اللمحة النفسية اليوم هي إحدى العمليات العقلية العليا عند الإنسان؛ ألا وهي الإدراك، ويعرف أكاديمياً بأنه تنظيم المنبهات وتفسيرها وتحليلها ودمجها حتى تكون ذات معنى للإنسان، وكل البشر يصنفون الأذى في البدن أو الألم عند من نحب أو خسارة في الممتلكات من الأمور المكروهة، ناهيك عن القتل وفقد الأطراف، وما يحكم تصورنا هو إدراكنا أننا قد ظلمنا أو انتقص من حقنا أو خسرنا بلا فائدة!
وهنا تظهر العقيدة الشامخة، العقيدة الإسلامية الصحيحة هي سر الشموخ في غزة، عقيدة المسلم حولت إدراك الواقع الأليم المفجع إلى معنى جديد أبهر العالم كله وجعلهم يبحثون عن سبب الصمود الأسطوري، ما يدركه غير المسلم بأنه قتل وإعاقة وإفلاس، يراه المسلم من أهلنا في غزة بأنه شهادة في سبيل الله، وطرف من جسمي سبقني للجنة، وأن مالي وما أملك هو حطام الدنيا الفاني، وهنا في هذه المحنة تتجلى دروس العقيدة التي تصنع للمسلم الإدراك الذي يقوده نحو مراد ربه له في الحياة.
«شركة طوفان الأقصى» المساهمة ذات المسؤولية المفتوحة! نعم هي شركة بمعنى أننا فيها كمسلمين شركاء مع إخواننا في غزة أرض العزة وكل فلسطين، وإنها صفقة بيع وشراء بنص القرآن الكريم: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) (التوبة: 111).
فإن فاتنا شرف الجهاد، وهو أكبر سهم في هذه الشركة وأكثرها ربحاً لمن فاز بالشهادة في سبيل الله، فالفرصة أمامنا لنضرب بسهم في هذه الشركة المباركة، الأسهم هنا متوفرة للجميع، والمساهمة بلا سقف للعطاء، فكل سهم في كنانتك اضرب به فالأرباح مضمونة، كما أن المسؤولية المفتوحة يستطيعها كل أحد من الكبير والصغير والغني والفقير والموظف والوزير، مهما كان وضعك فأنت قادر بإذن الله أن تقوم بمسؤوليتك بحسب استطاعتك؛ لأنها مفتوحة لكل مساهم، من خصائص هذا الشرع العظيم أنه يفتح أبواب الحسنات لمن على خط النار والمواجهة، ولكل من خلفهم من المسلمين فسهم الدعاء العظيم يستطيع أن يضرب به كل مسلم من أي مكان وفي أي زمان، وكما قال الشافعي رحمه الله:
أتهزأ بالـدعاء وتزدريه وما تدري بما صنع الدعاء
سهام الليل لا تخطي ولكن لـــها أمد وللأمد القضاء
وفي عصرنا الحديث ومنذ ما يقارب من مائة عام، لم تتكرر هذه الفرصة لمعركة حقيقية مع أعداء البشرية من الصهاينة كما هي اليوم، ولذلك فالموفق منا من يضرب مع سهم الدعاء بسهام أخرى مثل النشر والدفاع عن «الأقصى» وتحرير المسرى وإنقاذ الأسرى في وسائل التواصل الاجتماعي على الأقل، وعندما نحرك سهام المال والتي في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، قال الصادق المصدوق محمد عليه الصلاة والسلام: «من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في أهله، فقد غزا»، سهام المال تساند المجاهدين وترفع راية الدين، ونساهم بمال الله في إكرام أهل أعظم رباط على وجه الأرض بعد أن خذلهم القريب قبل الغريب، وهذا متحقق بصور لا حد لها ولا حصر، وبابها مفتوح حتى بعد أن تضع الحرب أوزارها، فمنها كفالة اليتيم وإعادة الإعمار للمساجد والديار وإصلاح الأراضي وزراعة الأشجار، لن نعدم من فضل الله بسهم نشارك فيه، فحتى أغراضنا المنزلية مع النية والمقاطعة لمن يدعم الصهاينة تصبح سهاماً نضرب بها في هذا الطوفان من كرم الرحمن.
وختاماً، فإن من أدرك أن «طوفان الأقصى» فرصة ربانية لمن يعيش في زماننا فسيسابق للفوز بالغنيمة قبل أن ترحل الفرصة أو يرحل هو.