مذبحة «دير ياسين» التي دارت وقائعها في الساعات الأولى من صباح 10 أبريل 1948م، تكشف دوافع مجازر غزة.
فبينما كان الضحايا نائمين، داهمتهم فرق الموت الصهيونية من منظمة «الهاجاناه»، وأعملت فيهم آلة القتل حتى أشبعت عقدتها ارتواءً من دماء أكثر من 250 من الأطفال والمدنيين الأبرياء الذين تحولت جثثهم إلى قطع وأشلاء! ثم راح المجرمون يلقون بهم في بئر القرية بعد أن مثلوا بجثثهم، مسجلين الفصل الأخير من «احتفاليتهم» الدموية التي امتلؤوا خلالها نشوة وطرباً، حتى قال قائدهم ينشورين شيف، بعد المذبحة: «كان ذلك النهار يوم ربيع جميل رائع.. وكانت أشجار اللوز قد اكتمل تفتح زهرها، ولكن رائحة الموت الكريهة كانت تأتي من كل ناحية في القرية»!
وقد سجل مناحم بيجن، رئيس وزراء الكيان الصهيوني الأسبق، ورجل السلام! مشاهداته لأحداث تلك المذبحة التي افتخر بالمشاركة فيها، قائلاً في مذكراته: «إن العرب دافعوا عن بيوتهم ونسائهم وأطفالهم بقوة.. وكان لهذه العملية نتائج كبيرة وغير متوقعة؛ فقد أصيب العرب بعد أخبار دير ياسين بهلع قوي فأخذوا يفرون مذعورين.. فمن أصل 800 ألف عربي كانوا يعيشون على أرض «إسرائيل» (فلسطين المحتلة عام 1948م) لم يبق سوى 165 ألفاً».
ثم عاب (بيجن) على من تبرأ من تلك المذبحة من زعماء اليهود، واتهمهم بالرياء! بقوله: «إن مذبحة دير ياسين تسببت بانتصارات حاسمة في ميدان المعركة.. فدولة «إسرائيل» ما كانت لتقوم لولا الانتصار في دير ياسين»!
وهذا عين ما يجري في شمال غزة اليوم من مجازر وحشية لإرهاب سكانها ودفعهم للفرار إلى الشتات.
إن الانتصار الحقيقي عندهم يتمثل في القتل الجماعي للمدنيين الأبرياء، وذلك ذروة الوحشية.
والسيناريو ذاته جرى مع مذبحة كفر قاسم، وغيرها في فلسطين المحتلة، ثم مذابح صبرا وشاتيلا، وقانا، ومروحين وصور، وغيرها في لبنان.. أسلوب التنفيذ الوحشي واحد.
وهو مباغتة الضحية وهي مجردة من أي سلاح، ثم إعمال القتل فيها بلا رحمة؛ استجابة لـ«عقدة» الحقد الأسود وإطفاء للظى ناره المستعرة في قلوبهم.