خرجت بعض الأصوات تدعو الناس إلى ترك الذهاب إلى الحج والعمرة ودفع أموالها لأهل غزة، وأن هذا هو الواجب الشرعي في هذه الظروف، وتلك الدعوة بهذا العموم يغلب عليها العاطفة والحماسة وتفتقد إلى النظر الفقهي الأصيل، ويغيب فيها إدراك فقه الموازنات والمآلات وإن تزيت بزيّها، لما فيها من إطلاق الحكم بلا روية ولا تثبت.
الموازنة بين الحج والجهاد
الموازنة بين الحج والعمرة والنفقة في سبيل الله تعالى للمجاهدين يمكن إيجازها فيما يلي:
1- إن فريضة الحج فرضها فرض عين على كل مسلم بالغ عاقل قادر على تكاليف الحج وأدائه، أما الجهاد في فلسطين فهو فرض عين على أهلها، وفرض كفاية على الأمة، وفي حق الفرد يقدم فرض العين على فرض الكفاية.
2- إن المخاطب بترك الحج والعمرة هو عموم المسلمين، وهذا الخطاب نقض لركن من أركان الإسلام، والجهاد من أجلّ أعمال الإسلام لكنه ليس من أركانه.
2- إن المجاهدين ليسوا بحاجة إلى أموال حجاج الأمة كلها، وإنما يحتاجون كفايتهم في الجهاد وفي ضرورات الحياة.
هذا من حيث مناقشة هذه الدعوة بالجملة، أما أصل تلك المسألة فيعود إلى حكم الحج؛ هل هو على الفور أم التراخي؟
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة على رأيين:
الأول: أن الحج على الفور، فمن استطاع الحج وملك القدرة عليه؛ وجب عليه أداء الحج، فإن أخّره كان آثماً، وهو مذهب جمهور الفقهاء، وأقوى دليل لهم الاحتياط، خشية ألا يتمكن من أداء الحج لمرض أو فقر، وأما الحديث الذي استدلوا به «من ملك زاداً وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهودياً أو نصرانياً»، فهو حديث ضعيف لا يصح الاستدلال به.
الثاني: أن الحج على التراخي، وهو مذهب الشافعي والإمام محمد بن الحسن، فمن أخّر الحج مع عزمه على أدائه في المستقبل، وهو يرجو فعله لم يكن آثماً، ومن خشي فوات الحج لمرض أو عجز أو توقع فقر أو غير ذلك كان آثماً.
وقد استدل الشافعي ومن وافقه بأدلة أقوى، منها أن الحج جاء بالأمر المطلق دون قيد بزمن، وذلك في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾ (آل عمران: 97)، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم فتح مكة ولم يحج إلا في العام العاشر، ولو كان الحج على الفور؛ لما تأخر النبي صلى الله عليه وسلم عن أدائه.
وعلى هذا التأصيل فيجب أن يفرق بين نوعين من الناس:
الأول: من سبق له الحج والعمرة، فهذا يكون الأولى في حقه أن يجاهد بماله في سبيل الله، وهو من باب ترتيب الأولويات وفقه الموازنات، لكنه لا يكون آثماً إن حج نافلة أو اعتمر.
الثاني: من لم يسبق له الحج والعمرة، فعلى رأي جمهور الفقهاء يكون آثماً إن لم يحج حج الفريضة، وعلى رأي الشافعي ومن وافقه له أن يبذل ماله في سبيل الله تعالى، إن كان يرى في نفسه القدرة على الحج مستقبلاً، وكذلك الشأن في العمرة على من يرى أنها واجبة، أما من يرى أنها سُنة، فالأولى بذل المال في الجهاد.
على أنه يحرم بأي حال من الأحوال تعطيل الحج والعمرة على عموم المسلمين، بل لا بد من قيام الشعيرة كل عام، فإنها من أركان الإسلام وركائزه، وهو من تعظيم شعائر الله، كما قال سبحانه وتعالى: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ (الحج: 32).
لا إله إلا الله، يقول “إن الجهاد في فلسطين فرض عين على أهلها و فرض كفاية على الأمة” لا بارك الله في علمك، نصرة المسلمين أصبحت فرض كفاية؟؟ ( ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله و المستضعفين من الرجال و النساء والولدان) هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقاتل عن المدينة وحدها؟؟ أم عن الإسلام و المسلمين عامة؟ ( و إن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ) أتأتي بفتوى تخالف كتاب الله وسنة نبيه؟؟ قل إننا جبناء والحج لبس فيه موت فاخترناه، ولا تقل هي فرض كفاية لأنك ستحاسب على هذا الفرض يوم القيامة، وعندما تقف أمام ربك احمل أوزار كل الجبناء الذين أخذوا بفتواك.