لم يثبت من وقائع التاريخ الإنساني أن توقف الصراع بين الحق والباطل، ولم يحدث أن سالم الباطل حقًا وفرصة غلبة الباطل مواتية، ولم نجد عاقلًا أيد السلام بين حزب الله وحزب الشيطان، ولم نر عهدًا استمر محترمًا من جانب أعداء الله، إلا إذا كان استمراره لصالحهم.
وعليه فإن البلهاء وحدهم هم الذين يظنون أن الركون إلى معاهدة أو إلى اتفاقية، يعني نهاية الصراع أو توقف الحروب أو امتناع الاعتداء وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ) (البقرة:120) أي لن يرضي اليهود عن المسلمين بأقل من اتباع ملة اليهود والسير على هواهم، ولن يرضى النصارى عن المسلمين بأدنى من أتباع ملة النصارى والسير على هواهم وعليه، فإن التخفف من أعباء الجهاد، والتخلي عن الاستعداد له نتيجة اتفاق أو معاهدة، يمثل إغراء للعدو بنا، وتحريضًا له كي يقضي علينا، فلا نجني من وراء ما نظنه تخففاً وراحة إلا الدمار وتعاظم الأعباء والأخطار، وصدق علام الغيوب إذ يقول: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ. الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحج:39-40)، أي لولا القتال والمجاهدة لتغلب أهل الشرك والكفر على أهل الحق في كل جيل، فتتعطل أماكن العبادة الصحيحة لله، وتتهدم المساجد والصلوات التي يذكر فيها اسمه، ومن باب أولى تتهدم البيوت وتخرب العمائر.
من هنا كان أمر الله لأمته (أمة الحق والإيمان) أن يعدوا العدة ويجهزوا القوة التي ترهب العدو الظاهر والمستخفي فقال جل شأنه: (وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ) (الأنفال:60).
وعليه يكون من الجهل المركب أن يظن ظان أن الأمن والسلام ورغد العيش، أن شيئا من ذلك يتحقق بتعطيل الجهاد أو بالتخفف من أعبائه أو بإعلان نهاية له.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: (ما ترك قوم الجهاد إلا الله عمهم بالعذاب)[1]، وفي رواية أخرى (ما ترك قوم الجهاد إلا قلوا).
فما عانت أمة من الهزائم وأسباب الدمار والخراب إلا حين تخلت عن أسباب القتال أو انصرفت عن إعداد العدة وأوهت من عزيمة القتال، وما تقدمت أمة وتوفر لها رغد العيش، والاطمئنان إلا إذا جرى استعدادها وتأهبها للقتال مع
استعدادها وتأهبها لتوفير الرخاء.
فهلا تروى طلاب الدنيا وهواة الرفاهية المادية، وأعادوا حساباتهم على أسس علمية منطقية، يؤيدها الواقع والتاريخ الإنساني وتجارب الأجيال منذ ولدي آدم إلى الآن، يقول القرآن الكريم: (فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (المائدة:30)، ويقول: (إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة:39)، ويقول صلى الله عليه وسلم: ( من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من نفاق)[2].
فالاستعداد للحرب، والتعبئة المستمرة، ومواصلة التدرب والبذل، أساس للأمن، وشرط لرغد العيش الحقيقي، لا عيش الأغنام والأنعام والتقصير والسلبية والكسل، وطلب الدنيا من غير جهاد وبذل وتضحية لا يأتي حتى بثمرات الدنيا، إذ سرعان ما تمتد يد الأقوياء لتلتقط هذه الثمرات لنفسها، ولتحول بين الضعفاء وبينها، ولتترك للمتخاذلين القاعدين الأغبياء مرارة وعلقماً وحسرة، وتاريخ الاستعمار في بلاد المسلمين مداً وجزراً شاهد عملي على ذلك.
انظروا من أعداؤكم
فإذا كان هذا هو قانون الحياة، وقاعدة العيش الطبيعي، فإن اليهود عدو من طراز لا يعرف عهداً، ولا يذكر وداً، ولا يتذوق طعماً لفضيلة حتى قال الله فيهـم: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ. كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:78-79)، وقال: (قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ) (آل عمران:118)، وقال: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) (المائدة:82).
