على أهل الحق أن يدركوا أن الطريق أمامهم لن تكون مفروشة بالورود كما يظن البعض وليست معبدة دون حواجز فيها أو موانع كما يُتوقع، لا أبداً، فهي مليئة بالمصاعب محفوفة بالمخاطر مرصوفة بالشدائد والابتلاءات فليوطنوا أنفسهم على ذلك وليتهيؤوا مسبقاً لتلقي تلك الصعاب (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ) (العنكبوت: 2).
كلمة (رجل) في كلام ورقة بن نوفل (ما جاء رجل بمثل ما جئت به إلا عودي) نكرة في سياق النفي كما يقول النحاة والنكرة في سياق النفي تعم، إذاً فكل من دعا إلى الحق والهدى سيعادى ويحارب ويرمى عن قوس واحدة ممن حوله كما نال ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
إن الفضيلة والرذيلة والحق والباطل مذ ولدوا بولادة البشرية والحرب قائمة بينهم والصراع محتدم فيهم، فابتداء بصراع الحق والباطل من خلال قصة آدم وإبليس ومروراً بالنزاع الذي قام بين قابيل وهابيل وانتهاء بتنازع الوجود والبقاء على ساحة الحياة بين الإسلام والكفر.
هل تهميش الحركات الإسلامية في جميع دول العالم الإسلامي يعني أنها حركات إرهابية وأنها عقليات لا تفقه في السياسة شيئاً وهي بعيدة كل البعد عن الحق والصواب لا أبداً لا يقاس الحق والباطل بقلة الأنصار أو كثرتهم ففي كل عصور التاريخ بلا استثناء كان الباطل أكثر أتباعاً (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ) (الأنعام: 116).
إنني لتأخذني الدهشة من أهل الشام الصابرين المرابطين فرغم ما نال العدو منهم ورغم ما طالهم وبيوتهم وأهليهم إلا أن أحداً منهم لم يظهر على وسائل الإعلام ويشكو الجيش الحر والجهاد إلى العالم ولم يتأفف من مواقف الجيش الحر، بل الكل صابر ومحتسب.
إن المصيبة كل المصيبة أن ننخدع بالكلام المعسول والنوايا الخبيثة المغلفة بكلمات لطف وظرف وحلاوة، ونظن أن حزب البعث يُريد ويسعى إلى الاستقرار والسلام واهمين بذلك وناسين أو متناسين طبعه المعروف وخبثه المألوف الموصوف عبر التاريخ قديمه وحديثه.
شأنها شأن غيرها من سنن الله عز وجل والقوانين الثابتة في هذا الكون تأخذ سنة ابتلاء أهل الحق فيما اختاروه واعتقدوه وصراعهم الطويل مع الباطل مكاناً لها بين تلك السنن، وتحجز حيِّزاً لها بين تلك الثوابت الكونية التي لا تتغير ولا تتبدل، مصداق قول الله عز وجل: (وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ) (هود).
وحين يدرك أصحاب الحق هذا، وتعيه قلوبهم، وتتفهمه عقولهم يدركون أن الطريق في هذه الحياة لن تكون مفروشة بالورود كما يظن البعض، وليست معبدة دون حواجز فيها أو موانع كما يُتوقع، لا أبداً، فهي مليئة بالمصاعب، محفوفة بالمخاطر، مرصوفة بالشدائد والابتلاءات، فليوطنوا أنفسهم على ذلك، وليتهيؤوا مسبقاً لتلقي تلك الصعاب (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ).
لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُوْدي
لما نزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم واعتراه ما اعتراه من الهلع والخوف، وشكا إلى خديجة ما به، وحكت خديجة لابن نوفل ما جرى، وكان ورقة بن نوفل رجلاً تنصر في الجاهلية، وكان يكتب الكتاب العبراني، وكان قد عمي في آخر عمره، فاستمع من النبي صلى الله عليه وسلم ما حدث له، ثم قال له: هذا الناموس الذي نزله الله على موسى، يا ليتني فيها جذعاً (شاباً يافعاً)، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أوَ مخرجيَّ هم؟ قال: نعم لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عُوْدي، وان يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً.
فكلمة (رجل) نكرة في سياق النفي -كما يقول النحاة- والنكرة في سياق النفي تعم، اذاً فكل من دعا إلى الحق والهدى سيعادى ويحارب ويرمى عن قوس واحدة ممن حوله كما نال ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
عن خباب بن الأرت رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في ظل الكعبة متوسداً بردة له فقلنا: يا رسول الله ادع الله تبارك وتعالى لنا واستنصره، قال: فاحمر لونه أو تغير، فقال: «لقد كان من كان قبلكم يحفر له حفرة، ويجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق، ما يصرفه عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون عظم من لحم أو عصب، ما يصرفه عن دينه، وليتمن الله تبارك وتعالى هذا الأمر حتى يسير الراكب ما بين صنعاء إلى حضرموت، لا يخشى إلا الله تعالى والذئب على غنمه، ولكنكم تعجلون»(1).
