أستاذي الفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركات، قد تعجب من مشكلتي ككل من شكوتها لهم، بدءاً من أمي وإخوتي وأقرب صديقاتي! ولكنني أتألم، فهل أجد لديكم أذناً صاغية، وقلباً يستشعر معاناتي، ويساعدني على الخروج من حالة الكآبة والحزن التي تلازمني؟!
سأبدأ بزوجي؛ وهو سبب تعاستي، نعم زوجي كريم يغمرني بحبه وعطفه وحنانه، كذلك معي «كارت» البنك أشتري كل متطلبات البيت وما أحتاجه لي شخصياً حتى هدايا لأهلي وصديقاتي لا يراجعني في شيء، وهو أب مثالي رعايته للأولاد واهتمامه بهم مضرب المثل، لا يدخر جهداً أو مالاً لحسن تربيتهم، حريص على صحبتهم له للمسجد والنادي رغم مشاغله الجمة.
دائم الإشادة بي في أي اجتماع عائلي أو حتى مع أصدقائه؛ لذا فكل من يعرفوننا يثنون عليه ويدعونني بالمحظوظة!
مهلاً سيدي، لا ترمِ رسالتي، معاناتي بالمزبلة لن أطيل عليك، رغم هذه الصورة الوردية التي يظهرني بها زوجي في حديثه عني مع الآخرين، ولكنه بيني وبينه دائم الشكوى مني على أتفه الأسباب، وعنده عدم رضا باستمرار، فلا أسمع منه كلمة ثناء واحدة! دائم الشكوى من أي تصرف لي، فمنذ اللحظات الأولى لتعارفنا بدأ انتقادي، واعتبرت أن تلك ميزة! فهو صريح واضح، وكنت عادة ما ألبي طلبه، حتى لو أنني كنت غير مقتنعة! نعم كنت أتمنى أن أصل إلى الصورة التي يتمناها.
زوجي دائم الشكوى مني لأتفه الأسباب وانتقادي على أي تصرف فلا أسمع منه كلمة ثناء!
لم يكن سلوكه هذا في بداية تعارفنا يمثل مشكلة لي، خاصة أنه كان يسعدني جداً بإشادته بي في حضور أي إنسان خاصة أهله، لم أبدِ له أي امتعاض أو عدم ارتياح لانتقاده الدائم لي! كنت فعلاً سعيدة بذلك، وكنت أبرر انتقاده لي بحرصه عليَّ، خاصة أنه كان عريساً بكل المقاييس تتمناه أي فتاة! وعندما كنت أخلو بنفسي كانت تحدثني عن ظاهرة كثرة انتقاده، فكنت أقول في نفسي: سيتغير بعد الزواج، وإنني باستجابتي لانتقاده ستزول الأسباب التي تجعله ينتقدني، ولكن لا.. فمهما بذلت وحاولت أن أتوافق مع متطلباته لأمنع أو حتى أقلل انتقاده الدائم لي، إلا أن لديه رصيداً لا ينفد من الانتقادات.
تزوجنا وزادت المساحة المشتركة بيننا، وتضاعفت معها الانتقادات، لا يترك شيئاً؛ زينتي، لباسي، حديثي، حتى وهو يغازلني أو أثناء العلاقة لا يعجبه طريقة تفاعلي معه: «ليتك تقولي كذا ولا تقولي كذا..»، أما البيت فانتقد ولا حرج حتى علاقتي مع الأولاد!
رغم أنني والحمد لله، بشهادة الجميع، على خلق ودين وقدر من الجمال والرقي، فإنه كثيراً ما يقارن غيري بي، هذه المقارنة تؤلمني وأشعر بظلم وإحباط شديد، خاصة أن من يقارنني بها أقل مني جمالاً أو ليست على خلق ودين.
لقد مرت علاقتي بزوجي بمنعطف خطير، فبعد أن كنت أتقبل انتقاداته بكل حب ورغبة صادقة في الاستفادة منها، وطبعاً كنت أعطيه دون حدود، لكنني أيقنت أنه لا نهاية لانتقاداته، ولا أمل لي أن أسمع كلمة ثناء أو تشجيع منه، فجأة وجدتني وقد خارت قواي وليس لديّ أي رغبة في البذل، لم يعد حلمي أن أسمع ثناء ولو حتى مجاملة، بل لا أسمع انتقاداً، لم تعد لديّ رغبة في أي شيء، فقط أقوم بالحد الأدنى لمتطلبات البيت، حتى علاقتنا الخاصة، لا أمتنع عنه خوفاً من الله، ولكن مجرد جسد دون روح، مللته والحياة، ولولا وجود ثلاثة أولاد لا ذنب لهم يحتاجون للرعاية لما ضحيت بعمري وظللت معه.
