.
دخول المقاومة اللبنانية على الخط بحذر، كيف تراه؟
– نحن جميعاً في انتظار دخول «حزب الله» المعركة، ولا نعلم ماذا ينتظر، وإذا كان لديه نوايا الآن فوراً بعد التهديد الصهيوني بتهجير الفلسطينيين من الشمال إلى الجنوب، حيث إن دخوله على خط المواجهة سيقلب موازين القوى تماماً ولكن بشرط أن يدخل بثقله وليس ببعض الصواريخ بين حين وآخر.
العدو متخصص في استيطان الأراضي الفارغة ولا بد من التحدي
كيف ترى الانحياز الأمريكي السافر للكيان الصهيوني ومآلاته على الحرب الدائرة؟ وهل تتكرر توابع ما بعد العبور في عام 1973م؟
– أمريكا هي العدو الأول، ودولة الكيان الصهيوني هي مخلب قط وقاعدة عسكرية إستراتيجية متقدمة لها في بلادنا وشرطة تأديب لكل من يتمرد على الأمريكيين، ولو كنت أمريكياً لأقمت تمثالاً للكيان الصهيوني في كل الميادين الأمريكية تقديراً له على الخدمات التي قدمها للأمريكيين، فلقد نجح بامتياز في دفع العديد من الدول العربية وإدخالها في الحظيرة الأمريكية، وعلى القوى الحية في المنطقة أن تضع أمريكا في ذات المنزلة الدعائية مع الكيان الصهيوني، وبالطبع أتمنى ألا تتكرر توابع حرب 1973م، حين سقطت مصر منذ ذلك الحين وحتى اليوم في مستنقع التبعية الأمريكية.
أدعو إلى توقيع اتفاق معبر مصري فلسطيني مستقل عن الكيان الصهيوني
الكيان الصهيوني أعلن قطع المياه كلياً عن غزة، كيف تقيم الدور المصري والعربي حتى الآن في دعم الفلسطينيين وإغاثة القطاع؟
– حرب الإبادة والتهجير والتجويع والتعطيش يجب أن يقابلها مواقف شجاعة وحاسمة من مصر والدول العربية من باب التغيير، ويجب أن تتخلص الدول من خوفها العميق من أمريكا والكيان الصهيوني، وتصر على إيصال المساعدات إلى غزة، وأن تستخدم كل ما لديها من أوراق ضغط لإجبار الكيان الصهيوني على التراجع ووقف العدوان، والسؤال لهم: هل يفعلون ذلك الآن؟
كيف تساعد الشعوب برأيكم القضية الفلسطينية في ظل موجات التطبيع والقيود المفروضة على الحراك المناصر للقضية؟
– الشعوب في حالة قهر شديد، ولا تعلم ماذا تفعل، وتخشى من عواقب تحدي السلطات، ولكن ما يتم اليوم من جرائم حرب يجب أن يدفعها إلى التخلص من كل مخاوفها، وأن تشابك مع الأحداث مثلما كانت تفعل على امتداد عشرات السنوات بجمع التبرعات وتنظيم قوافل الإغاثة والدعم وتنظيم الوقفات والمسيرات والتظاهرات وتشكيل اللجان لنصرة فلسطين.
المقاومة الفلسطينية تحمل قيماً دينية وحضارية أرقى أضعاف مضاعفة من الصهاينة
إن الدول العربية تمتنع عن نصرة فلسطين خوفاً من أمريكا والكيان الصهيوني، فعلى الشعوب أن تجد طريقها لإقناع السلطات العربية أن تخشى من شعوبها أكثر من خشيتها من الأعداء.
هل عانيت من الانحياز السافر لمنصة «فيسبوك» و«إكس» لصالح الكيان الصهيوني؟
– بالفعل، لقد عانيت الأمرين وتم العام الماضي إغلاق صفحتي التي كانت تحمل 100 ألف متابع على «فيسبوك»، كما أتعرض الآن مثل الآخرين لتضييق «فيسبوك» على وصول منشورات للجميع.
الشعوب العربية في حالة قهر شديد ولكن عليها أن تتحرر من ذلك وتشتبك مع الحدث
ولكن أصدقك القول: إن هذا التضييق من خوارزميات «فيسبوك» ليس التضييق الوحيد، فبجانب التضييق السياسي والأمني على أنصار فلسطين وعلى العمل العام، هناك التجريف الذي حدث للقوى السياسية المصرية وتراجعهم عن الاهتمام بقضية فلسطين والقضايا الوطنية والاكتفاء بالتركيز على الإصلاح السياسي، وهي قضية مهمة بالفعل، ولكنها لا تكفي في بلد تابع مثل مصر على حدودها كيان عدوان استيطاني مثل دولة الاحتلال الصهيوني.
في الختام، هل يمكن أن يضغط استهداف آلة الحرب الصهيونية للأطفال والنساء والبيوت المدنية والمستشفيات والصحفيين بغزة في الدفع إلى تراجع بعد الإنجاز الكبير للمقاومة في 7 أكتوبر الماضي؟
– دعنا لا نستبق الأحداث ونركز على كيفية دعم وتثبيت المقاومة، وما النصر إلا من عند الله عز وجل.