منذ اندلاع الحرب الوحشية في قطاع غزة، في 7 أكتوبر 2023م، وفي كثير من الجامعات والكليات في مختلف أنحاء الولايات المتحدة، انطلقت حشود الطلاب من مختلف الأعراق والأديان لدعم الشعب الفلسطيني والمطالبة بوقف إطلاق النار، مُبدية قدراً غير مسبوق، في المجتمع الأمريكي، من التعاطف مع الأبرياء من ضحايا العدوان «الإسرائيلي»!
غالبية هؤلاء الطلاب هم من «الجيل Z»، من مواليد عام 1997 – 2021م، الذين يبدون الأكثر نقداً لـ«إسرائيل» من الأمريكيين الأكبر سناً ومفترقين عنهم أيديولوجياً بشكل واضح، تجسد ذلك في مظاهراتهم إلى جانب تفاعلهم على وسائل التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال منصة «إكس» (X)، حيث تقل أعمار ما يقارب نصف المستخدمين عن 30 عاماً، نال وسم «#freepalestine 31» مليار مشاركة، مقارنة بـ590 مليون مشاركة لـوسم «#standwithisrael»؛ أي أكثر من 50 ضعفاً.
وقد سبق لهذا الجيل من طلاب الجامعات أن انخرط وبفعالية من أجل قضايا يؤمن بها؛ مثل الاحتجاجات على مذبحة «باركلاند» عام 2018م، والمشاركة في حركة «حياة السود مهمة» عام 2020م، لكن موجة احتجاجاتهم المتعاطفة مع فلسطين بدت متميزة، بسبب نقدها الحاد لـ«إسرائيل» الذي وصل عند البعض إلى التأييد الكامل لما فعلته «حماس»، واعتباره نضالاً من أجل التحرير، مفترقين بذلك حتى مع أكثر السياسيين الأمريكيين تعاطفاً مع الفلسطينيين، ممن أدانوا «حماس» رغم دعمهم لوقف إطلاق النار!
وهنا يثور التساؤل عما يكمن وراء هذه الحماسة في تأييد الفلسطينيين، فيرى البعض أن البيئة السياسية الأمريكية شديدة الانقسام التي نشأ فيها هؤلاء الشباب مسؤولة جزئياً على الأقل عن تشكيل نظرتهم إلى الصراع الفلسطيني «الإسرائيلي»، لقد ظهروا وسط كثير من الحزبية المتطرفة، تقسّم الناس بشكل حاد إلى أخيار وأشرار، وهم قد طبقوا ذلك في نظرتهم إلى الصراع، حيث يرون «الإسرائيليين» مستعمرين، في مقابل الفلسطينيين المضطهدين، ولا يرون مجالاً للمساواة في النقد بين «حماس» و«إسرائيل»!
وسبب آخر؛ وهو ميل «إسرائيل» نحو اليمين المتطرف في السنوات الأخيرة، خاصة في عهد حكومة «بنيامين نتنياهو»، التي أمعنت في القتل والتدمير وبناء المستعمرات، وباتت عدائية بصورة لا يسع تجاهلها؛ مولدة تغييراً تراكمياً عبر السنوات أظهره استطلاع «غالوب»، في مارس 2023م، حيث أعرب الديمقراطيون، ولأول مرة في تاريخ المنظمة البحثية، عن تعاطفهم مع الفلسطينيين أكثر من «الإسرائيليين» 49% مقابل 38%، ونتائج أخرى مماثلة مثل استطلاع رأي جامعة ميرلاند المنشور في جريدة «الشرق القطرية» (استطلاع جامعة ميريلاند والحرب على غزة).
ولا ينكر كذلك دور وسائل التواصل الاجتماعي في توفير تغطية نزيهة لحقيقة ما يجري في غزة، بعيداً عما تقدمه وسائل الإعلام الأمريكية المنحازة بصورة سافرة لـ«إسرائيل» وروايتها للأحداث، لينكشف زيف الصورة التي روّجتها «إسرائيل» لنفسها كدولة متحضرة تحترم حقوق الإنسان وتحترم الإعلام والصحافة التي لم يسبق لدولة قتلت منهم بهذا العدد في هذا الوقت القصير، فضلاً عما قتلت من عاملين بالأمم المتحدة، كما صرح بذلك الأمين العام للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش»، في 22 ديسمبر 2023م، بقوله: «قتل 136 من زملائنا في غزة في 75 يوماً، وهو أمر لم نره من قبل في تاريخ الأمم المتحدة، تم إجبار معظم موظفينا على ترك منازلهم، أشيد بهم وبآلاف عمال الإغاثة الذين يخاطرون بحياتهم وهم يدعمون المدنيين في غزة»!
وفي ظل استمرار الحرب منذ السابع من أكتوبر الماضي، رغم المعارضة الشعبية الأمريكية والعالمية لها، بفعل دعم الإدارة الأمريكية المطلق لـ«إسرائيل»، تبدو هذه الاحتجاجات مرشحة للتصاعد باستثناء بعض الجامعات مع تصاعد التخويف الرسمي والقمع المؤسسي للمتعاطفين مع فلسطين، كما وصفتها في مقال منشور على «الجزيرة نت» بعنوان «بعبع معاداة إسرائيل في حرم الحريات الأكاديمية الأمريكية»، إلى جانب الحملة الإقصائية غير المسبوقة التي يتعرضون لها من جانب المنظمات الطلابية الداعمة لـ«إسرائيل»، التي تفننت في تشويههم مؤخراً تحت ذريعة العداء للسامية!