عدم إظهار رفضك لانتقاداته بل إبداء سعادتك أكد له خنوعك وأعطاه كل الحق في التمادي
أستاذي الفاضل، هذه مشكلتي، بل حياتي، هل لي من مخرج من بوتقة النقد؟
التحليل
دعونا في البداية نقيّم هذا الزوج ولنبدأ بإيجابياته من خلال ما ذكرته صاحبة الرسالة:
– زوج كريم، وأنا أرى أنه كريم جداً مادياً، ورغم أنه كريم أيضاً معنوياً، فإن أسلوبه الانتقادي سيئ أيضاً جداً.
– زوج يحافظ على صورة زوجته، فرغم رأيه السلبي فيها، فإنه يذكرها بخير.
– أب لا يدخر جهداً في تربية أولاده، وهذه قيمة عظيمة.
سلبياته
دائم النقد؛ «فمنذ اللحظات الأولى لتعارفنا بدأ انتقادي، واعتبرت أن تلك ميزة! فهو صريح واضح وكنت عادة ما ألبي طلبه، حتى لو أنني كنت غير مقتنعة!»، «لم أبد له أي امتعاض أو عدم ارتياح لانتقاده الدائم لي! كنت فعلاً سعيدة بذلك».
دائماً ما أركّز على فترة الخطبة وبيان أهميتها في سلوكيات الزوجين، ويجب أن يوضح كل طرف ما لا يعجبه في الآخر وما يتمناه، وبناء على مدى استجابته للنموذج الذي يتمناه يقرر الاستمرار أو الاعتذار.
كان زوجك صريحاً واضحاً، وأنت تقبلت نقده منذ اللحظات الأولى لتعارفكما، كما ذكرتِ، بسعادة، ولم تُبدي أي اعتراض، مما أعطاه كل الثقة في أن أسلوبه متقبل، بل مرحّب به، كما أنك كنت تنفذين انتقاداته دون مراجعة، حتى لو لم تكوني مقتنعة! خوفاً أن تضيعي عريساً تحلم به أي فتاة!
الاتفاق على مراحل التغيير والوصول إلى ما يتمناه منك وابدئي بمعالجة انتقاده لذاتك أولاً
وسؤالي لك (ولكل فتاة وشاب): كيف هانت عليك نفسك لهذه الدرجة؟ أنت ساهمت بالقدر الأكبر فيما وصلت إليه علاقتكما، لعلي لا أترك مناسبة إلا وأؤكد أن «الخطبة ليست وعداً بالزواج»، وأنه دون إهمال للجانب العاطفي يجب أن أدير هذه المرحلة من حياتي بمنتهى العقلانية، وأن أتحكم في مشاعري وأقيّم الزوج (الزوجة) المحتمل بكل موضوعية.
أيضاً؛ مهما بلغ مقدار حبي لزوجي (لزوجتي)، فلا يمكن أن أملّكه نفسي، «وأعطيه شيكاً على بياض»؛ «أنا أحبك مهما بدا منك»! من أهم أحد أهم أسباب المآسي في الحياة الزوجية الحب المطلق، لأنه يعطي للمحبوب غروراً يطغيه، ويجعل المحب حساساً؛ لأنه أعطى كل شيء، فمتوقع المثالية من محبوبه، وهذا خيال، كما أن طبيعة البشر التغاير.
لذا؛ عدم إظهار رفضك لانتقاداته المستمرة، بل إبداء سعادتك أكد له خنوعك وأعطاه كل الحق في التمادي.
«كنت أقول في نفسي: سيتغير بعد الزواج»، مقولة، بل أمنية وحلم الجميع في فترة الخطبة! ولكن هيهات؛ لذا يجب على كل طرف بيان عدم قبوله لأي تصرف، وبناء على مدى تأثير هذا السلوك على حياته الزوجية المرتقبة، يتأكد من أنه تم تغيير فعلي بناء على قناعات راسخة، وليس مجرد وعد بالتغيير.
