ما قامت به المقاومة الفلسطينية منذ 7 أكتوبر 2023م وحتى هذه اللحظة كان ملهماً للأمة، ومؤثراً على كل مجالاتها الحياتية بعد أن بعث فيها سلوك المقاومة وخطابها روحاً جديدة، ومن أهم المجالات التي ألهمتها المقاومة؛ دروساً حقيقية ومنهاج عمل، المجال التربوي، كما يؤكد ذلك الخبراء التربويون، وهذه بعض من الإشارات الكاشفة للدروس التربوية المستلهمة من خطاب المقاومة كما يرى الخبراء.
في البداية، يرى الباحث التربوي الفلسطيني ممدوح بري أن الخطاب التربوي للمقاومة يتمحور بالأساس حول تعزيز القيم الوطنية العليا، وتعزيز تماسك الشعب والحفاظ على الوحدة الثقافية والوجدانية للشعب الفلسطيني، ويؤكد أن المقاومة الفلسطينية هي حركة تحرر وطني ذو توجه إسلامي عقائدي تؤمن بالتعددية وتؤمن باحترام الآخر الفلسطيني، وهو ما يبدو جلياً وواضحاً في خطابات الناطقين باسمها.
وأضاف أن كل خطابات المقاومة في جانبها التربوي تدور حول تعزيز مكانة الأرض المحتلة في العام 1948م في الوجدان الفلسطيني، حيث إنها جزء أصيل من الأرض المحتلة، فهذا ما يظهر في كل خطاباتها بلا أي تمييز بين الضفة وغزة والأراضي المحتلة في عام 1948م.
بري: خطاب المقاومة يتمحور حول تعزيز القيم الوطنية العليا وتعزيز تماسك الشعب الفلسطيني
وحول أهم الدروس التربوية في خطاب المقاومة، كما يرى بري، فهي محاولة التأكيد على الأسماء العربية للمدن والقرى المهجرة ومكانها وموقعها؛ بهدف ترسيخ هذه المعلومات في الذاكرة الجمعية للشعب الفلسطيني في أماكن تواجده.
فيما يؤكد الباحث والتربوي الفلسطيني أن من الدروس المستلهمة من خطاب المقاومة توضيح أهمية رابطة العمل الجماعي، والعمل من أجل المجموع ككل؛ مما يشعر المواطن أن من يمثل المقاومة هو فلسطيني يحمل قيماً وطنية وإيمانية وروحية؛ وبالتالي لا يشعر أن هذه الجماعة غريبة عن النسيج الوطني.
أما القضية التربوية المركزية في كل خطابات المقاومة، بحسب بري، فهي تدور حول المقدسات العربية الإسلامية والمسيحية في القدس، فموضوع القدس جوهري في خطاب المقاومة، والخطابات تتحدث عن مواقع جغرافية عدة في مدينة القدس ومدى معاناة أهلها، ويؤكد وحدة القدس الشرقية والغربية، وعروبة هويتها، وإنها أرض محتلة.
أما الرسائل التربوية التي ترسلها خطابات المقاومة للأهالي الفلسطينيين، فيرى أنها ذات اهتمام خاص بالأهالي في الأرض المحتلة في عام 1948م (الذين يبلغون نحواً من مليون و900 ألف)؛ لتعزيز روابطهم مع باقي إخوانهم العرب في باقي فلسطين، ومع بقية المحيط العربي، لكي تبقى روابط الوعي الجمعي والوجداني حاضرة ومتواجدة.
خطاب تربوي جديد
بينما يرى الكاتب والمستشار التربوي د. أكرم رضا أن خطاب المقاومة لم يكتف بالكلمات، بل كانت الرموز المعبرة من أقوى المؤثرات في ذلك الخطاب، فكانت رموز مثل إصبع أبي عبيدة، ولثامه، والولاعة المدمرة، والمثلث الأحمر، والنقطة صفر، وغيرها؛ ذات تأثير قوي على الشباب، وتحمل من المعاني التربوية ما يعتبر ذخيرة للمربين لعشرات السنين في مستقبل الأمة.
د. رضا: رموز المقاومة ساهمت في تجاوز مشاعر العجز والإحباط وإحياء روح العزيمة وإنعاش الوعي
ويؤكد د. رضا مساهمة خطاب ورموز المقاومة في تجاوز مشاعر العجز والإحباط، وفي إحياء روح العزيمة وإنعاش الوعي، مضيفاً أن الرموز المعبرة ربحت بها المقاومة معركة الوعي عن جدارة، كما أن مجموعة المقاطع التي نشرها الإعلام العسكري التابع للمقاومة قد أضافت بُعداً جديداً؛ حيث الإبداع في التخطيط، والتمكن في الأداء، والقوة في التنفيذ؛ فأعادت لشباب الأمة الشعور بالفخر والعزة، والقدرة على رد العدوان وعلى الفعل.
