معادلة على أهمية كبيرة، لا بد أن تتغير إذا كنا جادين في طلب التغيير في أوطاننا، وتصحيح الأوضاع التي باتت مقلوبة في حياتنا، ومفاهيمنا.
معادلة على أهمية كبيرة، لا بد أن تتغير إن أردنا أن نثبت وجودنا في أوطاننا، ونعلي شأننا، ويحسب لنا ألف حساب، ونحقق ذواتنا في التأثير في مسيرتنا الحياتية، ونكون فعلاً وقولاً شوكة في حلوق المتجاوزين على حقوقنا، المعتدين على كرامتنا، المهملين لوجودنا، القافزين على إراداتنا.
معادلة وضعتنا أمامها عارين تماماً، الأحداث الدموية المؤلمة، والجرائم البشعة التي ترتكبها دولة الاحتلال ضد المدنيين من الأطفال والنساء في قطاع غزة.
«طوفان الأقصى» أظهرنا على حقيقتنا العاجزة، المتخاذلة، المستكينة، التي لا تقوى على الفعل الحقيقي الذي يرقى لمستوى الأحداث وبشاعتها، وبقينا في دائرة الفعاليات الشكلية، التي لا نقلل من أهميتها، غير أنها جاءت دون المستوى المطلوب، ولم تؤد الغرض المطلوب، فمع قوة هذه الفعاليات الشعبية في كثير من البلاد العربية والإسلامية والعالمية، فإنها لم تحرك هذه الأنظمة لتقديم ما ينبغي فعله، ولم تثن كثيراً من الحكومات عن مواقفها المنحازة، ولا أن توقف الجرائم البشعة، التي ترتكبها دولة الاحتلال في عدوانها السافر على مدنيي غزة.
وهنا نتساءل باستغراب: ما القوة التي يستند إليها هذا الكيان الغاصب الغاشم حتى يدير ظهره لكل الفعاليات الحاشدة، التي لم تشهد لها مثيلاً ميادين وشوارع العواصم والمدن الكبرى في عالمنا العربي والإسلامي والغربي، من قبل؟
ما الذي يجعل هذا الكيان الغاصب أكثر جرأة في ارتكاب جرائمه البشعة، تحت سمع الدنيا وبصرها، غير آبه بأي من الأنظمة العربية والإسلامية والغربية، التي تشهد بلادها فعاليات شعبية مليونية؟!
بل إنه لم يكتف بارتكاب هذه الجرائم البشعة، ولم يكتف بتزوير الحقائق، ولا بتلفيق الأكاذيب المفضوحة، التي كشف زيفها واقع الأحداث، وممارسات المقاومة، التي تحلت بمستوى كبير من أخلاق الفرسان السامية، أمام همجية الاحتلال، وفساد أخلاقه، فقد ذهب بكل وقاحة لتهديد قيادات المقاومة الفلسطينية خارج الحدود، وفي بلدان لم يحترم نظامها، ولا سلطاتها، ولا سيادتها، ولم يقم لها وزناً وهو يتوعد هذه القيادات المقيمة في هذه البلدان، مع صمت عجيب من الأنظمة الحاكمة في هذه البلدان، وكأن الأمر لا يعنيها، ولا يخترق سيادتها، ولا يقلل من شأنها!
هذه الوقاحة، وهذه البشاعة والجرأة في ارتكاب الجرائم، يعطينا مؤشراً أن هذا الكيان قد أمن العقوبة الدولية، بانتهاكه كل القوانين المتفق عليها، والمقرة من كل المنظمات الدولية، التي باتت هباء منثوراً، أمام «الفيتو» الأمريكي، الذي أصبح «فيتو» لتأييد عمليات الإجرام والإبادة، ودهس كل المعاني الإنسانية، لا بل بتنا نشعر أن هذا الكيان الغاصب يقوم بمهمة مقدسة، مطلوب منه أن يقوم بها، من قبل هذه الأنظمة، التي تسبح في محيط أمريكا، وتتلفع بعباءتها، التي تظهر لنا ما لا تبطن، وتقول في العلن غير ما تقوله في الخفاء.
وهذا ما يدعونا لإعادة النظر في واقعنا، وتغيير متطلبات هذا الواقع، والعمل على إعادة ترتيب أولياتنا، ضمن معادلة جديدة، تتقدم فيها الشعوب الصفوف، وتكون هي صاحبة الصوت الأعلى، والإرادة الأولى، التي تخشاها الأنظمة الحاكمة، قبل أن يدوي صداها خارج الحدود.
