فيما يبدو بحثاً عن مبرر لهزيمتهم، ومع اقتراب نهاية الحرب ونصب المقصلة لنتنياهو، بدأ موالون لنتنياهو يروجون لنظريات مؤامرة حول خيانة قادة بالجيش والمخابرات له للإطاحة به على خلفية الخلاف معه حول التعديلات القضائية التي أثارت غضب «الإسرائيليين».
فبعدما انتشرت هذه النظريات والشائعات عقب عملية «طوفان الأقصى» مباشرة من جانب موالين لنتنياهو على صفحات مواقع التواصل وصحف صفراء، عادت لتظهر بقوة في صحف «إسرائيل» وسط اتهامات لنتنياهو من أن يبحث عن مبرر لهزيمته وتحميل غيره سبب الهزيمة أمام «حماس» بدلاً منه.
لكن صحيفة «معاريف» العبرية قالت، في تقرير لها مطلع يناير 2024م: إن تلك الشائعات التي كانت تتداول على مستوى «المواقع الصفراء» تحولت إلى مواضيع يتم مناقشتها في اجتماعات على أعلى المستويات داخل «إسرائيل».
وذكرت أنه كان يتردد أن عملية «طوفان الأقصى» التي نفذتها «حماس» رد على الاعتداءات الصهيونية المتكررة، وراءها مؤامرة شارك فيها عناصر من الجيش والمخابرات وكان هدفها الإطاحة بحكومة بنيامين نتنياهو.
لكن هذه النظريات حول مؤامرة التي روج لها حاشية نتنياهو ومقربون منه، انتشرت حتى أصبحت مادة للنقاش في جلسات الكنيست، وفي اجتماعات الحكومة.
وأوضحت «معاريف» أن ثلث «الإسرائيليين» يعتقدون أن هناك خونة بين ظهرانيهم، وأن الهزيمة التي تعرضت لها «إسرائيل»، في 7 أكتوبر 2023م، وقعت لأن عناصر في الجيش «الإسرائيلي» والاستخبارات الداخلية (الشاباك) والمحتجين على «التعديلات القضائية» التي أقرتها حكومة نتنياهو تآمروا على تلك الحكومة وأرادوا هزيمتها!
مؤامرة إسلامية «إسرائيلية»!
وتتلخص نظرية المؤامرة هذه التي يروجها أنصار نتنياهو واليمين المتطرف ونجل نتنياهو نفسه، في الزعم بأن هجوم «حماس» على بلدات غلاف غزة داخل «إسرائيل» انطوى على مؤامرة من جانب الجيش، بغرض تنفيذ محاولة انقلاب عسكري على حكومة بنيامين نتنياهو، ويشارك فيها إسلاميون هم الإخوان!
وتقول الفكرة: إن الجيش والمخابرات علما بهجوم «حماس»، لكنهما لم يفعلا شيئاً لمنعه، بل أرادا له أن يحدث حتى يغضب الجمهور ويسقط حكومة نتنياهو.
ونشر أحد نشطاء اليمين المعروفين، يوسي شحبر، تغريدة على «إكس» قال فيها: «ليكن معلوماً لديكم أننا، في 7 أكتوبر، عشنا انقلاباً عسكرياً بقيادة هيرتسي هليفي (رئيس أركان الجيش)، الذي امتنع عن تبليغ رئيس الحكومة بأمر الهجوم المقرر تنفيذه في عيد فرحة التوراة»، وتحدث عن طغمة عسكرية حاكمة!
وكان كبير محللي صحيفة «معاريف»، بن كسيفت، انتقد مبكراً، في مقال نُشر 9 أكتوبر 2023م، ما وصفه بفشل إدارة نتنياهو لـ«إسرائيل» وترويج أتباعه نظرية المؤامرة لتبرير الفشل الاستخباراتي الأخير، وقال: نعم هناك خونة بيننا، ويبدو أن كبار عسكريينا قد انضموا سرًّا إلى «حماس»، مؤكداً أن نظرية المؤامرة وُلدت في الدائرة الأقرب لنتنياهو، وهو نفسه يرددها في محادثاته الخاصة!
وحسب الصحيفة «الإسرائيلية»، فإن الغرض من تداول هذه المزاعم أن تُنسب المسؤولية عما حدث خلال عملية «طوفان الأقصى» إلى أي أحد في «إسرائيل» إلا نتنياهو نفسه.
