مع تواصل القصف «الإسرائيلي» العنيف لقطاع غزة، وسقوط آلاف القتلى من النساء والأطفال عقب انطلاق عملية «طوفان الأقصى»، تصاعدت الدعوات والحملات الشعبية في العالم العربي والإسلامي لمقاطعة منتجات الشركات العالمية الداعمة للكيان الصهيوني.
وتعد حملات مقاطعة منتجات الشركات «الإسرائيلية» والأمريكية وغيرها من الشركات الداعمة لـ«إسرائيل» إحدى وسائل الضغط الشعبي، التي تلجأ إليها الشعوب العربية لدعم القضية الفلسطينية، منذ سنوات.
مع انطلاق عملية «طوفان الأقصى»، في 7 أكتوبر الماضي، وما أعقبها من قصف «إسرائيلي» عنيف على قطاع غزة، تعالت دعوات المقاطعة وحققت رواجاً كبيراً في العديد من الدول دل العالم خاصة الدول العربية.
وشملت حملات المقاطعة جهوداً شعبية ونقابية للتعبير عن دعم الشعب الفلسطيني، ورافق تلك الحملات تحركات سريعة ونداءات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، جعلتها تحقق رواجاً غير مسبوق.
هبوط أسهم شركات بيبسيكو وكوكاكولا وماكدونالدز
لكن في ظل هذا الحماس الشعبي لمقاطعة منتجات باعتبارها إحدى الأدوات المحدودة التي تمتلكها الشعوب لنصرة إخوانهم في فلسطين، يطرح البعض تساؤلات عن جدوى هذه المقاطعة، وعما إذا كانت وسيلة ناجحة تحقق نكاية فعلية في العدو، لا سيما أن بعض الشركات العالمية التي طالتها دعوات المقاطعة مثل «ماكدونالدز»، و«بيبسيكو»، و«كوكاكولا»، و«ستاربكس»، شهدت هبوطاً في أسعار أسهمها لبعض الوقت.
دورة إنتاجية
وفي إجابته عن هذه الأسئلة، قال المحلل الاقتصادي حمدي الجمل: لا يستطيع أي شخص سواء متخصص في الاقتصاد أم لا أن يقول: إن حجم مبيعات الشركات الأجنبية انخفض أو إنها تكبدت خسائر.
وأوضح أنه لا بد من مرور دورة إنتاج لا تقل عن 3 أشهر وقد تصل إلى 6 أشهر لتحديد الموقف من خلال عمل إحصاء يقارن بين حجم المبيعات قبل الحرب على غزة وبعد مرور 3 أشهر على هذه الحرب.
وكان تقرير اقتصادي لشبكة «سي إن إن»، ذكر أن أسهم بعض الشركات التي شملتها دعوات المقاطعة، وهي «بيبسيكو»، و«كوكاكولا»، و«ماكدونالدز»، شهدت هبوطاً في بعض الأوقات بالتزامن مع الحرب الدائرة في قطاع غزة.
تراجع المبيعات
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي هاني أبو الفتوح أن دعوات مقاطعة الشركات الداعمة لـ«إسرائيل» أحدثت صدى واسعاً في مصر والسعودية، وجعلت عدداً كبيراً من الشركات ينفي صلته بـ«إسرائيل»؛ ما زاد من فاعلية الرأي العام العالمي.
دورة إنتاج لا تقل عن 3 أشهر لكشف حجم الخسائر
وذكر أبو الفتوح أن هناك بعض الأدلة على فاعلية مقاطعة منتجات الشركات العالمية الداعمة لموقف «إسرائيل»، وتشمل تراجع مبيعات بعض الشركات العالمية في البلدان العربية والإسلامية بعد إطلاق حملات مقاطعة ضدها.
وضرب أمثلة ببعض الشركات التي تأثرت بحملات المقاطعة، ومنها شركة «أديداس» في السعودية التي تراجعت مبيعاتها هناك بنسبة 20% بعد إطلاق حملة مقاطعة ضدها بسبب دعمها لـ«إسرائيل»، مشيراً إلى أن شركة «نستله» أعلنت عن وقف استثماراتها في المستوطنات «الإسرائيلية» بعد إطلاق حملة مقاطعة ضدها.
