لم يتمالك المجاهد نضال فرحات، أحد قادة «كتائب القسام»، نفسه وانفجر في البكاء وهو يطلق أول صاروخ محلي الصنع من قطاع غزة تجاه مستوطنة سديروت، في ربيع 2001م.
طار فرحات قبل الصاروخ الوثاب إلى منزل الشيخ أحمد ياسين، مؤسس حركة «حماس»، ليخبره بالأمر قائلاً له: «الصاروخ وصل أبعد من 5 كيلومترات»؛ فتبسم الشيخ كعادته قائلاً له: «إذا صاروا 10 كيلومترات لك مني قُبلة على جبينك».
تروي هذه القصة، على بساطتها بنظر البعض، عمق التفكير الإستراتيجي للمقاومة الفلسطينية الحديثة بقيادة «كتائب القسام»، كما تروي حكاية اختراق المقاومة الفلسطينية الحصار المفروض على قطاع غزة وتطوير قدراتها العسكرية إلى أن وصلت مرحلتها اليوم، رغم كل ما مرت به من حروب وضربات متفرقة على مدار السنوات الماضية.
تطور نوعي وكمي
الكاتبة والباحثة السياسية تمارا حداد، تؤكد ذلك، بقولها: رغم الحصار المطبق منذ 17 عاماً، فإن المقاومة استطاعت أن تخترق جدرانه؛ من خلال اتباع أساليب ميدانية عملياتية عسكرية قادرة على فك الحصار الأمني والاقتصادي، باستغلال رائع لواقع التكنولوجيا والقدرات البشرية الذاتية التي طورت من خلالها كل أدوات التدريب والتسليح والتعزيز اللوجستي والمعنوي والأمني والمهني.
وتابعت: استطاعت المقاومة من خلال الأدوات الذاتية المتوفرة لديها من صنع صواريخ «الياسين»، وقذائف «الهاون»، و«آر بي جيه»، من خلال التعلم التقني وتطبيق ذلك على أرض الواقع؛ ما أدى إلى تعزيز قوتها الميدانية والمهنية والعسكرية العملياتية.
ظهر هذا جلياً خلال هذه المعركة المستمرة، وما زالت المقاومة صامدة تواجه أعتى جيش في المنطقة رغم قوته، تتابع حداد: ليس صموداً فقط، بل استطاعت أن تُلحق بالعدو خسائر مؤلمة في جنوده ودباباته النوعية التي تم تدمير عدد كبير منها من خلال أدوات المقاومة الفلسطينية المتطورة نوعاً وكماً.
محددات النصر
صورة الانتصار انتقلت من الميدان إلى الشاشات، وفق حداد، فقد استطاعت المقاومة أن تفرض صورتها الإعلامية بكل قوة بسبب صمود وقوة المقاومة على الأرض، فهي أمام خيارين لا ثالث لهما؛ النصر أو الشهادة.
كلمة السر، وفق الباحثة السياسية، إرادة المقاومة التي تجلت في أبهى صورها، وإخلاص كوادرها، كما أن تحليها بالصبر يعد أداة أخرى لتحقيق الأهداف السامية، وهي كسر الحصار ووقف إطلاق النار وتبييض سجون الاحتلال من الأسرى الفلسطينيين؛ لذلك ما زالت المقاومة ثابتة على تلك المحددات حتى تحقق النصر رغم تعنت الاحتلال.
وبعمق أكبر، يرى أستاذ التاريخ الإسلامي في غزة أ.د. رياض شاهين أن المقاومة رأس الحربة ليس في مواجهة «إسرائيل» فحسب، إنما التحالف الذي تقوده أمريكا ودول غربية في مقدمتها بريطانيا وفرنسا وألمانيا واليونان وإيطاليا وغيرها، وهذه الدول تمتلك أكبر ترسانة عسكرية متطورة في العالم، بمقابل غزة التي تبلغ مساحتها 360 كيلومتراً مربعاً فقط، ويقطنها 2.3 مليون نسمة، لكنها تمتلك جيشاً تحررياً لا يزيد تعداده بضع عشرات الألوف غالبيتهم متطوعون، يملكون أسلحة فردية خفيفة من بنادق ومسدسات وقنابل وصواريخ صغيرة ومتوسطة المدى ومسيّرات، وهي في غالبيتها صناعات محلية.
ويضيف شاهين: بلغة المنطق والأرقام، فالغلبة للتحالف لا محالة، لكن قواتنا تعتمد على الله تعالى أولاً، ثم على أفرادها المقاومين والحاضنة الشعبية وثقتها بعدالة قضيتها، وأن حربها مع اليهود حرب عقائدية، تدافع عن أرضها ومقدساتها ومدنها التي احتلت في فترة ضعف كانت تمر بها الأمة العربية والإسلامية، إضافة إلى ذلك ثقتها بدعاء حفظة القرآن والدعاة والعلماء لها، ومساندة جميع شعوب العالم.
ويؤكد أستاذ التاريخ أن النقطة الأساس هي الحاضنة الاجتماعية التي وفرت للمقاومة القدرة على التكيف مع الظروف الصعبة، وبناء التحالفات الداخلية والخارجية والإقليمية؛ ما مكنها من إضافة عناصر جديدة لقوتها.
من جهته، قال الباحث الأردني حازم عياد: إن انخراط نخب في المقاومة عزز مقدرتها على التطوير والتكيف مع الواقع، وخوض عدة معارك، إضافة إلى الإرادة القوية للمقاومة، مشيراً إلى أن هذه الجولة ستشكل دون أدنى شك نقطة مفصلية في معركة التحرير القادمة.