حال الداعية إلى الله أنه كلما عمل عملاً صالحاً ارتسمت الابتسامة على وجهه وانشرح صدره وكان سعيداً؛ لأنه امتثل لأمر نبيه الكريم حين قال: «بادروا بالأعمال الصالحة..»، وقال: «بادروا بالأعمال سبعاً..»، هذه والله هي السعادة عند الداعية؛ لأنه يعلم أن الله عزّ وجلّ قال: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ {10} أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ) (الواقعة)، فهو يرجو القرب من ربه، وأن يكون تحت ظل عرشه سبحانه.
فالذي يطلب السعادة الدنيوية والأخروية يحتاج أن يكون همّه السعي إلى رضاء ربه، فمن رضي عنه ربه فقد ملك الدنيا وما عليها، وكما قال ﷺ: «إن عِظَمَ الجزاءِ مع عِظَمِ البلاءِ، وإن الله تعالى إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رَضِيَ فله الرِضا، ومن سَخِطَ فله السُّخْطُ»، وما أجمل ما قاله ابن القيم: إذا طلع نجم الهمة في ظلام ليل البطالة وردفه قمر العزيمة؛ أشرقت أرض القلب بنور ربها!
نعم إنها الهمة التي تعلو بصاحبها في الدنيا والآخرة.
قال الشاعر:
ومن لا يحب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
فاربأ بنفسك عن سفاسف الأمور، وعلمها التحليق، وإلا فاستمع إلى قول ابن القيم وهو يخاطب ضعاف الهمّة فيقول: ألفت عجز العادة فلو علت بك همتك ربى المعالي للاحت لك أنوار العزائم، وقال: من لمح فجر الأجر هان عليه ظلام التكليف.
نعم هذه هي السعادة في جنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، لا ينالها إلا من عمل لها من أمثال ذلك الصحابي حين قال للرسول صلى الله عليه وسلم يوم «أُحد»: أرأيت إن قتلت فأين أنا؟ قال: «في الجنة»، فألقى تمرات كن في يده ثم قاتل حتى قتل، فكيف لا يلقيها وهو يعلم أن الشهيد في أعلى الدرجات في الجنة مع الأنبياء والصديقين يظلله عرش الرحمن سبحانه، فسارع يا أخي لتنال تلك السعادة فهي الباقية: (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً) (الكهف: 46).
وختاماً تأمل قول الشاعر:
وَلَستُ أَرى السَعادَةَ جَمعَ مالٍ وَلَكِنَّ التَقيَّ هُوَ السَعيدُ
وَتَقوى اللَهِ خَيرُ الزادِ ذُخراً وَعِندَ اللَهِ لِلأَتقى مَزيدُ
وَما لا بُدَّ أَن يَأَتي قَريبٌ وَلَكِنَّ الَّذي يَمضي بَعيدُ