لم تكن القضية الفلسطينية أبداً قضية جيل واحد، وإنما هي معركة أجيال متعاقبة، سواء هؤلاء الذين يحملون على عاتقهم شرف الجهاد والنضال على الأرض المحتلة، أو ملايين العرب والمسلمين في كل ربوع الدنيا.
ومن أولويات المعركة الدائرة في غزة الإبقاء على هذه القضية حية في عقول الأجيال، خاصة أن مستجدات العصر الحالي استحدثت عدواً جديداً، يلعب في أدمغة أطفالنا ويحاول تغيير ما استقر بأن فلسطين قضية العرب والمسلمين الأولى.
هذا العدو اسمه مواقع التواصل الاجتماعي، الذي يسيطر عليه يهود أو منحازون لهم، ضد فلسطين، وهو ما يمثل خطراً حقيقياً على ملايين الأطفال العرب والمسلمين الذين يستخدمون هذه المواقع.
وعي التلاميذ بالقضية الفلسطينية يبدأ من الفصل
لذا، طرح خبراء تربويون وأساتذة علم اجتماع، تحدثت معهم «المجتمع» أهمية إعداد المعلمين وتأهيلهم لمجابهة هذا العدو من المسافة صفر، عن طريق زرع القضية الفلسطينية في عقول الأطفال، وزيادة توعيتهم بها، ورفع إدراكهم بشأن سبل الدفاع عن «الأقصى» الأسير.
خطورة غياب القضية
تحذر د. سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بكلية التربية بجامعة عين شمس، في تصريح لـ«المجتمع»، مما أسمته فجوة وقع فيها هذا الجيل، مشيرة إلى أنه لأجيال سابقة كان الأطفال يتعرضون لمواد تلفزيونية وسينمائية وتعليمية وتثقيفية تُزيد انتماءهم إلى القضية الفلسطينية، لكن الأجيال الحالية حرموا من كل هذا، ولم يعد لدى أغلبهم الوعي السياسي والتاريخي المطلوب، وأرجعت د. خضر ذلك إلى أسباب عدة، أهمها غياب دور المعلم، وإشغال المجتمعات بقضايا فرعية ركزت عليها السينما والدراما في السنوات الماضية.
وهو ما يتفق معه د. سامي محمود أبو بيه، العميد الأسبق لكلية التربية جامعة المنوفية، إذ يؤكد أن الجميع متعاطف مع القضية الفلسطينية، خاصة لما يحدث الآن من جرائم إبادة جماعية في غزة، لكنه يشير إلى أزمة؛ حيث إن الكثير من أبناء الجيل الحالي أو الجيلين السابقين يرون أن القضية الفلسطينية بدأت من العدوان على غزة؛ وهو ما يعبر عن أزمة تثقيف ووعي لدى هذه الأجيال، مضيفاً أن القضية لم تبدأ من غزة وما يحدث بها الآن، وإنما هناك تاريخ طويل من الجرائم.
البداية من المعلم
ويشير أبو بيه إلى أن مواجهة هذا الخطر تبدأ من المعلم، حيث يجب عليه أن يتحدث مع طلابه على القضية الفلسطينية من البداية، حيث يخبرهم بأنه كانت هناك دولة اسمها فلسطين، وجاءت بريطانيا أخذت هذه الدولة وجعلت «الإسرائيليين» يعيشون بها كقوة احتلال.
لا بد من تدريس جريمة «وعد بلفور» والاحتلال البريطاني لفلسطين
وأضاف: لذلك لا بد أن يكون المعلم مؤهلاً ثقافياً وتوعوياً للحديث مع الأطفال بشأن هذه القضية، وعلى المعلم أن يعمل على نفسه أولاً بحيث يقرأ عن تاريخ القضية ويدرس تفاصيلها حتى يستطيع الرد على تساؤلات التلاميذ.
ويشير الخبير التربوي مجدي حمزة إلى أن المعلم يجب أن يكون حجر الأساس في الصراع العربي «الإسرائيلي»؛ فعليه أن يشرح للطلاب بالتفاصيل غير المملة وبطريقة مشوقة ما تشهده القضية الفلسطينية الآن، لكنه في الوقت ذاته عليه أن يحدثهم أيضاً عن جذور الأزمة، فيحكي لهم عن العصابات اليهودية التي قتلت وشردت الفلسطينيين، وعن «وعد بلفور»، وتآمر العالم في زرع «إسرائيل» في المنطقة، عليه أن يتحدث معهم عن النكبة وتهجير الفلسطينيين وتاريخ هذا الكيان في القتل والتدمير.
بينما ترى د. سامية خضر أن المعلم خاصة في مراحل التعليم الأساسي يمثل لطلابه القدوة، ويستمعون إليه ويستجيبون لما يقوله بشكل كبير، مشيرة إلى أن هؤلاء المعلمين، في أحيان كثيرة، يتعاملون مع الأطفال أكثر من تعامل الأهل معهم؛ لذلك يبدأ وعي التلاميذ بالقضية الفلسطينية من الفصل.
تنظيم دورات تدريبية للمعلمين والطلاب لرفع الوعي بالقضايا الكبرى
تأهيل المعلم ضرورة
ويتفق الخبراء الذين تحدثوا لـ«المجتمع» على ضرورة تأهيل المعلمين للقيام بهذه المهمة، وأن يكون المعلم دارساً وواعياً أصلاً بالقضية الفلسطينية وطبيعة الصراع العربي «الإسرائيلي»، وأن يتم تشكيل دورات تدريبية لهؤلاء المعلمين لتأهيلهم بشكل علمي جيد لكيفية الحديث مع الأطفال عن القضايا الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية.
كذلك ضرورة منح المعلمين في المدارس والجامعات الأدوات اللازمة، فهؤلاء التلاميذ والطلاب هم قادة المستقبل، وغياب فهم القضية الفلسطينية خطر كبير، فضلاً عن دور وزارات التربية والتعليم في العالم العربي في هذا الشأن، وصياغة مناهج مستنيرة تغطي كافة أبعاد القضية الفلسطينية، وتدريب الطلاب على وسائل حديثه ومشوقة تزرع القضية الفلسطينية في عقولهم ونفوسهم.