كانت رسالتها شارحة ما تعانيه من آلام وعقبات في حياتها بعد رحيل زوجها شهيداً: كانت الحياة وردية جميلة برفقة زوجي ورفيق دربي وسندي بعد ربي سبحانه وتعالى، لكنه القدر الذي غيبه عني، مطلوب أن أكمل رحلة الحياة وحيدة بعدما غاب شريكي ورفيقي، بالأمس كنت في رعايته ولا أُلقي للطريق بالًا، وفجأة انقلبت الحال وصرت أحمل لقباً جديداً يُقال على سبيل الشفقة: «أرملة».
كل هذا وأضعافه تعانيه الأرامل عموماً، أما أرامل غزة فألمهم أشد وجرحهم أعمق، بعض الأرامل لا تعرف أين أولادها، وإذا وجدتهم فأين يبيتون وقد قصف بيتها وصار مساوياً بالأرض؟! وإذا وجدت بيتًا فأين الطعام؟! وإن وُجد فلا يكفي، ولو وجد فلا مال يشترى به، ومع الشتاء من أين توفر ملابس تقي أولادها برودة الشتاء وقد خرجوا من بيوتهم مذعورين خائفين من قصف عدو لا إنسانية عنده، عدو كل متعته في الحياة قتل الأطفال الرضع، كل هذا مطلوب أن تدبره وتوفره لأولادها!
في مشهد مؤثر، جلست إحدى زوجات غزة تحتضن أولادها الثلاثة باكية وتقول: أين ذهبت يا زياد وتركتني أنا وأولادك؟ ماذا سنفعل بعدك؟ من سيعوضنا عنك؟ لا أريد شيئاً من الدنيا سواك، يا رب صبرني على بعده وقدرني على تحمل مسؤولية أبنائي.
كفالة لا مثيل لها
تزوج صلى الله عليه وسلم من الأرمل التي تُوفي عنها زوجها إكراماً واستيعاباً وتقديراً وكفالة أم المساكين زينب بنت خزيمة رضي الله عنها التي استشهد زوجها بجرح أصابه يوم «بدر».
كما رفع شأن خدمتهن وقضاء حوائجهن فقال صلى الله عليه وسلم: «الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، وكالقائم لا يفتر، والصائم لا يفطر» (رواه مسلم)، فجعل القائم على مصلحة امرأة مات عنها زوجها كمجاهد في سبيل الله، وقائم في صلاة التهجد دون تعب أو فتور، وكصائم لا يفطر!
وهنا يعلق الإمام ابن بطال على الحديث في شرحه لصحيح البخاري: «من عجز عن الجهاد في سبيل الله وعن قيام الليل وصيام النهار، فليعمل بهذا الحديث وليسْعَ على الأرامل والمساكين ليُحشر يوم القيامة في جملة المجاهدين في سبيل الله دون أن يخطو في ذلك خطوة، أو ينفق درهماً، أو يلقى عدوًا يرتاع بلقائه، أو ليُحشر في زمرة الصائمين والقائمين وينال درجتهم وهو طاعم نهاره نائم ليله أيام حياته، فينبغي لكل مؤمن أن يحرص على هذه التجارة التي لا تبور، ويسعى على أرملة أو مسكين لوجه الله تعالى فيربح في تجارته درجات المجاهدين والصائمين والقائمين من غير تعب ولا نصَب، ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء».
وفي صحيح الجامع أن النبي صلى الله عليه وسلم: «كان لا يأنف ولا يستكبر أن يمشي مع الأرملة والمسكين والعبد، حتى يقضي له حاجته».
ومن رحمته صلى الله عليه وسلم بهن أنه كان يحسن إليهن ويتصدق عليهن، فعن ابن عباس قال: قدمت عير المدينة، فاشترى النبي صلى الله عليه وسلم منها، فربح أواقي فقسمها في أرامل بني عبدالمطلب، وقال: «لا أشتري شيئاً ليس عندي ثمنه» (رواه أحمد).
الاهتمام بأبناء الأرامل
أما أبناء الشهداء الذين دافعوا عن ديننا ووطننا وبذلوا الغالي والنفيس، فواجب أن نقوم بكفالتهم وإعانتهم، وقدوتنا في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الأخيار.
كان النبي صلى الله عليه وسلم يزور أسر الشهداء، ويواسيهم، فقد روى أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يدخل بيتًا بالمدينة غير بيت أم سليم، إلا على أزواجه، فقيل له ذلك؟ فقال: «إني أرحمها، قتل أخوها معي» (رواه البخاري).
ولما قتل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه شهيدًا في معركة «مؤتة»، قال: «اصنعوا لآل جعفر طعامًا فإنه قد أتاهم أمر شغلهم» (رواه أبو داود).
ومما يروى أن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدور بنفسه على بيوتهم فيسأل أمّهاتهم -الذين غاب أزواجهن أو ماتوا في الجهاد- يقف على أبوابهنّ يسألهن: ألكنّ حاجة؟ أيّتكنّ تريد أن تشتري شيئًا؟ فإنّي أكره أن تخدَعْن في البيع والشراء، فتخبره كل واحدة بما تريد ويرسلن معه جواريهن وغلمانهن، فيدخل السوق ووراءه الجواري والغلمان، فيشتري لكل واحدة ما تريد ويحمّله لجاريتها أو لغلامها، وإذا كان الشيء ثقيلًا حمله هو -وهو أمير المؤمنين- على رقبته وأرجع لهنّ بقية الدراهم، ومن ليست عندها دراهم اشترى لها ودفع هو الثمن وحمل إليها ما تريد.
كيف نخفف آلامهم؟!
ولا بد أن يكون لكل واحد منا دور في هذا الباب تخفيفاً من معاناة أهل غزة، وتسكيناً لآلامهم، وتضميداً لجراحاتهم، ورفعاً لمعنوياتهم التي أنهكتها عمليات القصف المستمر والهدم والإجلاء المستمر وغيره من صور مرارة وألم الحياة، وذلك من خلال:
– بداية الدعاء لهم بتفريج كربهم وزوال همهم والتخفيف عنهم.
– المشاركة في برامج كفالة أرامل غزة بالمشاركة المالية ودعوة الناس لهذا.
– حث العلماء والدعاة والمؤثرين على الحديث عنهم وعن معاناتهم.
– التحدث عن قضيتهم ومعاناتهم وآلامهم على مواقع التواصل، فقد ثبت أنهم يتابعون ويسعدون بما نكتبه، وللأحباب المجيدين للغات الأجنبية أن يستثمروا ما وهبهم الله إياه وينقلوا معاناتهم عبر اللغة التي يجيدونها فهو واجب له الأثر الكبير.
– مقاطعة منتجات العدو الصهيوني، واستشعار أن هذه المقاطعة تأتي دعماً لأخواتنا الأرامل.
– تقديم الدعم المعنوي والنفسي بالثناء على ما يقومون به من بذل وجهاد وصبر على ما هم فيه.
– نشر الفتاوى المتعلقة بالقضية ووجوب تقديم العون لهم.
– تقديم أعمال فنية من أناشيد ومشاهد تخلد معاناة أرامل غزة وما يقدمنه من تضحيات لأولادهن.