وأضاف أن مقاطع الإفراج عن الرهائن خطاب تربوي جديد؛ يعلن تطابق الهوية القرآنية المعلنة مع التطبيق على الأرض؛ لذا، كما يقول د. رضا، فقد عاد الشباب الذي كاد أن يفقد الثقة في انتصارات الماضي إلى «بدر»، و«حنين» و«بني قريظة»، و«خيبر»، لقد عادوا لـ«آل عمران»، و«الأنفال»، و«التوبة»، بالإضافة للأثر النفسي المدمر على العدو الغاصب، حتى يصرح «نتنياهو»، وزير العصابات المعتدية، فيقول: «هذه دعاية نفسية قاسية من حماس»!
ويؤكد د. رضا أن المقاومة أدارت معركة الوعي بنفس القوة التي أدارت بها معركة الأرض، وبحجم انتصارات الميادين، كانت الانتصارات التربوية؛ لذلك يرى أن المقاومة وضعت بخطاباتها المنهج التربوي، وأعدت بخططها وإبداعها نفوس الشباب للتلقي، وبقي أن يجيد المربون استخدام المنهج، واستثمار اليقظة، لغرس معاني الصمود، والقوة، والقدرة على الفعل، واستلهام معاني التوكل، وقيمة الدعاء، والثقة في نصر الله عز وجل.
أما الدرس التربوي الأكبر الذي تلح المقاومة في خطاباتها سواء اللفظية أو الرمزية على تفهيمه للأمة فهو العقيدة العسكرية الثابتة للمقاتل المسلم التي يلخصها أبو عبيدة في نهاية بياناته بقوله: «وإنه لجهاد؛ نصر أو استشهاد».
المُعلم الحكيم
من جانبه، يرى الخبير التربوي د. محمد شلبي أن خطابات المقاومة كانت بمثابة المُعلم الحكيم لكثير من الأفراد والجماعات والشعوب، مؤكداً أن بعض أنواع الناس لا يكفي الكلام لإقناعها مهما كان بليغاً، واليهود لا شك من هذه النوعية، فكان من أجلى الدروس التربوية لدى المقاومة أنها جعلت الفعل دائماً قبل الكلام، خاصة أن اليهود تعودوا أن العرب أمة لسانية في أحسن حالات اعتراضها.
ويرى د. شلبي أن ضربات المقاومة كانت أقرب إلى الكرامات والمعجزات، وفي الوقت ذاته رداً عملياً على الضربات اليهودية الغادرة على المدنيين والأطفال والنساء؛ فيأتي خطاب المقاومة دائماً ليقول: «فعلنا» بدلاً من «سنفعل».
شلبي: من أعظم الدروس التربوية للمقاومة أن السلاح لا يقاتل بل المتسلح فهو أساس النصر
ويضيف شلبي أن من أعظم الدروس التربوية التي قدمتها المقاومة أن السلاح لا يقاتل بل المتسلح؛ فهو الأساس الذي ينبني عليه النصر، يشهد على ذلك «المسافة صفر» التي مثلت تحدياً إعجازياً للعدو الصهيوني.
ومن الدروس التربوية الرائعة أن السيادة تكون بالحب، فرغم الصورة التي لا تستطيع ريشة فنان إظهار ما بها من شناعة وبشاعة في أرجاء غزة، نجد الصوت الصارخ هناك «فداك يا مقاومة».
ويختتم د. شلبي كلامه بقوله: إن المقاومة في خطابها التربوي العملي أحيت دستور الإسلام في الحرب، وأظهرت -بعد مئات من السنين- كيف يمكن للأخلاق أن تغزو القلوب، حتى يصبح العدو صديقاً والبعيد حليفاً، ولا يوجد تفسير في أي قانون وضعي لتوديع أسير لآسره بابتسامة عريضة ممتنة؛ فهو أمر فوق المدركات العقلية؛ لذلك نراهم يتخبطون في التفسير ويعدون ذلك «متلازمة أستوكهولم»، بينما هو منهج الإسلام في التعامل مع الأسرى الذي قامت المقاومة بتطبيقه على الأرض، فكان خطابها التربوي غير المنطوق.