وأوضح أن هناك عدة عوامل تؤثّر على فاعلية مقاطعة منتجات الشركات العالمية الداعمة لموقف «إسرائيل»، منها مدى مشاركة المستهلكين في المقاطعة، فكلما زادت هذه المشاركة؛ زادت فاعليتها، أيضاً مدى تأثير المقاطعة على الرأي العام، حيث كلما زاد تأثير المقاطعة على الرأي العام؛ زادت فاعليته.
الشركات الأم
لكن الخبير الاقتصادي رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية رشاد عبده، يرى أن من شأن خطوات المقاطعة أن تؤثر على المستثمرين الوطنيين، ولا تخدم مصالح الاقتصادات المحلية التي ستتضرر نتيجة لهذه الحملات.
وقال: إنه ينبغي التفريق بين ما إذا كانت الشركة فرعاً أجنبياً أو استثماراً وطنياً حاصلاً على حقوق الامتياز التجاري من الشركة الأم، معتبراً أن عقاب المقاطعة يطال الشركات المحلية الحاصلة على حقوق الامتياز، وليس الشركات الأم المستهدفة.
ورداً على تصريحات عبده، قالت المحللة الاقتصادية ليان الصالحي: إن حملات المقاطعة تؤثر بالتأكيد على الشركات الأم، التي تستفيد بشكل شهري أو سنوي من أرباح ومبيعات الشركات المحلية بمختلف دول ومناطق العالم، مقابل استغلال اسمها التجاري، موضحة أن تأثر الشركات المحلية من مقاطعة منتجاتها، وحدوث أي خلل على مستوى أرباحها؛ يطال الشركة الأم أيضاً.
خسائر الاقتصاد «الإسرائيلي» تجاوزت 30 مليار دولار
وكشفت المحللة الأردنية أن لحملات المقاطعة أهدافاً أخرى غير الإضرار مادياً واقتصادياً فقط بهذه الشركات، تتمثل، بحسبها، في إيصال صوت وآراء الشعوب بشأن ما يجري للفلسطينيين إلى هذه الشركات.
تداعيات اقتصادية
أما حسام محمود، أحد مؤسسي حملة المقاطعة في مصر، فقال: إن الاقتصاد «الإسرائيلي» يعاني، في الوقت الحالي، من أكبر أزماته، هذا بجانب مؤشرات الخسائر المبدئية للحرب الحالية، التي تعدت 30 مليار دولار.
وأوضح محمود أن التبعات الاقتصادية للحرب ستكون أكثر ظهوراً، خلال شهرين تقريباً، وسيظهر تأثيرها على المجتمع «الإسرائيلي»، وخاصة بسبب تجنيد جنود الاحتياط بمعدلات هي الأكبر من نوعها.
واعتبر محمود أن كل ذلك سيجعل الاقتصاد «الإسرائيلي» هشاً بشكل غير مسبوق، وهو ما يجعلنا ندعو مجتمعاتنا للمقاطعة، ونؤكد لهم أن أي خطوة في اتجاه مقاطعة المنتجات الداعمة لـ«إسرائيل» سيكون لها تأثير مباشر أو غير مباشر على الاقتصاد «الإسرائيلي».
وعن اختيار الشركات التي يدعو لمقاطعتها، قال محمود: موقفنا معروف؛ وهو مقاطعة أي شركة تدعم انتهاكات الاحتلال «الإسرائيلي»، وممارسات الفصل العنصري، التي تحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وفي هذا الإطار، ذكرت «حركة مقاطعة إسرائيل» (بي دي إس)، وهي حركة فلسطينية عالمية، أن المقاطعة التي يقوم بها المستهلكون أجبرت الكثير من المحال التجارية على مستوى العالم، على التخلي عن بيع منتجات «إسرائيلية» معينة.
ولفتت الحركة إلى أن جميع الشركات «الإسرائيلية» متورطة بطريقة أو بأخرى في نظام الاحتلال والفصل العنصري «الإسرائيلي».