سلط استشهاد عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، النائبة في المجلس الشريعي الفلسطيني، جميلة الشنطي، في القصف الصهيوني الوحشي على قطاع غزة، في 18 أكتوبر الماضي، الأضواء على مسيرة طويلة من القياديات المجاهدات في فلسطين؛ إذ يزخر تاريخ الأرض المباركة بنضالات نساء شاركن الرجال مقاومة المحتل.
فالمرأة الفلسطينية لم تكن فقط مساندة للرجل في مواجهة الاحتلال الصهيوني، بل كانت شريكة فاعلة ومؤثرة في كافة مراحل الثورة الفلسطينية، منذ الانتداب البريطاني حتى الانتفاضتين الأولى والثانية والمقاومة المستمرة في غزة والضفة الغربية، بما في ذلك العمليات الفدائية.
واستشهدت الشنطي (68 عاماً) في قصف «إسرائيلي» على منزلها بمدينة غزة، وكانت من الجيل الأول عند تأسيس «حماس» عام 1987م، وتولت رئاسة مجلس الشورى الخاص بالنساء في الحركة لدورتين متتاليتين، وانتُخبت عام 2006م عضوة في المجلس التشريعي عن كتلة التغيير والإصلاح التابعة لـ«حماس»، وفي عام 2013م تولت وزارة شؤون المرأة في الحكومة بقطاع غزة.
وأصبحت الشنطي أول امرأة تنتخب لعضوية المكتب السياسي لـ«حماس»، في مارس 2021م، ولها أدوار فدائية عديدة، أبرزها قيادتها، في 3 نوفمبر 2006م، مسيرة نسائية لكسر حصار فرضه جيش الاحتلال على مسجد في بيت حانون، شمالي قطاع غزة، كان يؤوي عشرات المقاومين أثناء عملية «غيوم الخريف» التي شنتها «إسرائيل» على القطاع.
والشنطي في ذلك ليست سوى سطر جديد في سجل طويل من أمثلة النساء المجاهدات اللواتي تركن بصمة في تاريخ فلسطين، مثل شادية أبو غزالة، التي كانت أول شهيدة عسكرية بعد نكسة عام 1967م، وشاركت في العمليات الفدائية ضد الاحتلال، واستشهدت في 28 نوفمبر 1968م.
زكية شموط
وفي سجل البطولات ذاته، يبرز اسم زكية شموط، وهي من أوائل الفدائيات اللاتي نفذن عمليات ضد الاحتلال، إذ التحقت بالعمل الفدائي عام 1968م، وبلغ عدد العمليات الفدائية التي نفذتها 7 عمليات، وفي أوائل السبعينيات تم اعتقالها وزوجها وهي حامل في شهرها الخامس وحكم عليها بالسجن 12 مؤبداً.
وفي 18 فبراير 1972م، أنجبت زكية طفلتها ناديا داخل سجن نيفي ترتسيا «الإسرائيلي» في الرملة، وهي أول فلسطينية تنجب مولودتها داخل السجون «الإسرائيلية»، وفي عام 1983م أُطلق سراحها وتم إبعادها إلى الجزائر وتوفيت عام 2014م.
دلال وريما
كما يسجل التاريخ اسم دلال المغربي كواحدة من أشهر المناضلات الفلسطينيات، ابنة مدينة يافا، التي لجأت إلى لبنان بعد نكبة عام 1948م، وانضمت إلى صفوف الثورة الفلسطينية باكراً، وتلقت عدة دورات عسكرية، وفي إحدى العمليات الفدائية نجحت في الوصول إلى «تل أبيب» والاستيلاء على حافلة «إسرائيلية» تقل جنوداً، ووقع اشتباك بين الفدائيين والجنود؛ ما أسفر عن وقوع قتلى وجرحى في صفوف الجيش «الإسرائيلي»، وبعدما أمر وزير جيش الاحتلال آنذاك إيهود باراك بإيقاف الحافلة وقتل الفدائيين قامت دلال بتفجير الحافلة بركابها.
ومن أبرز مجاهدات فلسطين أيضاً، ريما صالحة، التي ولدت عام 1980م في القدس، وتخرجت في كلية العلوم الإسلامية بالجامعة الإسلامية، وكانت تعمل معلمة في مدرسة الأقصى الإسلامية، وفي 18 أكتوبر 2015م، توجهت إلى المسجد الأقصى لأداء الصلاة، وعندما وصلت إلى حاجز قلنديا أطلق جنود الاحتلال النار عليها بزعم أنها حاولت طعن أحدهم وأصابوها بعدة رصاصات في الصدر والبطن والرقبة، وتركوها تنزف على الأرض دون إسعاف، وتوفيت متأثرة بجراحها.
هناء وأسماء
هناء شلبي كانت واحدة من عنقود الاستشهاديات أيضاً، وقدمت نموذجاً للتحول من الحياة المدنية العادية إلى الحياة الفدائية، وفي 17 فبراير 2002م قررت تنفيذ عملية استشهادية ضد الاحتلال، وارتدت حزاماً ناسفاً وتوجهت إلى حاجز بيت إيبا العسكري بنابلس، وفجرت نفسها عندما اقترب منها جندي «إسرائيلي»؛ ما أدى إلى مقتله وإصابة آخرين.
ومن الجدير بالملاحظة في تاريخ مجاهدات فلسطين أن كثيراً من حبات هذا العنقود نزحن من الضفة الغربية إلى قطاع غزة، لتضم قائمة مجاهدات القطاع، إلى جانب جميلة الشنطي، بأسماء عديد المجاهدات، منهن أسماء البطنيجي، التي ارتقت في حرب غزة عام 2014م، وكانت تدرس في الصف الحادي عشر في مدرسة الشهيدة بسمة العسلي، بعدما تعرضت منزل عائلتها في حي الشجاعية للقصف الصهيوني، واستشهدت هي ووالدتها وأخواتها الأربع وعمتها وجدتها وعدد من أقاربها، وبلغ عدد الشهداء في المجزرة 25 شهيداً.
شهيدات قدمن مثالاً نسائياً للفداء والتضحية، وبرهنّ على أن المرأة الفلسطينية هي المربية والمعلمة للمجاهدين، وهي الصابرة والمناضلة والمثقفة والمنتجة والمبدعة، وهي أيضاً التي تحمل الأمل والحلم والمستقبل لشعبها وأمتها، وتضحي بروحها في العمل الفدائي والاستشهادي.