وقد دخل اليهود ديارنا معتدين مجاهرين بالتحدي والعداء للإسلام والمسلمين. وتلك صفاتهم، وهدفهم إنشاء دولة إسرائيل الكبرى من النيل إلى الفرات، تحكم العالم كله وتسيطر عليه حتى يصبح غير اليهود جميعاً وبلا استثناء عبيداً وخدماً في مزارع ومصانع اليهود أو موتى على يد اليهود، وعقيدتهم: الويل لمن يقاوم والعيش الذليل لمن يستلم، وأسلوبهم: اللـين والتحايل مع الضعف، والقسوة والعنف والوحشية عند القوة والسيطرة….
فهل يستطيع بشر أن ينقى قلوبهم التي توارثت هذا؟، وأن يطهر سريرتهم التي ربيت على الحقد والكراهية لكل الشعوب غير اليهودية وأن يمسح عقيدتهم المسطورة في كتبهم المقدسة والمحفورة في أعماقهم..
وهل يوجد من هو أرحب صدراً وأكرم خلقاً وأشد تحملًا من خاتم الأنبياء والمرسلين، ولقد وقفوا منه موقفاً تصفه سورة البقرة وسور غيرها كثيرة، في تفصيل دقيق يكشف عن طبيعة جحودهم لنعم الله، ونكثهم لعهد الله، ثم يحذر المسلمين منهم في كل أجيالهم باعتبارهم جبلة واحدة، سماتهم هي هي، ودورهم هو هو وموقفهم من الحق والخلق موقفهم على مدار الزمان[3].
إن بشراً يدَّعي أنه أقدر من الله ورسوله على كسر الحاجز النفسي الذي أقامه الله بين المسلم واليهودي، أو يدَّعي أنه أقدر من الله ورسوله على إثناء اليهود عما آمنوا به واعتقدوه وتوارثوه جيلًا بعد جيل، إن بشراً يدَّعى هذا أو ذاك لهو قصير النظر أو غير فاطن إلى أنه مسيَّر من قبل الأعداء، والتاريخ يدمغه لأنه لا يختلف بشأنه عدو ولا صديق، فيا لها من مساهمة بطولية من دعاة الاستسلام والسلبية تلك التي صقلت العقل المصري، وغيرته ليتواءم مع مطامح وأحلام الصهيونية العالمية!!
إنها مؤامرة الثالث والعشرين من يوليو عام 1952م لا تزال متواصلة الحلقات وقد دعمتها محاولات الإعلام التي دأبت منذ ذلك التاريخ على الترويح للانحلال والتسيب واللا مبالاة، لتنتهي إلى صنع شراذم المستسلمين ودعاة التبعية والاستخذاء.
لقد استطاع اليهود من خلال غفلة المسلمين وغفلة الحكام المتسلطين، ودور المنافقين من ذوي العمائم التي نصبت في مواقع الخدمة الحكومية، أن يزينوا كثيراً من المفاهيم وأحداث التاريخ وقضايا السياسة المحلية والدولية بوسائل الإعلام الحديثة؛ لكنهم لم يستطيعوا أن يستروا حقيقة خبثهم ومكرهم ودهائهم وغدرهم وحقدهم وتعصبهم.
وكل هذا مسطور في كتبهم المقدسة، وتؤكده أفعالهم الإجرامية التي يرتكبونها كل حين ضد الإنسانية من أيام نبيهم موسى عليه السلام وحتى الآن.
لقد حرفوا التوراة وألفوا التلمود حتى نصبوا أنفسهم فيهما شعباً متميزاً له إله متميز، واعتبروا بقية شعوب الأرض من نطفة غير نطفتهم ومهام هذه الشعوب غير مهمتهم، وجزاء الشعب المختار غير الجزاء الذي يجب أن يكون من نصيب الشعوب غير اليهودية.
وهكذا تبدو صورة اليهودي ومدى ما يحمله في قلبه من قسوة ووحشية وحقد وكراهية، تصل إلى حد إخراج من عداهم من زمرة الآدميين، وإن كانت لهم أجسام وهياكل الآدميين، فلكي يصلحوا لخدمة اليهود كما يدَّعي التلمود ومن مفارقات المواقف بين حكام العرب المستسلمين وحكام اليهود المتعصبين أنك لا تجد واحداً من حكام اليهود يتخلى عن هذه الأفكار والمبادئ الظاهرة البطلان، حتى في أحلك ساعات الحرج في حياتهم..