أيضاً بعد الزواج وزيادة مساحة التفاعل بينك وبين زوجك، ورغم زيادة معدل انتقاداته، كنت حريصة على إرضائه، وهذه قيمة كبيرة يجب أن يحرص عليها كلا الزوجين، ولكن كيف؟ من المؤكد أن أحرص على تحقيق رضا زوجي، ولكن دون أن يكون لذلك أثر سلبي على نفسي، يمكن أن يحدث ذلك على فترات متباعدة إذا كان الزوج بظروف طارئة، وعندما يعود لحالته الطبيعية يكون ممتناً لزوجه ويعوضه خيراً، أما أن يكون هذا ديدن الحياة الزوجية، كما وصفت، فمن المؤكد أن التراكم اليومي لحالة الكبت مع عدم القدرة على تخيل التغيير يصيب الإنسان باليأس والإحباط، كما ذكرتِ.
هذه البيئة غير الصحية لها آثار سيئة، ليس عليك فقط، ولكن أيضاً على الأولاد، وأتوقع كذلك زوجك، وإما أن تنفجر العلاقة بينكما نتيجة طبيعة للتوترات والتراكمات النفسية التي يعيشها كل منكما، وإما أن يسقط أحدكما بمرض نفسي أو عضوي.
كما أنني أتوقع من خلال رسالتك أنك تعانين حالة من الاكتئاب تحتاج إلى تشخيص قبل أن تتفاقم.
الحل
زوجك ولله الحمد به محاسن جيدة؛ كرم وإشادة بك أمام الغير، وأب مثالي، ألا يستحق ذلك الاجتهاد والبذل لتعديل سلوكه الذي لا يروق لك؟ من المؤكد أنه يستحق، إذن كيف؟
أخلصي النية لله، واجتهدي بالدعاء أن يوفق بينكما الله تعالى.
رتبي لرحلة إلى مكان هادئ ويكون للأولاد ما يشغلهم، وابدئي حديثك بحبك له والإشادة به، وأنك متأكدة من حبه لك وحرصه على سعادتك، كما أنك تبذلين كل طاقتك حتى تحققي ما يسعده منك، ولكن، للأسف، انتقاده لك يشعرك بالألم.
ذكريه بحديث الرسول صلى الله عليه وسلم: «من لم يشكر الناس لم يشكر اللهَ» (رواه أبو سعيد الخدري، صحيح)، وقول أنس بن مالك: «خَدَمْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ تِسْعَ سِنِينَ، فَما أَعْلَمُهُ قالَ لي قَطُّ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا وَكَذَا؟ وَلَا عَابَ عَلَيَّ شيئًا قَطُّ» (صحيح مسلم).
اسأليه عن كل الموضوعات -طبعاً تكتبين كل ما يتفق عليه- ماذا يتمنى منك؟ وعليك التعديل على رأيه إن وجدتِ خيراً منه حتى تتفقا على الصورة الذهنية التي يتمناها منك.
كما يتم الاتفاق على مراحل التغيير والوصول إلى كل ما يتمناه منك، فليس من المنطقي أن فجأة ستحققين كل التغيير المطلوب، أرى أن تبدئي بمعالجة انتقاده لذاتك أولاً قبل كل شيء.
أما بخصوص مقارنتك بأخريات، فبيني له: «أنا لا أقبل مقارنته بأي رجل، لأنك أنت زوجي أنا، والآخر لا قيمة له عندي ولا يخصني، فكيف تقبل مقارنتي وأنا زوجتك مقارنتي بامرأة أجنبية؟»، ابحثي في السبب، فقد يكون لهذه المرأة سلوك طيب أو محسنة.
كما يتم الاتفاق على أن يشيد بك على أي تغيير تبذلينه، ويتوقف عن انتقاداته، أيضاً من جانبك بيّني له ما لا يروق لك منه خلاف انتقاده لك.
كما أود أن أوضح أن فعلاً هناك أفراد يبحثون دائماً عن الأمثل، وأن هناك دائماً ما هو أفضل، وأي عمل مهما بلغ من الحسن فيمكن أداؤه بأحسن مما تم به، فعليك الصبر والاحتساب.
________________________
y3thman1@hotmail.com