العلماء والمصلحون هم النجوم المضيئة التي تستنير بها المجتمعات، على اختلاف تخصصاتهم ومجالاتهم، فبهم تنهض الدول، وتقوم الحضارات، وبإصلاحهم يصلحون أنفسهم، كما أنهم سبب في دفع الهلاك عن مجتمعاتهم، ويغرسون معاني الحب والتآلف بين الجميع بفضل أعمالهم، وقد رحل بعضهم عن دنيانا في شهر يناير، منهم:
عزالدين إبراهيم.. وقضية فلسطين
ولد عزالدين إبراهيم في 1 يناير 1928م بالقاهرة، وحصل على ليسانس في الأدب العربي من جامعة القاهرة، ثم دبلوم التربية وعلم النفس من جامعة عين شمس، ثم أتمها بدكتوراة الفلسفة في الآداب من جامعة لندن عام 1963م.
عمل د. إبراهيم في مجال التعليم والتربية والبحث العلمي بالإدارة والتدريس في مصر وليبيا وسورية وقطر الذي عمل مساعداً لمدير المعارف، وانتقل للسعودية للعمل كأستاذ للأدب العربي وطرق تدريس العربية في الرياض.
كما قام بتدريس الدراسات الإسلامية في جامعة أكسفورد في بريطانيا، وجامعة ميتشغان في الولايات المتحدة الأمريكية، وانتقل لدولة الإمارات العربية واختير مديراً لجامعة الإمارات، كما أصبح المستشار الثقافي للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان عام 1969م، وحصل على الجنسية الإماراتية.
وكان من جهوده بالتعاون مع الشيخ عبدالله بن علي المحمود، عالم الشارقة المعروف، في ترشيد المسلمين السود في أمريكا، وإعادتهم إلى الإسلام الصحيح، وإلى الأمة الإسلامية.
وقد منحته جامعة ماليزيا الدكتوراة الفخرية في الاقتصاد لإدارته عدداً من صناديق التضامن والعمل الخيري في البلاد الإسلامية، كما منحته جامعة ويلز في المملكة المتحدة دكتوراة فخرية في الآداب لدوره مع مؤسسات التعليم العالي.
ارتبط ارتباطاً وثيقاً بالقضية الفلسطينية قبل وقوع نكبة عام 1948م؛ فدافع عن الأرض وبيت المقدس بعدة كتابات ومحاضرات علمية للتصدي لمحاولات تهويد القدس ولتثبيت هويتها العربية.
تعرف إلى جماعة الإخوان المسلمين وهو في الجامعة، وكان مواظباً على دروس الثلاثاء للأستاذ حسن البنا، وأصبح أحد التربويين في الجماعة، وحينما وقعت محنة عام 1948م استطاع الهرب إلى ليبيا ونشط في الدعوة بعدما منحه الملك السنوسي حق اللجوء السياسي.
وبعد هدوء الحال ونجاح الثورة، عاد لمصر وعمل في قسم الأُسَر، وقد اعتقله نظام عبدالناصر في يناير 1954م، لكن بعد خروجه سافر لسورية أواخر مارس 1954م خوفاً من بطش النظام آنذاك، ونشط في مجال الدعوة حتى صنع لنفسه مكاناً وسط المصلحين والعلماء، وظل كذلك حتى توفاه الله صباح السبت 15 صفر 1431هـ/ 30 يناير 2010م في العاصمة البريطانية لندن، بعد معاناة مع المرض(1).
د. صلاح الخالدي.. العاشق لفلسطين
ولد د. صلاح عبدالفتاح الخالدي بفلسطين في مدينة جنين، في 1 ديسمبر 1947م، ودرس في جنين بالمدارس الحكومية حتى الصف الثاني الإعدادي، ثم توجه إلى الدراسة الشرعية، وانتقل إلى نابلس للدراسة في المدرسة الإسلامية التي أهلته للسفر لاستكمال دراسته في الأزهر بمصر عام 1965م، وتخرج في كلية الشريعة عام 1970م، وعاد للأردن بعد احتلال الضفة في حرب يونيو 1967م، وحصل على الماجستير في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض عام 1980م، بعنوان «سيد قطب والتصوير الفني في القرآن»، ثم الدكتوراة في التفسير وعلوم القرآن عام 1984م من نفس الجامعة، بعنوان «في ظلال القرآن دراسة وتقويم».
