ها هو القانون الدولي والقانون الإنساني يسقط مجدداً في اختبار مصداقية القيم المعلنة، واتساق معايير السياسات المطبقة فيما يخص الحرب على غزة، والجرائم الإنسانية التي ترتكبها آلة الحرب الصهيونية ضد المدنيين، وبيوتهم الآمنة، وسياسة الحصار والتجويع التي تنفذها بحق الشعب الأعزل من الرجال والنساء والأطفال.
أصحاب هذه القوانين من الدول الغربية، وحكوماتها، ورؤسائها، وهم يحجون الواحد تلو الآخر إلى دولة الكيان، ويتهافتون على دعمها في قتل الأبرياء، وإدانة المقاومة الفلسطينية، التي تدافع عن شعبها بأشد العبارات الممكنة، واعتبارها إرهاباً ضد الأبرياء اليهود، في حين تعتبر ما تمارسه الدولة الصهيونية حقاً لها بالدفاع عن نفسها، ويمتنعون عن إدانتها، ويعملون على حمايتها في المحافل الدولية والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، في تحدٍّ صارخ للقانون الدولي والإنساني الذي يسقط دوماً أمام ممارسات الاحتلال الصهيوني، ولا نجد له صوتاً إلا في وجه المستضعفين، الذين ارتضوا لأنفسهم المذلة والمهانة خوفاً من الغضب الأمريكي.
وفي الوقت الذي تسارع فيه هذه الدول الغربية التي تتشدق بالقانون الدولي والإنساني، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا، بإرسال المساعدات العسكرية والحربية إلى دولة الكيان، ومدها بجسر جوي يسمح باستمرار تدفق هذه المساعدات، ومليارات الدولارات، وحزم المساعدات التي تقدمها قرابين على عتبات ومذابح الحرب على المدنيين الضعفاء والثكالى من أبناء غزة، وتمتنع عن تقديم المساعدات الإنسانية من الغذاء والدواء والماء إلى سكان غزة، الذين إن لم يموتوا من آلة الحرب الصهيونية المدمرة فإنهم سيموتون من الحصار والجوع، في ازدواجية معايير لم يشهد لها التاريخ مثيلاً.
مبدأ القوة والعنجهية
اليوم وبدخول الحرب شهرها الثالث، يتبين فشل القانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، أمام حرب الإبادة والتجويع التي تمارسها حكومة الحرب الصهيونية ضد مليوني وثلاثمائة ألف فلسطيني في غزة، وهي ترتكب الجرائم وتنفذ مئات المجازر، وتحصد آلاف القتلى والجرحى، وتبيد عائلات بأكملها وتمسحهم من السجل المدني، بقصف البيوت الآمنة ومراكز الإيواء والنازحين والمدارس على رؤوس ساكنيها، وتدمر المستشفيات والمراكز الصحية وتحولها إلى ثكنات عسكرية، وتستهدف الكوادر الطبية وسيارات الإسعاف وتقتل كل من يتحرك على الأرض، وبمباركة من دول الغرب التي تتغنى بالديمقراطية وحقوق الإنسان، وهي التي صاغت هذه المواثيق والاتفاقيات، ولكنها للأسف لا تطبقها إلا على الضعفاء والضحايا في خضوع واستسلام واضح لمبدأ القوة والعنجهية التي تمارسها هذه الدول وعلى رأسها أمريكا في مواجهة الدول الضعيفة التي لا تملك من أمرها شيئاً، لأنها ارتضت لنفسها أن تكون تابعة وذيلاً خلف هذه الدول عملاً بمبدأ «تسلم رأسي، وأنا ومن بعدي الطوفان»!