جهادهم متواصل لتنصيب شعبهم سيادة العالم وتحويل بقية الشعوب إلى خدم وعبيد في مصانع ومزارع اليهود، وسوف يعدون خدمة اليهود والعبودية لهم منحة كرم وجود، لأن عقيدة الشعب اليهودي لا تستبقي إلا من يعلن الولاء والطاعة قبل غزو اليهود لبلاده، أما إذا قاوم الغزو فالإبادة واجبة بأمر الرب…
وهذا نص ما جاء في سفر صمويل الأول الإصحاح الخامس عشر يقول: قال صمويل لشاول: “إياي أرسل الرب لمسحك ملكاً على شعبه إسرائيل والآن فاسمع صوت كلام الرب، هكذا يقول رب الجنود، إني قد افتقدت ما عمل عماليق بإسرائيل حين وقف له في الطريق عند صعوده من مصر، فالآن اذهب واضرب عماليق وحرم كل ماله، ولا تعف عنهم، بل اقتل رجلًا وامرأة، طفلًا ورضيعاً، بقراً وغنماً، جملًا وحماراً”.
وذهب شاول بجيش كبير حاصر به العماليق وانتصر عليهم وقبض على ملكهم وأهلك هذا الشعب جميعه وكل ممتلكاته ما عدا بعضاً من الغنم والبقر كان قد استبقاه ليقدمه قرباناً للرب، وبعضاً من الشعب يتخذه خدماً وعبيداً، وكان قد قبض على ملكهم ولم يقتله، فغضب إلههم غضباً شديدا وعاتب شاول عتاباً أليماً وأنب على تخطيه وصية الرب التي هي إفناء هذا الشعب، ولم يقبل تأسف شاول ولا تندمه، بل ذهب روح الرب من عند شاول وبغته روح ردئ من قبل الرب، وقطع صمويل أجاج ملك العماليق أمام الرب في الجلجال حتى يرضى الرب..
من موقع الإخلاص لهذه العقيدة قام أريل شارون بمخالفة أوامر قيادته، إرضاء لذلك الرب المتوحش رب اليهود، فأباد قرية “قبية” في مواجهة “كفار يهود” أبادها بجميع من فيها رجالًا ونساءً وأطفالًا عام 1953م وشارون هذا من حزب ليكود الديني الإسرائيلي، وهو الذي قاد جنود الثغرة في الدفرسوار عام 1973م.
ولا ننسى مذبحة “دير ياسين” وغيرها، مما تم تنفيذاً لتعاليم العقيدة اليهودية على يد قوادهم المخلصين لعقيدتهم ومنهم “بيجن” المتهور.
استيقظوا قبل فوات الأوان
إن التاريخ ليئن أنين المتوجع من علة لا يدري أصلها، ولا يدرك من خبرها إلا أنها لم تسبق، وليس لها نظير… وهي إصابة أمة الاسلام بهذا الهزال، مع أنها تملك كل مقومات التقدم والنشاط والسيادة والريادة، ثم أن هذه الأمة قد لقيت من اللطمات والنكسات ما يكفي لكي تنهض، وترفع عن نفسها كابوس الذلة والتبعية فمالها لا تستيقظ؟ بل يزيد إغراقها في النوم واللا مبالاة؟
ثم أن عدوها المتربص بها له في تاريخ الهمجية والإجرام والخبث والوحشية سجل حافل لا يخفى على عاقل، وقد تناولته سور القرآن في عديد من المواضيع بالكشف والإيضاح وبات خطرهم يهدد ولدي وولدك، فهل يجوز النوم أمام هذه الحال؟
لا ريب أن هذا الموقف لا حل له إلا بأحد أمرين:
إما أن نستيقظ قبل فوات الأوان، فندرك فرصتنا الأخيرة (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (البقرة:216).
وإما أن يبدل الله بنا قوماً غيرنا بعد أن يذيقنا عذاباً وهواناً مهلكين (إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (التوبة:39).
فهل يدرك المغفلون أن لا رفاهية للعيش ولا أمن ولا سلام ولا عون ولا فائدة للاقتصاد ولا للسياسة، طالما بقي اليهود في بلادنا وبقي المسلمون نائمين أو مستسلمين، ألا هل بلغت اللهم فاشهد [4]
[1] – (يشهد له حديث العينة وهو حديث صحيح: السلسلة الصحيحة 2663)
[2] – المصدر: صحيح مسلم الجزء أو الصفحة:1910 حكم المحدث:[صحيح]
[3] – راجع في ظلال القرآن تفسير سورة البقرة
[4] – تم نشر هذا المقال في العدد: 420 بتاريخ: 21-11- 1978م – الكاتب: أ.د. عمارة نجيب