على الرغم من استمرار العدوان على قطاع غزة، لا تتوقف أذرع الاحتلال التهويديّة عن اقتحام المسجد الأقصى، التي يُشارك فيها المستوطنون، وتشهد أداء للطقوس اليهودية العلنية.
وخلال الأعوام الماضية نرصد مشاركة فئة بالغة الخطورة في هذه الاقتحامات، وهم السياسيون «الإسرائيليون»، فقبل أسبوع واحد من عملية «طوفان الأقصى»، في 1 أكتوبر 2023م، شارك عضو الكنيست المتطرف إسحاق كرويزير في اقتحام «الأقصى»، وينتمي كرويزير إلى حزب «القوة اليهـودية» الذي يتزعمه وزير الأمن القومي المتطرف إيتمار بن غفير، وقد اقتحم «الأقصى» برفقه عائلته والتقط صورة تذكارية أمام مصلى قبة الصخرة، وفي اليوم نفسه اقتحم «الأقصى» عضو الكنيست عاميت هاليفي (ليكود).
وعلى الرغم من توقف الاقتحامات السياسية على إثر معركة «طوفان الأقصى»، فإنها كانت حلقة من حلقات مشاركة المستوى السياسي «الإسرائيلي» في تدنيس المسجد، والتحريض ضد مكوناته من مرابطين ومصلين.
وفي سياق تسليط الضوء على أبرز ما جرى في عام 2023م من تطورات، نسلط الضوء في هذا المقال على حجم مشاركة الساسة «الإسرائيليين» في اقتحامات المسجد الأقصى ودورهم في التحريض ضده، ونجيب من خلاله عن سؤال أساسي: لماذا يشارك مستوى السياسي «الإسرائيلي» في اقتحام المسجد الأقصى؟
كيف تتماهى الشخصيات السياسية مع أطروحات «منظمات المعبد»؟
استطاعت «منظمات المعبد» ترسيخ حضورها في البيئة السياسية «الإسرائيليّة» بشكل متصاعد في السنوات الماضية، وتحولت من العلاقة مع السياسيين «الإسرائيليين»، إلى اختراق هذه البيئة من خلال شخصيات تتبنى أطروحاتها بشكل مباشر، ومع تنوع أيديولوجيات السياسيين «الإسرائيليين»، ووجود فئات لا تهتم كثيرًا بقضية «المعبد»، ينقسم السياسيون «الإسرائيليون» الذين يتبنون أطروحات «منظمات المعبد» إلى قسمين؛ الأول: أولئك الذين يشاركون في اقتحام المسجد الأقصى بشكل متكرر أو مرة على الأقل خلال وجودهم في المنصب السياسي، أما الثاني فهم الساسة «الإسرائيليون» الذين يحرضون ضد «الأقصى» ومكوناته البشريّة، ولكنهم لا يشاركون في الاقتحامات على اعتبارات دينيّة متعلقة بقضية التطهر، ومن أبرزهم وزير المالية في حكومة الاحتلال بتسلإيل سموتريتش.
وتشكل الاقتحامات السياسية لـ«الأقصى» أبرز أدوات تفاعل هؤلاء الساسة مع تصاعد أطروحات اليمين المتطرف في دولة الاحتلال، ومع تصاعد الكتلة التي تحرض ضد «الأقصى» في البيئة السياسية «الإسرائيلية»، يظهر في المقابل تصاعد حجم هذه المنظمات وحضورها في الانتخابات، وسعي قادة الأحزاب «الإسرائيلية» إلى الحصول على دعم المنظمات المتطرفة خاصة واليمين «الإسرائيلي» بشكلٍ عام.
ومع ترسيخ الاقتحامات السياسية في السنوات الماضية، تتطور سلوك السياسيين «الإسرائيليين» في كيفية تماهيهم مع أطروحات «منظمات المعبد» ومخططاتها تجاه المسجد الأقصى، ويمكننا التركيز على عدد من المستويات، وهي:
– مشاركة أعضاء الكنيست والوزراء في حكومة الاحتلال في اقتحام «الأقصى»، والاستفادة من الأعياد اليهوديّة لحشد المزيد من هذه المشاركات، وأظهرت معطيات عام 2023م مشاركة كثيفة في المناسبات الوطنية «الإسرائيلية»، وخاصة «يوم توحيد القدس» في 18/ 5/ 2023م.
– تحريض الساسة «الإسرائيليين: ضد العنصر البشري الإسلامي، والمطالبة المتكررة بإنهاء دور دائرة الأوقاف الإسلامية.
– التفاعل المستمر مع مطالبات المنظمات المتطرفة وخاصة تلك المتعلقة برفع حجم الاقتحامات، والأوقات المتاحة لاقتحام «الأقصى»، وما يرتبط بالاقتحامات من إفراغ لـ«الأقصى».
– تحقيق المزيد من التحكم بـ«الأقصى» وأبوابه، وتقديم الدعم السياسي لهذه المنظمات عبر التصريحات العلنية، والمشاركة في المؤتمرات التي تُعقد في «الكنيست»، إلى جانب التواصل المستمر مع قادة «منظمات المعبد».
– تحويل مخططات تقسيم «الأقصى» إلى قوانين في الكنيست، وآخرها مشروع القانون الذي أعده عضو الكنيست عميت هليفي، وما يتصل بهذه المخططات بالتأكيد على حق اليهود في «الأقصى».
