منذ بداية العدوان على قطاع غزة، وسلطات الاحتلال تصعد من حصارها على المسجد الأقصى المبارك خاصة، وعلى مدينة القدس بشكل عام، وتفرض القيود على وصول المصلين إلى المسجد، بالتوازي مع تصاعد هدم منازل الفلسطينيين ومحاولة السيطرة عليها، ومع هذا التغول في القدس، يطرح مراقبون للشأن الفلسطيني بأن هذا التصعيد محاولة من قبل سلطات الاحتلال لتعويض خسائره في غزة، في سياق الانتقام من القدس ومسجدها وسكانها.
ونقدم في هذا المقال أبرز الأسباب الكامنة خلف تصاعد الاعتداءات على القدس و«الأقصى»، مع تقديم جملة من الشواهد مما جرى منذ السابع من أكتوبر.
انتقام.. أم فرض واقع جديد؟!
لا تتوقف الآلة التهويدية عن استهداف المدينة المحتلة والمسجد الأقصى، إلا أن تصاعد الاعتداءات منذ 7 أكتوبر، على الرغم من حالة الاستنفار التي تشهدها الأراضي المحتلة، بالتوازي مع العدوان على غزة، تُشير إلى أهداف أخرى للاحتلال وأذرعه المختلفة، وبحسب مراقبين، فإن سلطات الاحتلال تحاول تحقيق جملة من الأهداف عبر تصعيد استهداف المدينة المحتلة وسكانها، ومن أبرزها:
– الانتقام من المسجد الأقصى والقدس، إذ أطلقت المقاومة معركة «طوفان الأقصى» دفاعًا عنهما، وتُشير إجراءات الاحتلال إلى رسائل مبطنة، بأن الضغط على «الأقصى» في جزء منه إفراغ لما قامت به المقاومة وأرادت تحقيقه.
– تجاوز التعثر في أهداف العدوان على غزة، وعدم قدرة الاحتلال تحقيق أي من الأهداف التي أعلن عنها، وفي محاولة لإرضاء جمهوره من المستوطنين المتطرفين يمضي في عدوانه على «الأقصى» والقدس، ليعوض خسائره في غزة.
– فرض المزيد من الحقائق على أرض الواقع، بالتزامن مع الانشغال المحلي والدولي بالعدوان على غزة، والجرائم التي ترتكبها قوات الاحتلال بحق سكان القطاع.
وفي النقاط الآتية، نستعرض أبرز ما قامت به أذرع الاحتلال في الأسابيع الماضية:
1- حصار «الأقصى» وتقييد وصول المصلين إليه:
جاءت معركة «طوفان الأقصى» على إثر انتهاء الأعياد اليهوديّة، التي شهدت جملة من الاعتداءات بحق المسجد الأقصى، وعلى إثر شن جيش الاحتلال عدوانه على غزة، لم تتوقف أذرع الاحتلال المتطرفة على اقتحام «الأقصى»، فبعد يوم واحد من بداية العدوان في 8 أكتوبر 2023م، اقتحم «الأقصى» 75 مستوطنًا بحماية قوات الاحتلال، وشهد هذا اليوم منع قوات الاحتلال حراس «الأقصى» من الالتحاق بأعمالهم، في محاولة لإغلاق المسجد أمام المصلين، وتشهد أيام الاقتحام شبه اليومية استمرارًا لهذه الاقتحامات، وما تشهده من أداء الطقوس اليهوديّة العلنية في ساحات «الأقصى» الشرقية؛ مصلى باب الرحمة.
ومنذ بداية العدوان على القطاع، فرضت قوات الاحتلال إجراءات أمنية مشددة في أزقة البلدة القديمة وأمام أبوابها، وتمنع الفلسطينيين من الدخول إلى المسجد حتى لأداء الصلوات الخمس، وبحسب مصادر مقدسية، تمنع قوات الاحتلال الرجال ممن تقل أعمارهم عن 60 عامًا من الدخول إلى «الأقصى»، ولا تسمح إلا لكبار السن القاطنين في البلدة القديمة، وتمنع الشبان والمقدسيين من المناطق الأخرى في القدس المحتلة، وتشهد الأسابيع الماضية أداء عشرات الشبان الصلوات أمام أبواب المسجد، وكشفت معطيات مقدسيّة إلى أن «الأقصى» شبه فارغ طيلة ساعات اليوم نتيجة الإجراءات التي تقوم بها قوات الاحتلال.
وفي الشهر الجاري، حل عيد «الحانوكاه» (الأنوار) اليهودي، وهو من المواسم التي تشهد تصاعدًا في أعداد المقتحمين، وبحسب مصادر مقدسية، فقد بلغ عدد مقتحمي «الأقصى» في هذا العيد نحو 1332 مستوطنًا، ما بين 10 – 14 ديسمبر 2023م، ودنس المستوطنون ساحات «الأقصى» الشرقية، عبر إضاءة شموع «الحانوكاه» في يومين متتالين.
واستمر منع الشبان من أداء صلاة الجمعة في «الأقصى» منذ 10 نوفمبر 2023م، وبحسب دائرة الأوقاف الإسلامية، لا يتجاوز عدد من يصلي في المسجد 5 آلاف مصل، بسبب التشديدات والقيود التي تفرضها قوات الاحتلال في محيط المسجد، إضافة إلى قمع المصلين في أحياء القدس المختلفة، وخاصة حي وادي الجوز بالقدس المحتلة.
