المقاومة الفلسطينية مضطرة للتعاون مع إيران وغيرها من أجل الوصول إلى هدفهم المشروع بمواجهة المحتل الصهيوني وتحرير الديار والمقدسات، ولهم في رسول الله صلى الله عليه وسلم الأسوة الحسنة؛ حيث استعان حتى بغير المسلمين من أجل مناصرة الإسلام سواء في هجرته من مكة للمدينة أو غيرها، وفي هذا السياق يدور موضوع هذا التحقيق.
بداية، قال الشيخ أحمد جابر عليّ، عضو لجنة الفتوى بالأزهر لـ«المجتمع»: إن الله تعالى يقول: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) (الأحزاب: 23)، فلقد تخلى القاصي والداني عن المجاهدين في فلسطين رغم لجوئهم إلى إخوانهم المسلمين من كافة دول العالم الإسلامي فلم يسعفوهم حتى بشربة ماء –مع أن أهل الكفر يساعدون الصهاينة بالسلاح والمال والدعم السياسي غير المحدود- ولم يمدوا يد العون إليهم، بينما مدت إيران وأتباعها يد العون للمجاهدين من حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين.
وأضاف الشيخ عليّ أن إيران أمدت المقاومة الفلسطينية بالسلاح -وإن كانت المقاومة قد طورته وأضافت إليه أسلحة جديدة حاسمة من صنعها- وبالمال، فلم يجد المجاهدون غير هذه اليد التي مدت إليهم، فما كان منهم إلا أن تعاونوا معهم من أجل نصرة قضيتهم والدفاع عن المسجد الأقصى الذي هو واجب على جميع المسلمين أن يدافعوا عنه، فقام المجاهدون بحماية أنفسهم من خطر الإبادة؛ بينما نحن نتناظر في مشروعية التعاون مع إيران! ما لكم كيف تحكمون؟!
وشدد عضو لجنة الفتوى بالأزهر على أن فصائل المقاومة الفلسطينية استمدوا مشروعية ذلك مما فعله النبي صلى الله عليه وسلم حيث تعاون مع اليهود في المدينة المنورة في الدفاع عنها، ودخل مكة المكرمة بعد رحلة الطائف في جوار أحد المشركين وهو مطعم بن عدي.
الشيخ عليّ: جواز الاستعانة حتى بالكافر في المعارك سواء بإمداد السلاح أو غيره
واستعان صلى الله عليه وسلم بالنجاشي غير المسلم وهو ملك مسيحي لحماية المسلمين، في الهجرة إلى الحبشة، فأمر الصحابة أن يدخلوا الحبشة في حمايته مع أنه رجل على غير دين الإسلام.
وفي غزوة «حنين»، استعار النبي صلى الله عليه وسلم أدرعاً من صفوان بن أمية يستعين بها على قتال المشركين، وصفوان يوم إذ كافر، فعن عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صفوان بن أمية أدرعاً وسلاحاً في غزوة «حنين»، فقال: يا رسول الله، أعارية مؤداة؟ قال: «نعم عارية مؤداة» (أخرجه الحاكم في المستدرك وصحيح على شرط مسلم، وأخرجه البيهقي والدارقطني».
وأضاف الشيخ عليّ لـ«المجتمع» أن العلماء قد استدلوا من كل ذلك على جواز الاستعانة حتى بالكافر في المعارك سواء من جانب أخذ السلاح أو بغيره، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ ليُؤيِّدُ هذا الدِّينَ بقومٍ لا خلاقَ لهم، وإنَّ اللهَ ليُؤيِّدُ هذا الدِّينَ بالرجلِ الفاجرِ» (أخرجه العراقي في الإحياء، إسناده جيد).
فهذا يبين جواز الاستعانة على أهل الحرب بأهل البغي والفجور بأنهم من المسلمين الفجَّار الذين لا خلق لهم، وفي قول الله تعالى: (إِلاَّ الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُواْ عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّواْ إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ) (التوبة: 4)، فأهل البدع في هذا الحكم كحكم أهل الكفر.
فقد قاتل الخوارج مع عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه، وقاتل الفاطميون مع صلاح الدين الأيوبي، وقاتل ابن تيمية التتار ومعه أطياف من المسلمين من أهل الفرق المختلفة، بل قال الأحناف: عن الخوارج إن قاتلوا الكفار مع أهل العدل يستحقون من الغنيمة مثلما يستحق غيرهم من المسلمين. (المبسوط للسرخسي).
وأشار إلى أنه يؤخذ من هذا الكلام أن مصالحتهم والاستعانة والقتال معهم جائز، وقال الله تعالى: (إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الممتحنة: 9)، والظاهر من الآية أن المنهي عنه إنما هي الموالاة، أما ما فيه مصلحة للأمة وإضعاف لأحد الأطراف المعادية، فهذا مما لا شك فيه أنه ليس داخل في النهي، بل هو داخل في المصلحة الشرعية للأمة.
د. بكر: المقاومة التي تأخذ على عاتقها دفع المحتل وإيقاظ الأمة تحتاج دعماً مستمراً
أما في قول الله تعالى: (لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ) (آل عمران: 28)؛ فإن الآيات هنا واضحة على الولاية -وهي المحبة والتفضيل على المسلمين- وليست على المساعدة والاستعانة، فالولاية تكون للمؤمنين فقط، أما ولاية الكافرين فمنهيّ عنها بصريح الآية: (وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة: 51).
ومن الأردن، قال د. محمد سعيد بكر، عضو المكتب التنفيذي لهيئة علماء فلسطين بعمَّان لـ«المجتمع»: إن الضرورات الشرعية والسياسية تبيح المحظورات، والمقاومة السُّنية التي تأخذ على عاتقها دفع المحتل وإيقاظ الأمة تحتاج إلى دعم وإسناد مستمر، فإن وجدت دعمها من جهات نظيفة كان ذلك أولى وأجدى؛ وإلا فلا مانع من تحصيل الدعم من أي جهة بصرف النظر عن دينها وغاياتها.
مع وجوب الانتباه إلى ألا يؤدي الدعم إلى حرف مسار المقاومة وغاياتها النبيلة.
وقد استعان النبي صلى الله عليه وسلم بالمشركين في أكثر من ثلاثة مواقف في السيرة النبوية للضرورة ودون شروط مؤثرة.