عُيِّن واعظاً بوزارة الأوقاف في مدينة الطفيلة بالأردن، وعمل مراقباً للتوجيه الإسلامي (مساعد مدير أوقاف) في عام 1974م بمدينة السلط، ثم عُيِّن في كلية العلوم الإسلامية في عمَّان، ثم أصبح مدرساً في كلية أصول الدين جامعة البلقاء التطبيقية، كما عمل خطيباً.
أثرى المكتبة الإسلامية بالكثير من المؤلفات التي تنوعت في مجالات عدة لخدمة الدين الإسلامي والدعوة، وبعض هذه المؤلفات تتكلم عن الشهيد سيد قطب ومؤلفاته.
كان د. الخالدي يتمتع بخلق رفيع تأثر فيه بكتاب الله تعالى، وكان من المصلحين الذين انشغلوا بالقضية الفلسطينية، ومن قوله: «صراعنا مع اليهود مفتوح ومستمر ومتواصل»، وكان عضواً في هيئة علماء فلسطين.
توفي د. الخالدي، وهو أحد قادة الإخوان المسلمين في الأردن، يوم الجمعة 25 جمادى الآخرة 1443هـ/ 28 يناير 2022م، عن عمر ناهز 74 عاماً، بعد رحلة طويلة مع القرآن الكريم والفكر الإسلامي بعد إصابته بفيروس «كورونا»(3).
اللواء أحمد المواوي.. قصة بدأت مع فلسطين
ولد أحمد عبدالله علي المواوي عام 1897م في قرية مشطا مركز طما محافظة سوهاج بصعيد مصر، وتخرج في الكلية الحربية المصرية عام 1918م، وظل بها حتى رقي لرتبة عميد عام 1945م، وأصبح قائداً للواء المشاة الرابع بالجيش المصري، ثم تمت ترقيته كقائد للمشاة في عام 1947م، وفي عام 1948م تم نقل مقر قيادته إلى العريش حيث صدر في 14 مايو 1948م مرسوم ملكي بترقيته إلى رتبة اللواء وعين كقائد للقطاع الجنوبي من الجيش المصري في حرب فلسطين.
كان أول قائد للجيش المصري المحارب في فلسطين عام 1948م، ورغم اعتراضه على مشاركة الجيش بسبب ضعف تسليحه وقلة تدريب الجنود مما قد يؤدي لكوارث للجيش، فإن حكومة النقراشي ضغطت لمشاركة الجيش في الحرب. وخاض العديد من المعارك، مثل معركة «ياد موردخاي»، ومعركة «نتسانيم»، بالإضافة إلى العملية «بلشت».
عمل بجد في تدريب الجنود ومحاولة توفير العتاد اللازم بقدر المستطاع، لكنه تفاجأ بقول النقراشي: إن الحرب ما هي إلا مظاهرة سياسية ولا بد أن تظهر مصر فيها بمظهر المدافع عن فلسطين، ومع ذلك تم تغييره باللواء فؤاد صادق، ويعود المواوي بحسرة إلى القاهرة.
بعد المعركة وهزيمة الجيوش العربية استدعته المحكمة للشهادة في قضية «السيارة الجيب» حيث شهد ببسالة متطوعي الإخوان المسلمين، وأنهم كانوا أصحاب المهام الصعبة في مواجهة العصابات الصهيونية.
اعتزل المواوي الخدمة العسكرية وعاد للعيش في الإسكندرية، حيث تعرف إلى جماعة الإخوان المسلمين وانضم لها لتأثره بمواقفهم في حرب فلسطين، وظل بقية حياته حتى توفاه الله في 1 يناير 1979م، وقد نال وسام «نجمة فلسطين»، وأطلق اسمه على قرية قرب كفر الدوار بمحافظة البحيرة(2).
_____________________
(1) عزالدين إبراهيم.. الداعية المترجم: 16 يونيو 2016م، «الجزيرة».
(2) الشيخ صلاح الخالدي ودعوة الإخوان: إخوان ويكي، 30 يناير 2022م.
(3) أحمد المواوي: موقع إخوان ويكي