كعادتهم، يحاول المصريون أن يتمسكوا بالتفاؤل مع قدوم عام جديد، رغم الأوضاع المحلية والإقليمية، لكن ما زالت آثار مؤشرات القلق المعلنة من العام الماضي تلاحقهم؛ على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، في ظل تصاعد الأزمة الاقتصادية والعنف الأسري واستمرار العدوان الصهيوني على غزة؛ ما يتطلب إجراءات جديدة تناسب أمنيات عام 2024م، من مؤسسات الدولة والمجتمع، بحسب خبراء ومراقبين تحدثوا لـ«المجتمع».
أوضاع اقتصادية قاسية
اقتصادياً، يسود القلق والترقب والارتباك الأوساط المالية والاقتصادية في مصر، وباتت البيوت في «حيص بيص»، بعد عام صعب تهاوت فيه قيمة الجنيه المصري أمام الدينار الكويتي (الدينار= 100.49 جنيه مصري) والدولار الأمريكي (الدولار= 30.89 جنيهاً مصرياً)، وسط سعرين رسمي وموازٍ لصرف الدولار؛ ما ألقى بظلاله على الأسواق وأحوال الأسر المصرية، وفق المراقبين.
د. عامر: لا بد من تكاتف الشعب ومؤسسات الدولة لتجاوز الصعوبات الاقتصادية
ويتوقع صندوق النقد الدولي انخفاض نمو الاقتصاد المصري للعام المالي الحالي 2023/ 2024م ووصوله إلى نسبة 3.6% بعدما كانت 4.1%، كما يتوقع ارتفاع معدلات البطالة في العام المالي الجاري إلى 7.5%، بعدما كانت 7.3%، فيما أعلنت وكالات «موديز» و«ستاندرد آند بورز»، و«فيتش» للتصنيف الائتماني، خفض تصنيف مصر، لكن الحكومة المصرية توقعت تحقيق البلاد نسبة نمو تصل إلى 4.2% في العام المالي 2023/ 2024م.
وفي حديث لـ«المجتمع»، يتوقع الخبير الاقتصادي د. عادل عامر، رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية، أن بدايات هذا العام ستشهد مزيداً من ارتفاع الأسعار بما يتناسب مع معدلات التضخم وقيمة العملة المحلية، حتى منتصف العام الذي يتوقع فيه حدوث بعض التحسينات النسبية قبل بداية العام المالي الجديد في يوليو، مع ظهور نتائج بعض المشروعات الاقتصادية، وتفعيل اتفاقيات منظمة دول «الكوميسا» (السوق المشتركة لشرق وجنوب أفريقيا).
ويوضح د. عامر أن البعض يترقب تعويماً جديداً، وهذا غير دقيق، فالدولة -والكلام له- لم تتوقف عن سياسات التعويم وهناك اجتماعات دورية للجنة السياسة النقدية للبنك المركزي، تناقش كافة الأمور، بعد متابعة التطورات الاقتصادية وتقييم المخاطر المحيطة بتوقعات التضخم، بغرض الحفاظ على الأوضاع النقدية التقييدية وخفض المعدلات الشهرية للتضخم وتحقيق استقرار الأسعار على المدى المتوسط.
وينصح رئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والاقتصادية المصريين باعتبار الفترة المقبلة أوقات ترشيد إنفاق قدر المستطاع، وتقييد معدلات الاستهلاك والإسراف في الاستيراد، وزيادة الاعتماد على المنتج الوطني، مؤكداً أهمية تضافر الجهود الشعبية مع الدولة.
د. قناوي: وجود القدوة والأخلاق والضمير والوعي الديني ينقذ الأسر والمجتمع
ويشير د. عامر إلى أهمية إعلاء المصريين للبعد الوطني على الشخصي في الفترة المقبلة، في مساعي الاستثمار، قائلًا: لا يوجد شك أن الاستثمار الآمن في الذهب ثم في العقارات، ولكنه استثمار أحادي النفع لا يعود على الدولة في وقت الأزمة الاقتصادية بشيء، وبالتالي يجب التفكير في دعم المشروعات الاقتصادية الوطنية، أو الاتجاه للاستثمار في البورصة في الأسهم الوطنية على وجه التحديد لمن لديه خبرة وعلم.