فلا يحسبن أهل الحق أن الطريق أمامهم ستكون مفروشة بالورد والرياحين، ولا يحسبوا في يوم من الأيام أنهم سيؤخذون بالأحضان، فما جاء أحد بمثل ما جاء به المرسلون إلا عودي، وصدق ورقة بن نوفل.
وقد يكون طريق الفنَّان والمغني والممثل والكاتب المسرحي والصحافي مفروشاً بالورود، ولكن ليس ذلك لأهل الحق والصدق.
الحق والباطل بين الكثرة والقلة
على أن أمراً قد يجول بذهن دعاة الحق، ويدور بخلدهم، ويخطر على قلوب البعض منهم مِن تداعي أهل الباطل على الحق، ومحاربتهم إياه، وتكاتفهم في ذلك، حتى أنه ليرى للعين أنهم -أي الباطل وأهله– من الكثرة بمكان، بما يوحي إلى البعض أن الحق هو ما كثر مناصروه والباطل ما قل مؤيدوه.
هكذا قد يبدو الأمر للوهلة الأولى، ويظهر لضعاف النفوس، ويتراءى لكل من لم تطهر نفسه بطهر الإسلام، ولم تلامس بشاشة الإيمان شغاف قلبه.
إن الفضيلة والرذيلة والحق والباطل مذ ولدوا بولادة البشرية والحرب قائمة بينهم، والصراع محتدم فيهم، فابتداء بصراع الحق والباطل من خلال قصة آدم وإبليس، ومروراً بالنزاع الذي قام بين قابيل وهابيل، وانتهاء بتنازع الوجود والبقاء على ساحة الحياة بين الإسلام والكفر.
كل هذه المراحل التي مرت بها تلك الحرب الضروس وعدد أهل الحق في قلة والباطل في كثرة -في أغلب الأحيان طبعاً– فهل هذا يعني أن ينتقل الصواب من جانب الحق إلى جانب الباطل؟؟
هل كثرة عدد النصارى والصليبيين اليوم في المعمورة وبلوغهم أكثر من ملياري نسمة يعني أنهم على الحق؟؟ لا أبداً.
هل وقوف أغلب الدول الأوروبية والأمريكية خلف «إسرائيل» ودعمها لسياساتها العدوانية والاستيطانية يوحي أنها على حق؟
هل تهميش الحركات الإسلامية في جميع دول العالم يعني أنها حركات إرهابية، وأنها عقليات لا تفقه في السياسة شيئاً، وهي بعيدة كل البعد عن الحق والصواب؟؟ لا أبداً.
إن الحق حق مذ ولد وحتى يموت، والباطل كذلك، لا يغير من حقيقتهما كثرة ولا قلة ولا مدح مادح ولا ذم ذامٍّ.
يقول د. مصطفى السباعي رحمه الله في كتابه الماتع «هكذا علمتني الحياة»: لا يقاس الحق والباطل بقلة الأنصار أو كثرتهم، ففي كل عصور التاريخ – بلا استثناء – كان الباطل أكثر أتباعاً (وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ) (الأنعام: 116).
ولو كان تألب الناس على الحق دليلاً على بطلانه لكان حقنا في فلسطين باطلاً، فـ«إسرائيل» لا تزال تخدع الرأي العام العالمي بوجهة نظرها ومع ذلك فنحن لن نتراجع عن حقنا بكثرة أنصارها وقلة أنصارنا، لكن يبقى في النهاية أن الحق وإن كان أقل أتباعاً ولكنه أقوى أنصاراً، والباطل وان كان أكثر أتباعاً ولكنه أضعف أنصاراً.
بل إن الباطل لا يقوى على الصمود في وجه الحق، لأن الحق قذيفة كما قال تعالى: (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ) (الأنبياء: 18)، ولا يمكن للحق إلا إن يكون كذلك، لأن فيه عوامل القوة الذاتية التي أودعها الله فيها ما يجعله كذلك.
فالعلاقة بين الحق والباطل وبين الشر والخير وبين النور والظلمة هي علاقة تدافع، لا يقع الواحد إلا ويغيب الآخر، ولا يمكن أن يرضى أحدها بوجود الآخر، ولو أراد أهل الحق التماس الإذن بوجود من الباطل فان الباطل لن يأذن ولن يسمح، لأن في ذلك تهديداً خطيراً لأمنه ووجوده وبقائه.
هل أخطأت قوى الحرية الجهادية في سورية في ثورتها؟!