2- «المعبد» في قلب العدوان على غزة:
لا تترك «منظمات المعبد» فرصة يمكن أن تستفيد منها لترفع من حجم التحريض على «الأقصى»، ففي 17 أكتوبر الماضي، نشرت إحدى «منظمات المعـبد» صورة لقبة الصخرة مطالبة بتسريع هدم «الأقصى» وإقامة «المعـبد» مكانه، وأرفقت عبارة «سنؤذيهم بأغلى ما لدى حـماس»، ولم تكن هذه الدعوة التحريضية هي الوحيدة، ففي 21 أكتوبر دعت «منظمات المـعـبد» أنصارها إلى اقتحام المسجد الأقصى في اليوم التالي، بهدف إقامة «الصلوات والنحيب»، نصرة لجيش الاحتـلال في عدوانه على القطاع، وأعلنت هذه المنظمات أن هذه الطقوس ستُقام في ساحات «الأقصى» الشرقية عند العاشرة صباحًا، على أن تضم شخصيات عامة وحاخامات.
وفي 23 ديسمبر الجاري، أعلنت إحدى المنظمات المتطرفة أنها تتلقى التبرعات، بهدف خياطة رقع قماشية تحمل صورة «المعبد» المزعوم، لتوزعها على قوات الاحتلال التي تشارك في العدوان في غزة، في سياق تحريضها على هدم «الأقصى»، ووضع «المعبد» كجزء من العدوان على القطاع وأهله.
3- تصاعد هدم منازل المقدسيين:
على غرار ما تقوم به قوات الاحتلال من هدم منازل الفلسطينيين في غزة، وهدمها قصفًا فوق رؤوس سكانها، عملت أذرع الاحتلال في القدس المحتلة على تصعيد عمليات الهدم في المدينة المحتلة، ففي أكتوبر الماضي، نفذت أذرع الاحتلال 22 عملية هدم، من بينها 14 عملية هدم قسري، اضطر أصحابها على تنفيذها تجنبًا للغرامات الباهظة، وفي ديسمبر الجاري لا يكاد يمر يوم من دون هدم منازل ومنشآت، ففي 13 الجاري هدمت جرافات الاحتلال 4 منازل لعائلتي غيث ومبارك في وادي قدوم برأس العمود جنوبي المسجد الأقصى؛ ما أدى إلى تشريد 32 فلسطينيًا معظمهم من الأطفال، وبحسب شهود عيان منعت قوات الاحتلال العائلات من إخلاء حاجياتهم من داخل المنازل، وأبقتهم في العراء في ظل الطقس البارد والأمطار وقتًا طويلًا.
وفي 14 الجاري أيضاً أجبرت سلطات الاحتلال عائلة مقدسية في جبل المكبر على هدم منزلين ذاتيًا، على إثر تهديدهم بالغرامات الباهظة؛ ما أدى إلى تشريد 9 فلسطينيين، وفي اليوم نفسه أجبرت سلطات الاحتلال عائلة مقدسية في بيت حنينا على هدم منزلها ذاتيًا بذريعة البناء من دون ترخيص، إضافة إلى بركس للأغنام، بعد تهديد العائلة بفرض غرامات باهظة، وغيرها من عمليات الهدم الأخرى.
4- التوسع الاستيطاني:
وبالتوازي مع التغول على منازل الفلسطينيين، تسعى سلطات الاحتلال إلى تحقيق قفزة في القرارات الاستيطانية في المدينة المحتلة، ومن أخطر ما قامت به سلطات الاحتلال، بداية ديسمبر الجاري، أنها أقرت مخططًا لبناء مستوطنة «القناة السفلية»، على أن تضم 1792 وحدة استيطانية جديدة، ستقام على أراضي بلدة صور باهر في القدس المحتلة، وتهدف هذه المستوطنة لتربط ما بين مستوطنة هارحوما (أبي غنيم) والمستوطنات جنوبي المدينة المحتلة؛ ما يعني عزل شمال القدس عن جنوبها، وأشارت مصادر مختلفة إلى أنها أول مستوطنة تقرها سلطات الاحتلال منذ عام 2012م، فقد درجت في السنوات الماضية على توسيع المستوطنات السابقة.
وفي سياق الاستيلاء على المزيد من منازل الفلسطينيين وأراضيهم، ففي 7 ديسمبر الجاري استولت سلطات الاحتلال على 501 دونم من أراضي بلدة جبع شمال شرق القدس المحتلة، وبحسب هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، فإن سلطات الاحتلال تذرعت بقرارها بأنها «أراضي دولة»، وتهدف سلطات الاحتلال إلى تحقيق تواصل جغرافي ما بين مستوطنتي «آدم» و«جيفع بنيامين»، نظرًا إلى وقوع هذه الأراضي المستهدفة في المساحة الفاصلة ما بين المستوطنتين، ما يُشير إلى إمكانية توسيع المستوطنتين لاحقًا.
وفي 10 الجاري، نشرت «اللجنة المحلية للتنظيم والبناء» التابعة لبلدية الاحتلال إعلانات قرب باب المغاربة، تضمنت إخطارًا بإخلاء 30 منزلاً سيقوم الاحتلال بمصادرتها لصالح مشروع التلفريك التهويدي الذي يستهدف البلدة القديمة وسلوان.