حملت المقاومة الفلسطينية على عاتقها تحرير الأسرى في سجون الاحتلال، فبعد “طوفان الأقصى” في السابع من أكتوبر 2023 صرح الناطق العسكري لكتائب القسام “أبوعبيدة” الاستعداد لتبادل الأسرى مع سلطات الاحتلال كليًّا أو جزئيًا، وهو ما جعل سلطات الاحتلال تماطل وتخوض حربًا شرسة طوال 47 يومًا ظنًا منها أنها تستطيع تحرير أسراها بقوتها العسكرية التي مارستها ضد المدنيين بقصف البيوت والمستشفيات بوحشية فاشية بتأييد من أمريكا ومعظم دول أوروبا، وقيل إن ما ألقته “إسرائيل” على غزة في تلك المدة يعادل قنبلتين ذريتين، وقالت النائبة الأمريكية إلهان عمر: إن ما ألقته “إسرائيل” على غزة في العشرة أيام الأولى من الحرب يعادل ما ألقته أمريكا علي أفغانستان في عام كامل.
ولما فشل الاحتلال في تحرير أسراه خلال أكثر من شهر ونصف من الحرب اضطر للتنازل ووافق على التبادل الجزئي للأسرى؛ حيث يتم تبادل 50 من الأطفال والنساء “الإسرائيليات” المدنيات مقابل 150 أسيرة وطفلاً فلسطينياً، وبدأت الهدنة والتبادل يوم الجمعة 24 نوفمبر لمدة أربعة أيام، وتم الاتفاق علي تمديد الهدنة وتبادل مزيد من الأسرى.
2070 حالة اعتقال بالضفة أكتوبر الماضي من بينهم 145 طفلاً وأكثر من 55 امرأة
تصاعد عمليات الاعتقال
وقد وثقت مؤسسات الأسرى الفلسطينية أن عدد الأسرى في سجون الاحتلال قبل “طوفان الأقصى” يبلغ 5200 أسير من بينهم 36 امرأة ونحو 170 طفلًا، وبعد “طوفان الأقصى” رصدت نحو 2070 حالة اعتقال في شهر أكتوبر الماضي في الضفة من بينهم 145 طفلاً وأكثر من 55 من النساء؛ حيث شملت كافة الفئات، ويبلغ متوسط عمليات الاعتقال اليومي نحو 73 حالة اعتقال، وهذه النسبة تزيد بثلاثة أضعاف عن حملات الاعتقال التي كانت تنفذ قبل ذلك.
وبلغ عدد المعتقلين من غزة بعد “طوفان الأقصى” 105 أسرى صنفتهم سلطات الاحتلال بمقاتلين غير شرعيين، فيقدر أعداد الأسرى حتى اليوم بـ 7000 أسير، منهم مرضى يمنعون من العلاج ونساء وأطفال، والأعداد في تزايد مستمر، ويقبعون في 23 سجن ومركز توقيف وتحقيق.
وشهد العام الماضي 2022 أعلى معدل في الاعتقال الإداري حيث بلغ عدد المعتقلين إداريًا (2349)، ومنذ مطلع العام الحالي 2023 بلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري نحو 2350 منهم 1245 أمر اعتقال جديد، و1105 أمر تجديد اعتقال.
وقبل “طوفان الأقصى” بلغ عدد المعتقلين الإداريين 1264 بينهم ما يزيد عن 20 طفلاً وأربع أسيرات، وبعد “طوفان الأقصى” تصاعد الاعتقال الإداري بدرجة كبيرة؛ فأصدر الاحتلال خلال أكتوبر الماضي 1034 أمر اعتقال إداري من بينها 904 أوامر اعتقال إداري جديد و130 أمر تجديد.
“إسرائيل” السلطة الوحيدة في العالم التي تستخدم الاعتقال الإداري للتنكيل بالفلسطينيين
وقد تم خلال الهدنة التي بدأت يوم الجمعة 24 نوفمبر قبل الماضي مفاوضات تبادل الأسرى الجزئية مع سلطات الاحتلال، وهناك أمر مهم ينبغي الإشارة إليه، ألا وهو: جريمة “الاعتقال الإداري” التي تتم بحق الفلسطينيين بدون تهمة أو محاكمة حيث يعتمد على ملف سري وأدلة سرية لا يمكن للمعتقل أو محامية الاطلاع عليها، و”إسرائيل” السلطة الوحيدة في العالم التي تستخدم الاعتقال الإداري للتنكيل بالفلسطينيين واتخاذهم رهائن خلافًا للقانون الدولي.
وقد شمل الاعتقال الإداري جميع الفلسطينيين: أطفالًا ونساءً شبابًا وشيوخًا ومرضى، فلا يعرف المعتقل التهمة، ولا يخضع للمحاكمة ولا مدة الاعتقال، فهو اعتقال مفتوح قد يبلغ سنوات طويلة ويتجدد، ويمكن أن يفرج عنه مدة ثم يجدد اعتقاله مرات تالية كذلك؛ فيظل طوال عمره تحت تهديد الاعتقال الإداري، وهو ما يتنافى مع المادة (9) من القانون الدولي الخاص بالحقوق المنية والسياسية، ومنها: “لكل فرد الحرية والأمان علي شخصه، ولا يجوز توقيف أحد أو اعتقاله تعسفًا، ولا يجوز حرمان أحد من حريته إلا لأسباب ينص عليها القانون وطبقا للإجراءات المقررة، ويتوجب إبلاغ أي شخص يتم توقيفه بأسباب هذا التوقيف لدي وقوعه، وإبلاغه سريعًا بأي تهمة توجه إليه، ولكل شخص كان ضحية توقيف غير قانوني حق واجب النفاذ في الحصول علي تعويض”.
إنها جريمة تمارسها سلطات الاحتلال بحق الفلسطينيين لا بد أن يوضع لها نهاية؛ فالأسرى الفلسطينيون الذين سيتم تحريرهم من سجون الاحتلال يمكن أن يجدد لهم “الاعتقال الإداري”، وهو ما أفصحت عنه سلطة الاحتلال عند الإفراج عن الأسيرات مؤخرًا بعدم الاحتفال بالخروج وإلا سيتم تجديد اعتقالهن مرة أخرى.
وبناء على ذلك؛ فسلطة الاحتلال يمكنها تجديد اعتقال المفرج عنهم إداريًّا مرة أخرى، وتقوم – كذلك – باعتقالات إداريّة جديد لغيرهم، وهكذا.. يظل “الاعتقال الإداريّ” السيف المسلط علي رقاب الفلسطينيين ما لم يتم وضع حل نهائي له في مفاوضات تبادل الأسرى القادمة.