قانون الأحوال الشخصية وإصلاح الأسرة
اجتماعياً، شهد العام الماضي العديد من جرائم العنف الأسري والمجتمعي والقتل على خلفية رفض الزواج وغيره، مع ارتفاع نسب الطلاق والتفكك الأسري، فيما تنتظر الدوائر الاجتماعية والحقوقية صدور قانون الأسرة المصرية الجديد هذا العام وعدد من القوانين المتصلة بمناهضة العنف ضد المرأة.
أستاذ كشْف الجريمة بالمركز القومي للبحوث الجنائية د. فتحي قناوي، يشعر بمرارة في حديثه لـ«المجتمع»، من غياب الركائز الأساسية لعلاج الأزمات المجتمعية والأسرية، في مصر والوطن العربي، مؤكداً أن القانون المصري المرتقب للأسرة قد يحل بعض المشكلات، ولكنه ليس الحل النهائي لما يعانيه المجتمع والبيوت المصرية.
يحيي: أتمنى توسيع هامش الحريات والمجال العام والإفراج عن كل سجناء الرأي
ويضيف د. قناوي أن غياب الضمير والوعي الديني والقدوة والأخلاق والمودة والرحمة، بمثابة هدم لركائز المجتمع والأسرة، في ظل عدم قيام مؤسسات التربية والرعاية والتنشئة بدورها وتقديم خطاب مناسب لعقول الشباب لتصحيح مسارها وبناء أجيال واعية بقيمة العائلة والعلاقات الإيجابية المليئة بالتسامح والمحبة في المجتمع.
ويعول على تغيير القناعات عبر تحرك المدرسة والجامعة والإعلام والمسجد والكنيسة في توعية المجتمع بالقيم والأخلاق، ووقف بث المواد غير الأخلاقية على الشاشات انطلاقاً من فهم الحديث النبوي الشريف: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الرعد: 11).
ويدعو د. قناوي مؤسسات الدولة والمجتمع المدني في مصر إلى التكاتف في العام الجديد، لتصحيح الأوضاع المجتمعية والأسرية وإعادة المحبة والأخلاق الفاضلة إلى البيوت المصرية والمجتمع ككل، حتى لا تتكرر تلك الجرائم البشعة الغريبة على المصريين.
مطالب بانفراجه حقوقية وسياسية
سياسياً، قررت السلطات المصرية مواصلة الحوار الوطني، الذي انطلق في مايو من العام الماضي، وسط آمال من المعارضة المصرية وبيوت سجناء الرأي، بفتح المجال العام.
أبو العزم: نحتاج إلى جهود مستمرة وصادقة لتحسين حقوق الإنسان بمصر
ويتمنى مدير تحرير صحيفة «الأهرام» القاهرية الأسبق كارم يحيى، في حديثه لـ«المجتمع»، بأن يشهد العام الجديد توسيع هامش الحريات والمجال العام، وأن تكون الأولوية لخروج كل معتقلي الرأي من كافة الاتجاهات دون استثناءات، خاصة من كبار السن والنساء والأطفال، لكن يرى أن المؤشرات الأولية سواء على المسرح الدولي والمحلي قد تعرقل هذا الاتجاه، في ظل الانكفاء الدولي في توابع العدوان على غزة، وتصاعد الأزمة الاقتصادية، وهو ما يحذر منه.
ويتوقع الخبير القانوني والحقوقي محمد أبو العزم، في حديثه لـ«المجتمع»، أن تشهد حالة حقوق الإنسان في العام الحالي تحدياً معقداً ومتعدد الجوانب؛ ما يستدعي جهوداً مستمرة وصادقة لتحسينها، مؤكداً ضرورة سعي مصر نحو مواءمة سياساتها وممارساتها مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان عبر شفافية وتعاون شامل على جميع المستويات، لتمكين المجتمع المدني وتعزيز ثقافة الحوار والتسامح والمصالحة المجتمعية.