هذا الحديث يدفعنا -وبقوة- إلى الخوض فيما تثيره بعض الجماعات التي تنكر الجهاد في هذا العصر أو تدعو إلى تأجيله، وتتهم المجاهدين بأنهم يعطون المبرر للباطل بأن يضربهم ويقتلهم، وتزعم أن الثورة السورية بما تفعله من محاولات يائسة لضرب أهداف ضعيفة في قلب العدو البعثي إنما هي بذلك تقدم على الانتحار الجماعي البطيء، وتكلف أهل سورية ما لا طاقة لهم بحمله، وتعطل الوصول إلى حل دبلوماسي، وتعطي انطباعاً سيئاً عن الإسلاميين والإسلام، وأنهم أناس دمويون لا هَمَّ لهم إلا الوصول إلى السلطة، والجلوس على الكرسي، ووضع الشعوب بعد ذلك في قالب من الرجعية والتخلف والتقهقر إلى وراء.
إن من يقول هذا واهمون، وعن الحق عَمُون، لأنهم جهلوا طبيعة الباطل، وجهلوا أن ذات الحق لا يرضى البعث عنه ولا بوجوده بحال من الأحوال.
أولم يقل الله عز وجل، ويعطنا النتيجة النهائية وملخصاً لرؤية العدو بشقيه اليهودي الصليبي للإسلام حين قال: (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) (البقرة: 120)، والبعثيون الذين يحكمون سورية كما هي أقوال العلماء في السابق والواقع المشاهد خلال سنة من الثورة أنهم أكفر من اليهود.
أولم تكن العلة الوحيدة التي حارب بها قوم لوط لوطاً أنهم فقط أناس يتطهرون (قَالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ انَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ) (النمل: 56)؟ فهو لم يحمل عليهم سلاحاً، ولم يشهر قنبلة يدوية أو ذرية بل فقط خالف منهجهم.
هذه لهجة الباطل في كل زمان ومكان في القديم والحديث، ومن ثمَّ ينالنا العجب من تجاهل بعض الجماعات لتلك الحقيقة!
فعلى أهل الحق أن يدركوا في قرارة أنفسهم أن لا بد من دفع الثمن مهما كان غالياً في سبيل نصرة الحق وثباته وزرعه في قلوب الآخرين، وتلك حقيقة وعاها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأهل الحق من قبله من الأنبياء والمرسلين وأتباعهم.
قال تعالى: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ) (البقرة: 214).
فيجب الارتفاع عن جاذبية الأرض والدنيا ومغرياتها، ونفض غبار الكسل والدعة والراحة والسكون والتشمير للجهاد في السبيل الحق حتى يظهره الله.
هل تشكو سورية وشعبها الحر إلى العالم؟
إنني لتأخذني الدهشة، وينال مني العجب، ويأخذ في قلبي كل مأخذ من أهل الشام الصابرين المرابطين، فرغم ما نال العدو البعثي منهم، ورغم ما طالهم وبيوتهم وأهليهم من القصف والقتل والتدمير إلا أن أحداً منهم لم يظهر على وسائل الإعلام بشتى أنواعها ليشكو الثوار والمجاهدين إلى العالم، ولم يتأفف من قرارات قادة الفصائل الجيش الحر، بل الكل صابر ومحتسب، والكل يعلم علم اليقين أنهم مقبلون على محن كثيرة شاؤوا أم أبوا، شعارهم في ذلك:
عش عزيزاً أو مت وأنت كريم ٭٭٭ بين طعن القنا وخفق البنود
أنا في أمة تداركها اللـ ٭٭٭ ـه غريب كصالح في ثمود
فاطلب العز في لظى ودع الذ ٭٭٭ ل ولو كان في جنان الخلود
ولقد كان العربي قديماً يتحفظ أن يقال عنه: جبان أو يقال عنه: خواف أو يقال عنه: ذليل، بل كان يستعذب الموت إنْ في الحياة ذل أو صنعة أو مهانة.
المتنبي وميتة العز
ذكر ابن رشيق القيرواني في كتابه العمدة في باب منافع الشعر ومضاره: أن أبا الطيب المتنبي لما ذهب إلى بلاد فارس، ومدح عضد الدولة بن بويه الديلمي، وأجزل عطاءه، وسئل يومها: أين هذا العطاء من عطاء سيف الدولة؟ فقال: هذا أجزل، إلا أنه عطاء متكلف، وسيف الدولة كان يعطي طبعاً.
فغضب عضد الدولة، فلما انصرف المتنبي جهز عليه عضد الدولة قوماً من بني ضبة، فقاتلوه قتالاً شديداً، فلما رأى الغلبة فر هارباً، فقال له غلامه: لا يتحدث الناس عنك بالفرار وأنت القائل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني ٭٭٭ والسيف والرمح والقرطاس والقلم
فقال له: قتلتني قتلك الله، ثم عاد وقاتل حتى قتل(2) خوف المسبة والعار.