نحن اليوم نعيش واقعاً أهملت فيه الأنظمة الحاكمة إرادة شعوبها، لا بل قمعت في كثير من الأحيان هذه الشعوب وأسكتت صوتها تماماً، وتعاملت معها كأنها ليست موجودة، وقدمتها للعالم على أنها شعوب بلا إرادة، ولا تأثير، بل إن إرادتها هي إرادة أنظمتها، ورؤيتها هي رؤية أنظمتها، ومواقفها هي مواقف أنظمتها، وهذا في الحقيقة من أقوى الأسباب التي جعلت من الكيان الغاصب أكثر إجراماً وبشاعة في عدوانه على أهلنا في قطاع غزة، ولو كان يعلم أن الشعوب العربية شعوب حرة في إرادتها، ومستقلة في تحركها، وأنها تملك القوة في محاسبة أنظمتها، والجرأة في المطالبة بإسقاطها، والشجاعة في تجاوز تعليماتها، والعزيمة في إمضاء إرادتها، وتحقيق غاياتها وتطلعاتها، لكان له سلوك هذا الكيان الغاصب غير السلوك الذي يمارسه اليوم في عدوانه.
وحتى لا يستثنى أي أحد من الشعوب من هذا الواقع المؤلم، فلا يظن من خرج من بيته محتجاً بفعاليات حاشدة، أنه يملك زمام أمره، وأنه مستقل بإرادته، وأنه قادر على القيام بالتعبير عن مواقفه المتضامنة مع أهلنا في غزة، واستنكاره لهذا العدوان الغاشم، أقول له: جهودكم بلا شك أنه مباركة، ومواقفكم بلا ريب أنها مقدرة، وفعالياتكم مشهودة، لكن ما يؤسف له أن كل هذه الفعاليات كانت مرسومة ضمن مسار محدد، من قبل هذه الأنظمة، وأجهزتها الأمنية، وحين حاول البعض الخروج على هذا المسار، قمع بلا هوادة، وجوبه بقوة، ولهذا مؤشر يؤكد ما ذهبنا إليه، رغم أن كل الفعاليات كانت منضبطة بأطرها القانونية، ولم تتجاوز حدود التعبير المسموح به، كحق مكفول قانونياً.
بشكل عام، الشعوب العربية مقموعة، لكن بدرجات متفاوتة، سواء منها من سمح لها بالتعبير، والقيام ببعض الفعاليات، أو تلك التي لم يسمح لها مطلقاً بالتعبير عن تضامنها، وهذا في الحقيقة الذي أغرى بنا عدونا، وجعله يتطاول علينا وعلى دولنا وأنظمتنا، ويستهدف سيادتنا، ويغري السفيه المغرور «نتنياهو» لأن يخاطب زعماء الأمة قبيل انعقاد قمتهم، التي كانت لذر الرماد في العيون، التي لم تقدم شيئاً، لا بل أخرت وكشفت سوءة الأنظمة العربية والإسلامية، باستعلاء، ويطالبهم بالصمت، ليس برسالة خاصة، أو باتصال سري، لا بل بخطاب علني يشهده العالم كله، يشهد فيه على الحال المتردية التي وصلت إليها أنظمتنا في عالمينا العربي والإسلامي، والغريب أن القوم استجابوا وصمتوا، وصمتت مع صمتهم الشعوب!
فإلى متى تبقى الشعوب صفراً على شمال الأحداث؟! وإلى متى تبقى كماً مهملاً؟! وإلى متى تبقى مسيّرة بلا إرادة؟! وإلى متى تبقى معطلة الحواس، لا ترى لا تسمع لا تتكلم، وإن سمح لها فبهامش مرسوم موسوم؟!
وهذا الذي يجعل الكيان الغاصب مطمئناً جداً في عدوانه الهمجي، فحدوده محمية، وسفاراته محمية، ومقراته محمية، بل وتجارته محمية، وحاجته من المواد الغذائية مقضية، وبحجج واهية، لا قيمة لها.
وهنا لا بد أن نعلم أننا كشعوب شركاء لهذه الأنظمة في وزر صمتها وخذلانها لأهلنا في قطاع غزة، نحمل معها إثم هذا الخذلان والصمت، لأننا نملك أن نقف وقفة جادة وقوية في وجهها ونحركها، ونطالبها بتحريك جيوشها، وتصليب مواقفها، والخروج من دائرة القول الدبلوماسي، لدائرة الفعل الحقيقي، الذي يتردد صداه، ويبلغ مداه، فيحسب حسابه، ونحن هنا لا نطالب بالمستحيل، ولا نحمل أحداً فوق طاقته.
يا سادة، فلنأخذ موقعنا المتقدم في المعادلة، الشعوب أولى ثم يأتي بعد ذلك الأنظمة، فتكون الأنظمة تبعاً لشعوبها، تحقق إرادتها، وتخشى غضبتها، وهذا في الحقيقة يحمل متصدري الشعوب من أحزاب وجماعات وحركات ونخب مسؤولية التقدم ودق الصدور، بلا خوف من تقديم الثمن، فلن يكون أعظم من ثمن الخذلان والهوان الذي تعيشه الشعوب اليوم.