قال تعالى: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۖ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ۗ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ) (آل عمران: 185).
نُعزي الأشقاء في دولة الكويت، وأبناء الأمة الإسلامية، بوفاة الشيخ نَوَّاف الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت (رحمه الله)، والذي يُشتهر بــ “أمير العفو” بعد أن شهدت فترة حكمه للكويت استقراراً سياسياً واجتماعياً كبيراً، وكان آخر مرسوم للعفو قبل دخوله العناية الفائقة بساعات قليلة.
وقد تابعت الكتابات والشهادات من المقرّبين منه أو الذين عايشوه أو عرفوه، عن الصفات التي تحلى بها الشيخ الأمير من التواضع والكرم وطيب النفس وحب الخير، والالتزام في صلوات الجماعة بمسجد بلال بن رباح الذي أعطاه اهتماماً يفوق الوصف حسب ما ذكر إمام المسجد، وعن اهتمامه البالغ بالإشراف على موائد الخير في شهر رمضان المبارك، والعمل الخيري والإنساني والإصلاح الاجتماعي والسياسي، وإصدار قوانين من شأنها التنمية والازدهار.
ولم تتوانى دولة الكويت حكومة وشعباً، سواء في عهد الشيخ الأمير نواف وأمراء دولة الكويت الذين سبقوه (رحمهم الله) في التعبير عن وقوفها بجانب قضية الشعب الفلسطيني، وقد أعربت الكويت عن رفضها للعدوان “الإسرائيلي” والإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال الغاصب بحق المدنيين العزل في غزّة ومخيم جنين والقدس، وتمسكت الكويت بهذا الموقف الوجداني والإنساني والأخلاقي التاريخي في عهده.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
1. من هو الشيخ نواف؟
الشيخ نَوَّاف الأحمد الجابر الصباح (25 يونيو 1937 – 16 ديسمبر 2023) أمير دولة الكويت السادس عشر، حكَم من 29 سبتمبر 2020 حتى 16 ديسمبر 2023، وهو الأمير السادس بعد الاستقلال عن المملكة المتحدة، والابن السادس للشيخ أحمد الجابر الصباح حاكم الكويت الأسبق، من زوجته اليمامة.
ولد الشيخ نواف في 25 يونيو عام 1937 في فريج الشيوخ (موقع مجمع المثنى حالياً) بمدينة الكويت، بحسب ما جاء على الموقع الرسمي لديوان ولي العهد، ونشأ وترعرع في “قصر دسمان”، الذي كان بيت الحكم في عهد والده الأمير أحمد الجابر، وتلقى تعليمه في المدارس النظامية بالكويت، ومن بينها المدرسة المباركية.
2. الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ومسيرته السياسية
– بدأ الشيخ نواف حياته المهنية يوم 21 فبراير 1962 عندما عيّنه الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح محافظا لمحافظة “حَوَلِّي”، وهو المنصب الذي بقي فيه حتى 19 مارس 1978.
– يعد الشيخ نواف المؤسس الحقيقي لوزارة الداخلية الكويتية، إذ حمل حقيبتها في فترتين في عهد أخيه غير الشقيق الأمير الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، الأولى امتدت من 19 مارس 1978 حتى 26 فبراير 1988، قبل أن يعود إلى التشكيل الحكومي يوم 13 يوليو 2003 نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية.
– في 26 يناير 1988 عُين وزيرا للدفاع، وهو المنصب الذي عاد لشغله مرة أخرى يوم 20 يونيو 1990، وأثناء توليه الوزارة عمل على تحديث المنظومة الدفاعية وتطويرها.
– في عام 1990، عُهد إلى الشيخ نواف تولي وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل ابتداء من 20 أبريل 1991 وحتى 17 أكتوبر 1992.
– في 16 أكتوبر 1994، تولى الشيخ نواف منصب نائب رئيس الحرس الوطني بدرجة وزير، واستمر بشغل المنصب حتى عودته إلى التشكيل الحكومي يوم 13 يوليو 2003 نائبا لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية من جديد.