الحلول الفاشلة
إن المصيبة كل المصيبة أن نتخوف من الباطل، ونرى الحل الأمثل والأنسب في مهادنته وملاطفته وبسط الوجه له وبذل الابتسامة وزرعها في الوجه حتى يرضى…
إن المصيبة كل المصيبة أن ننخدع بالكلام المعسول والنوايا الخبيثة المغلفة بكلمات لطف وظرف وحلاوة، ونظن أن العدو البعثي يريد الخير لأهل الشام ويسعى لحقن الدماء والكف عن قتل الأبرياء، واهمين بذلك وناسين أو متناسين طبعه المعروف وخبثه المألوف الموصوف عبر التاريخ قديمه وحديثه.
فهو وإن أحسن الكلام ولان في المعاملة لكنه يدبر المكيدة في الخفاء ويتربص بأهل الشام الدوائر.
يعطيك من طرف اللسان حلاوة ٭٭٭ ويروغ منك كما يروغ الثعلب
إذا رأيت نيوب الليث بارزة ٭٭٭ فلا تظنن أن الليث يبتسم
إن الأفاعي وان لانت ملامسها ٭٭٭ عند التقلب في أنيابها العطب
إن كثيراً من المتخاذلين يربط بين الحق والقوة المادية، فحيثما وجدت القوة المادية وأسبابها فثمَّ الحق وثمَّ العلو والاستعلاء في الأرض.
وينسى هؤلاء –المتأوربون– أن دولتي الفرس والروم كانتا ترفلان في ثياب الرفاهية والقوة المادية، أما دولة الإسلام في بدايتها التي انطلقت إلى العالم فكان مصدر قوتها الإيمان، ومنبع عزها ذلك المسجد المتواضع المرصوف بالحصى والمغطى بعسيب النخل.
نحن لا ننكر إن من أسباب القوة القوة المادية لكنها ليست معياراً لحق أو باطل، وبالتالي لا يبرر لأولئك أن يشككهم التقدم المادي لدولة الباطل في دينهم ويضعف إيمانهم به.
ويوشك أن ينقلب بهؤلاء إيمانهم الضعيف ويتزعزع يقينهم عند أول هزة تتعرض له قلوبهم.
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ) (الحج: 11).
للباطل جولة ثم ينهار
إن ربط الثبات على الحق بأمور ظاهرية أو أسباب قوة مادية لا يعبر عن حقائق الأمور، أو بأماني قادمة يلدها الغيب، أو يلدها أمر يبعث الاضطراب في النفوس وعدم التركيز في الأفهام والعقول مما يبشر باضطراب الحياة ككل، وتضعضع الشؤون الداخلية والخارجية للأمة.
وقد تأخذنا في بعض الأحيان مظاهر خادعة لافتراق السنن الكونية حين نرى أن اتباع القوانين الطبيعية يؤدي إلى النجاح مع مخالفة القيم الإيمانية، هذا الافتراق قد لا تظهر نتائجه في أول الطريق ولكنها ستظهر حتماً في نهايته.
إن مما يجب ملاحظته أن من أسباب قوة الباطل في كل زمان محاولته إغراء الأتباع وغيرهم بالمال وحطام الدنيا، ويلوحون به إلى المؤمنين لكي يتابعوهم على باطلهم؛ (قَالَ نُوحٌ رَّبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَاراً) (نوح: 21).
وذاكم هو فرعون يعد عبيده بالمال إن وافقوه على باطله فيقول: (يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ) (الزخرف: 51).
وقد عرض وجهاء قريش على النبي صلى الله عليه وسلم المال الجزيل لكي يتخلى عن دعوته فلم يستجب بل قال لعمه أبي طالب: «والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه».
فأهل الباطل يستعملون المال كسلاح منعاً أو إعطاءً لصد الناس عن الدين الحق والمذهب الحق والعقيدة الحقة، فهل تكون استجابة بعض ضعاف النفوس لذلك تقلل من قيمة الحق في ذاته وفي نفوس أهله الأوفياء؟
إننا اليوم أخرجنا الحق السوري من محتواه الإسلامي الواسع إلى المحتوى العربي، ثم أخرجناه مرة أخرى من المحتوى العربي إلى المحتوى السوري، ثم أخرجناه من المحور السوري القُطري إلى اطار الجيش الحر والثوار والمجلس الوطني!
_____________________
(1) مسند أحمد.
(2) حياة الحيوان الكبرى لكمال الدين الدميري.
المصدر: جريدة «الوطن»، منتدى الفكر والحضارة، 2012/04/28.