«منظمات المعبد» وتحقيق أكبر قدر من النفوذ في البيئة السياسيّة «الإسرائيليّة»
شكلت الانتخابات «الإسرائيلية» فرصة استثنائية لما يُسمى بـ«الصهيونية الدينيّة» التي تقف خلف أبرز المنظمات التي تعتدي على «الأقصى»، فقد أظهرت نتائج انتخابات الكنيست في 1/ 11/ 2022م حصول هذه المنظمات على نحو 24% من مقاعد الكنيست، ونحو 40% من مقاعد الائتلاف الحاكم حاليًا، فبحسب تقرير «عين على الأقصى» السابع عشر، حصلت الصهيونية الدينية على 29 مقعدًا في الكنيست؛ توزعت على 3 أحزاب، هي: «الصهيونية الدينية» وقد حصل على 14 عضوًا، وحزب «الليكود» وحصل 12 عضوًا، و«المعسكر الوطني» وحصل على 3 أعضاء، وانعكس هذا الحجم على حضور هذه المنظمات في الحكومة «الإسرائيلية» التي شكلها نتنياهو، فقد حصلت بموجبها على 16 حقيبة وزارية من أصل 32؛ ما يعني أنها تسيطر على نحو 50% من مقاعد الحكومة «الإسرائيلية» الحالية.
أبرز الوجوه السياسية التي اقتحمت «الأقصى» في 2023
حفلت الأشهر الماضية من عام 2023م بعدد من الاقتحامات السياسية «الإسرائيلية»، فقد شهدت هذه الأشهر 10 اقتحامات لشخصيات سياسية «إسرائيلية»، فمع تولي بن غفير منصب وزير الأمن القومي في حكومة الاحتلال، اقتحم «الأقصى» في 3/ 1/ 2023م، وصرح خلال الاقتحام بأن جبل المعبد هو المكان الأكثر أهمية لشعب «إسرائيل».
وفي 21/ 5/ 2023م بعد أيام قليلة من الاقتحامات الحاشدة في «يوم توحيد القدس»، اقتحم بن غفير «الأقصى» برفقة عشرات المستوطنين.
أما اقتحامه الأخير في عام 2023م، فكان في 27/ 7/ 2023م بالتزامن مع ذكرى «خراب المعبد»، وفي مقطع مصور في أثناء تجوله في ساحات «الأقصى»، قال بن غفير: هذا المكان هو الأهم، نحتاج إلى العودة إليه وإظهار سيادتنا عليه.
وإلى جانب بن غفير، شارك وزير النقب والجليل في حكومة الاحتلال المتطرف يتسحاق فاسرلاف (القوة اليهودية) في اقتحام «الأقصى»، فقد اقتحمه بالتزامن مع «يوم توحيد القدس» في 18/ 5/ 2023م، وإلى جانب فاسرلاف شارك في هذا الاقتحام عدد من أعضاء الكنيست، وهم أرئيل كيلنر، وعميت هاليفي، ودان إيلوز (الليكود)، والعضوان السابقان فيه شولي معلم (البيت اليهودي)، ويهودا غليك، وكشفت مقاطع مصورة نشرتها منظمات الاحتلال المتطرفة أداء أعضاء الكنيست نشيد «الهاتيكفاه» داخل باحات المسجد، أما اقتحام فاسرلاف الثالث فقد جاء تزامنًا مع ذكرى «خراب المعبد» في 27/ 7/ 2022م.
إضافة إلى عضو الكنيست آرييل كيلنر (ليكود) الذي اقتحم المسجد في أغسطس الماضي، وعضوي الكنيست المتطرف إسحاق كرويزير (القوة اليهـودية)، وعاميت هاليفي (ليكود)، اللذين شاركا في اقتحامات عيد «العُرُش/المظال» في 1/ 10/ 2023م.
لماذا تصاعدت الاقتحامات السياسية لـ«الأقصى» في 2023؟
أسلفنا بأن عدد الاقتحامات السياسية لـ«الأقصى» حتى إعداد هذا المقال بلغ نحو 10 اقتحامات، في مقابل 11 اقتحامًا جرت في عام 2022م، وقد تصاعدت وتيرة هذه الاقتحامات ومواقع المشاركين فيها نتيجة عدد من العوامل، أهمها:
– تصاعد حجم تمثيل اليمين «الإسرائيلي» عامة، الذي يتبنى أطروحات المنظمات المتطرفة على وجه الخصوص، إن في الكنيست أو في حكومة الاحتلال، التي تُعدّ أكثر الحكومات يمينيّة.
– تبني العديد من الشخصيات السياسية «الإسرائيلية»، وفي مقدمتهم وزراء في حكومة الاحتلال، لأطروحات «منظمات المعبد»، ومشاركة هذه الشخصيات في اقتحامات «الأقصى»، وهي مؤشرات إلى أن تبنيهم أجندات «المعبد» لا تقتصر على الدعم السياسي، بل تصل إلى حد الانخراط المباشر في الاعتداء على «الأقصى».
– محاولة جعل فكرة «المعبد» واحدة من المشتركات بين مختلف فئات المجتمع «الإسرائيلي»، في محاولة لرأب الصدوع التي تصاعدت في النصف الأول من عام 2023م.