تناولنا في المقالة السابقة تطور أنواع الفعل الاحتجاجي العالمي في ضوء العدوان الصهيوني الأورو-أمريكي على غزة 2023م، من الفعل الشعبي المتمدد والمكثف إلى الفعل الدبلوماسي في ذات البلدان المشاركة في العدوان والمؤيدة له، ونستكمل في الجزء الثاني من المقالة أنماط هذا الفعل الاحتجاجي وتطوره، ليس على سبيل الحصر، ولكن على سبيل طرح نموذج للبحث والتقييم.
3- مؤتمرات دبلوماسية عند معبر رفح:
وفي 24 نوفمبر 2023م، يعقد رئيسا وزراء بلجيكا وإسبانيا مؤتمرًا صحفيًا عند معبر رفح في أول أيام الهدنة الأولى، ويحمّلان «إسرائيل» المسؤولية عن المجازر المرتكبة بحق المدنيين في غزة والأطفال والنساء وتدمير المباني السكنية، ويأتي هذا المؤتمر الصحفي الأول من نوعه لدبلوماسيين أوروبيين -وهو ما لم يقم به أي دبلوماسي عربي أو غير عربي قبلهما- بعد زيارة قام بها الأمين العام للأمم المتحدة في 20 أكتوبر 2023م، وأعرب الأمين العام أنطونيو جوتيريش عن حزنة الشديد بشأن الوضع الإنساني في غزة، وقال: إن وراء المعبر الذي يفصل مصر عن القطاع، يوجد مليونا شخص يعانون بشكل هائل بدون ماء أو غذاء أو دواء أو وقود، وعلى هذا الجانب لدينا الكثير من الشاحنات محملة بالماء والغذاء والدواء، هي الفارق بين الحياة والموت بالنسبة لسكان غزة، نحتاج لتحريكها إلى الجانب الآخر بأسرع وقت ممكن وعلى نطاق واسع.
وقد أثار الموقف التضامني لرئيسي وزراء بلجيكا وإسبانيا ردود فعل كبيرة في «إسرائيل»؛ حيث استدعت خارجية الاحتلال سفيري الدولتين ووجهت إليهما توبيخًا، فيما اعتبرته أن ما قام به وزيرا خارجية بلديهما «دعمًا للإرهاب»!
4- الفعل العمالي:
حيث تظاهر كثير من نقابات العمال وعمال التراحيل على الموانئ رفضًا لنقل أو تحميل أي شحنات أسلحة متجهة إلى «إسرائيل»، وكان ذلك في بريطانيا وبلجيكا وإسبانيا وأمريكا وغيرها من الدول التي تقوم بتصدير الأسلحة إلى «إسرائيل».
5- الفعل الفني:
من أشهر هذه الأعمال الفنية الاحتجاجية ما قدمه رسام الكاريكاتير البريطاني ستيف بيل، في صحيفة «الجارديان»، حيث قام بيل بتصوير نتنياهو وهو يرتدي قفازات ملاكمة ويقطع بشكل رمزي خريطة تمثل قطاع غزة، وكان على إثر ذلك أن قامت «الجارديان» بإقالة هذا الرسام بعد أكثر من 40 عامًا عمل فيها، نتيجة لاتهامات بالمعاداة للسامية، وذلك بسبب رسم كاريكاتيري يصوِّر رئيس وزراء دولة الاحتلال «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو كمجرم يقطع غزة ويبيدها من الخارطة الفلسطينية.
6- الفعل الرياضي:
أدى الفعل الرياضي الجماهيري ولدى اللاعبين دورًا احتجاجيًا بارزًا في العدوان على غزة، ظهر فيه التنوع: هتافات، لافتات، زي وملابس فلسطينية، تمثيل درامي في المدرجات، الشارة السوداء للاعبين، أعلام فلسطين، وتمثيل لأكفان الشهداء مرصعة بالدماء، وانتشرت هذه المظاهر بسرعة شديدة وكثيفة في الملاعب الأوروبية، وكسرت معه قاعدة الاتحاد الدولي (فيفا)، والاتحاد الأوروبي (يوفا) «لا سياسة في الرياضة»، حيث انطلق المشجعون يبدعون في مناصرة غزة وأطفالها، وإظهار الجرم الذي يرتكبه جيس الاحتلال داخل الملاعب الرياضية من ملاعب ليفربول، ومانشستر في لندن، إلى ريال سوسيداد في إسبانيا، وغيرهما من الملاعب العالمية.
7- الفعل اليهودي:
رغم أن الفعل اليهودي ضد «إسرائيل» ليس جديدًا في هذا العدوان على غزة 2023م، فإن تطوره يظهر في الحجم والمكان الذي كان فيه هذا الفعل الاحتجاجي اليهودي، ففي 19/ 10/ 2023م تجمع مئات المتظاهرين بقياد مجموعة الصوت اليهودي من أجل السلام في ناشونال مول في واشنطن العاصمة، للمطالبة بوقف إطلاق النار في الحرب «الإسرائيلية» على غزة، حاول المحتجون اقتحام مبنى الكونغرس الأمريكي، وحثوا المشرعين وإدارة الرئيس جو بايدن على الضغط من أجل وقف إطلاق النار في غزة، وبقمصان سوداء كُتب عليها «اليهود يقولون: أوقفوا إطلاق النار الآن.. لا تقتلوا باسمنا»، بدؤوا بالتصفيق والغناء في القاعة المستديرة لمبنى مكتب كانون هاوس، رافعين لافتات كبيرة كُتب عليها «وقف إطلاق النار»، و«فلتعيش غزة»، وتعتبر منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام التي نظمت الاحتجاج منظمة يهودية مناهضة للصهيونية.
هذه نماذج من الفعل الاحتجاجي ضد العدوان على غزة وتأييدًا لعدالة القضية الفلسطينية، الذي يبدو مع هذا التنوع أنه طرح القضية الفلسطينية مرة أخرى على كل الموائد العالمية، من الدبلوماسية إلى الفن إلى الرياضة إلى اليهودية إلى نقابات العمال، وهو ما يلقي عبئاً ومسؤولية على الساسة العرب والمسؤولين، والدبلوماسية العربية والإسلامية أن توظف هذه المساحات الواسعة والمتنوعة من الفعل الاحتجاجي المساند لقضيتها العادلة في الحصول على حقوق الشعب الفلسطيني ودعم مقاومته للاحتلال بكل السبل المتاحة والممكنة؛ سياسيًا وماديًا ودبلوماسيًا، استنادًا إلى هذه المساندة الشعبية العالمية، وتوظيف ذلك الإسناد على صانع القرار الأوروبي والأمريكي فيما يتعلق بقضيتنا العادلة القضية الفلسطينية وقيم التحرير والاستقلال، وردع الاحتلال وجرائمه المستمر بحق الشعب الفلسطيني في غزة والضفة وكل فلسطين.