– في 7 فبراير 2006، أصدر الشيخ صباح الأحمد الصباح أمرا أميريا بتزكيته وليا للعهد، ليبايَع في 20 من الشهر نفسه بالإجماع من قبل مجلس الأمة، قبل أن يؤدي اليمين الدستورية أمام أمير البلاد آنذاك الشيخ صباح الأحمد والمجلس إيذانا بتوليه المنصب.
– تولى الشيخ نواف الإمارة في البلاد يوم 29 سبتمبر 2020، وأدى اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة في اليوم التالي، وذلك خلفاً للأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح.
3. الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح والإنجازات خلال فترة الحكم الإصلاحي
– في 13 نوفمبر 2021، أصدر الشيخ نواف مرسومين أميريين بالعفو عن مواطنين ونواب سابقين بالبرلمان، وتضمن العفو إنهاء عقوبة 11 شخصا وتخفيفها لـ24 آخرين كانوا مدانين في قضيتي “اقتحام مجلس الأمة” عام 2011 و”خلية العبدلي” التي أدينت في عام 2017. واعتبر ذلك ثمرة للحوار الوطني الذي بدأ في أكتوبر 2021 بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، والذي دعا إليه الشيخ نواف لإيجاد حل للأزمة المستمرة بين الحكومة ومجلس النواب.
– واجه الشيخ نواف أكبر أزمة اقتصادية عام 2020 بعد انهيار أسعار النفط إلى أرقام قياسية أثرت على تصنيف الكويت الائتماني لدى الوكالات الدولية، لكن سريعا ما تم تدارك هذه الأزمة والعودة إلى المسار الصحيح رغم المعوقات الاقتصادية التي فرضها فيروس كورونا في تلك الفترة.
– وسعى الشيخ نواف إلى تحفيز القطاعات الاقتصادية المختلفة وتطوير منتجاتها وخدماتها، وعمل على خلق فرص استثمارية تنافسية، إلى أن جاءت الكويت في المرتبة الأولى عربيا والثالثة عالميا في قيمة أصول الصندوق السيادي التي ارتفعت إلى 738 مليار دولار بعد أن كانت 270 مليارا في عام.
– وعن حرب غزة، حرصت الكويت على تأكيد خطها المعروف تاريخياً بمساندة كفاح الشعب الفلسطيني وقضته العادلة، وإدانة العدوان “الإسرائيلي” على غزة.
4. الوفاة:
– توفي الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح ظهر يوم السبت 3 جمادى الآخرة 1445ه/ 16 ديسمبر 2023م، عن عمر ناهز 86 عاماً. وأقيمت الصلاة عليه صباح يوم الأحد في مسجد بلال بن رباح في منطقة الصديق.
– وكان الشيخ الصباح قد أُدخل إلى المستشفى نهاية نوفمبر 2023 بسبب وعكة صحية طارئة لتلقي العلاج وإجراء الفحوصات اللازمة، ثم أعلن لاحقا عن استقرار حالته.
– ووصف السياسي الكويتي، وأحد أبرز النواب السابقين عن الحركة الدستورية الإسلامية “حدس”، د.جمعان الحربش حالة الحزن على الأمير نواف، بقوله: “إن الكويت كلها دار عزاء اليوم، حزنا على فراق أميرها الذي يعتبره الكويتيون والدا لهم جميعاً”.
وأضاف الحربش وهو أحد من شملتهم قرارات العفو لـ”الجزيرة نت” أن الأمير الراحل ملأ سنوات حكمه بالقرارات والمراسيم التي أدخلت الفرحة إلى كل بيوت الكويت، وطوت حقبة طويلة من المضايقات السياسية.
وأوضح أن قرارات سموه جمعت شمل أبنائه السياسيين بأسرهم ممن عفا عنهم، مشيرا إلى أن عدد السياسيين والنشطاء الذين استفادوا من تلك المراسيم يتجاوز 100 شخصية وأن الأحكام بحق بعض شباب الحراك كانت قد تجاوزت جملتها 80 عاماً.
وبحسب الحربش كان آخر مرسوم يصدره الأمير الراحل قبل دخوله العناية الفائقة، هو مرسوم العفو الأخير.
رحمه الله تعالى، وأسكنه فسيح جناته،
وإنا لله وإنا إليه راجعون
ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم
والحمد لله رب العالمين
_______________________
1. وكالة الأنباء الكويتية (كونا).
2. موقع “الجزيرة.نت”.