أيضاً أثارت أوريت ستروك، وزيرة الاستيطان بالحكومة، نائبة الكنيست عن حزب «الصهيونية الدينية» اليميني المتطرف، فكرة خيانة طياري الاحتلال لحكومة نتنياهو عقب «طوفان الأقصى» برفضهم قصف المهاجمين من «حماس»!
أما الأكثر غرابة فهو اتهام أفراد من عائلة نتنياهو أو مقربين منه، منهم ابنه يائير، جميع المعارضين بأنهم خونة، وأنهم تعاونوا مع جماعة الإخوان المسلمين، ومع «حماس»؛ لخيانة «بيبي» (نتنياهو) والتآمر عليه، ليقنعوا «الإسرائيليين» بأن «بيبي» وحده هو الضحية!
ولم يكن مستغرباً أن أشد نظريات المؤامرة طيشاً في «إسرائيل» حالياً، كان قد نشرها أفراد من عائلة نتنياهو أو أشخاص مقربون منه؛ مثل ابنه الذي عاد إلى «إسرائيل» من الخارج منذ بضعة أيام، حيث اتهم «حماس» والجيش «الإسرائيلي» بأنهما نفذا انقلاباً عسكرياً ضد حكومة والدي!
وهكذا بث أفراد عائلة نتنياهو شائعات تتهم جميع المعارضين بأنهم خونة، وأنهم تعاونوا مع جماعة الإخوان المسلمين، ومع «حماس»، لخيانة «بيبي» والتآمر عليه.
ويقول محللون «إسرائيليون»: إن نتنياهو انتقل بذلك إلى مرحلة جديدة من تصفية الحساب مع الجيش، الذي وقف مع الدولة العميقة ضد خطة الحكومة للانقلاب على منظومة الحكم وجهاز القضاء.
مطلوب عزله فوراً
رغم أن الموعد الطبيعي للانتخابات «الإسرائيلية» في عام 2026م، ولكن بعدما هزت عملية «طوفان الأقصى» ثقة «الإسرائيليين» في نتنياهو، باتت الدعوات تتصاعد لعزله وإقالة الحكومة، ولكن هذا الأمر يحتاج لانقلاب داخلي في الليكود أو انهيار الائتلاف الحكومي.
ويقول تقرير لصحيفة «معاريف»، في 30 ديسمبر 2023م: إنه من حيث القيمة الإستراتيجية، هل من الصواب والحكمة إجراء انتخابات بالتزامن مع الحرب؟ وماذا لو تم حل الكنيست وتفاخر يحيى السنوار بالقول: إن نتنياهو هدد بإحضار رأسي، وفي النهاية أحضرت أنا رأسه؟ وكيف ستدير «إسرائيل» حملة عسكرية في الشمال وسط حملة سياسية؟ وماذا لو كان تقديم الانتخابات يضر بإدارة الجبهة ضد حسن نصر الله؟
السؤال الثاني عملي تكتيكي: من سيضغط الزر؟ من سيفكك تحالف الائتلاف الحكومي؟ الجواب عن هذه المعضلة ليس الأفضل؛ فهو جواب لا يعطي حلاً، لكن بعد 7 أكتوبر لا وجود لإجابات مريحة؛ وإنما أكثر إزعاجاً، حسب الصحيفة.
تقول الصحيفة: إن المبدأ الذي يمنح الحصانة للحاكم والحكومة ما دامت الحرب دائرة يميز الأنظمة المستبدة، فقد أخطأ نيفيل تشامبرلين، وجوزيف ستالين في تحليل نوايا أدولف هتلر، كما أخطأ بنيامين نتنياهو في تحليل نوايا السنوار، وأقال البريطانيون تشامبرلين بعد ثمانية أشهر من اندلاع الحرب العالمية الثانية.
أما الروس فلم يستطيعوا إقالة ستالين، واستمر في الإساءة إلى شعبه، وتجويعه، وقتله، ونفيه، وإرساله إلى الأشغال الشاقة في معسكرات العمل؛ ولذا حين يزعم البعض اليوم أن إطاحة نتنياهو وحل الحكومة «الإسرائيلية» أو الكنيست أو كليهما بمثابة تقديم هدية لـ«حماس» كمن يقول: إن إطاحة تشامبرلين كانت هدية لهتلر.