المصطلحات الخاصة بحقوق الإنسان والقانون الدولي والديمقراطية تُستخدم وفقاً لمصالح الغرب
وعلى مدار هذه الحرب التي شهدت وما زالت تدميراً صهيونياً ممنهجاً لكل شيء في غزة، ما يزال الجدل يدور حول دور القانون الدولي والإنساني من هذه الحرب والجرائم، رغم وجود الكثير من المؤشرات التي تؤكد انتهاك دولة الاحتلال له في تحدٍّ واضح للعالم دون رادع، رغم أنه ملزم لكل الدول بما فيها دولة الاحتلال الصهيوني، التي يجب أن تفضي هذه القوانين إلى محاسبتها في محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، ولكن للأسف لا نجد من يردعها، بل هناك من يدعمها ويدافع عنها ويعتبر ما تقوم به دفاعاً عن النفس، وهي دولة احتلال في مواجهة صاحب الأرض والحق الشرعي التي تنكر عليه هذه الدول الظالمة حقه في المقاومة الشرعية، وحقه في الدفاع عن نفسه لتحرير أرضه وتقرير مصيره، وتعتبر ذلك إرهاباً وتطرفاً في سقوط مدوٍّ لهذه القوانين الزائفة التي لا تجدي نفعاً حين نحتاجها.
خرق القانون الدولي
وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة القوانين المكونة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني تنطوي أيضاً على القوانين التي تحكم الاحتلال الصهيوني، فهي تمارس سلطة فعليّة على فلسطين بقوة الاحتلال ودون موافقتها، ودون أن يكون لها ولأهلها وأصحابها الشرعيين حق سياديّ عليها، وتنص تلك القوانين على أن دولة الاحتلال لا تكتسب السيادة على هذه الأراضي المحتلة، ويجب عليها أن تعامل السكان فيها بشكل إنساني، وأن توفر لهم الاحتياجات الغذائية والرعاية الطبية، وتمنحهم حرية الحركة والتنقل، إلا أن دولة الاحتلال تعاملت بعكس ذلك؛ فهجرت السكان منذ 75 عاماً، ثم حاصرتهم في الضفة الغربية وقطاع غزة، ومنعت عنهم الدواء والغذاء، وأغلقت أمامهم المعابر، ومارست بحقهم سياسة الخنق والتضييق والتدمير الممنهج، ومنعتهم من حرية التنقل والسفر، ومنعت دخول الأموال إلى غزة، والعالم يشاهد ويرى ممارساتها وما تقوم به ضد الفلسطينيين دون رادع ومحاسبة أو حتى مجرد إدانة.
إن خرق القانون الدولي ليس جديداً على الاحتلال الصهيوني منذ عام 1948م، بل إن الغرب الظالم يساعده في ارتكاب هذه الجرائم التي يحاسب عليها القانون الدولي، أما المصطلحات الخاصة بحقوق الإنسان والقانون الدولي والديمقراطية وغيرها فإنه يتم استخدامها فقط وفقاً لمصالح الغرب، وأهدافهم الاستعمارية وخاصة في منطقة الشرق الأوسط.
وتبقى هذه المصطلحات واستخدامها فقط في وجه أصحاب الحق الذين تمنحهم هذه القوانين الشرعية، التي لا تعترف بها الدول الاستعمارية؛ لأنها تتعارض مع مصالحهم، ومصالح كيانهم المزروع والمغروس في المنطقة العربية وخاصرة الشعب الفلسطيني، لزعزعة الاستقرار وإرهاب كل من يرفع رأسه في وجههم.
إن ما تقوم به دولة الاحتلال الصهيوني يتجاوز فكرة القانون إلى استخدام القوة والعنف، من أجل الدفاع عن نفسها، كما يقول الغرب وأمريكا، وهذا يتنافى مع كل القيم والأعراف والقوانين الدولية؛ وبالتالي فهي دولة محمية من الإمبريالية والاستعمار الغربي الجديد؛ مما أعطى لها انطباعاً أن بإمكانها أن تفعل ما تريد دون ملاحقة سياسية أو إنسانية أو حتى قانونية، يساندها في ذلك الدعم الغربي والأمريكي المباشر على المستوى المادي والمعنوي والسياسي، بل العسكري، عبر إرسال حاملات طائرات وتخصيص مليارات الدولارات مما يجعلها فوق القانون، وهذا يمثّل شوكة في حلق الأمم المتحدة من جهة، وفي حلق القانون الدولي والإنساني من جهة أخرى.