جسدت «طوفان الأقصى» فكرة «الخلق الجديد» للأمة العربية والإسلامية، بل لكل الإنسانية التي بعثت فيها الكرامة، وأحيت فيها الفطرة التي كادت أن تموت في الإنسانية جمعاء، وأن السير على منوال هذا الطوفان سوف يؤدي في النهاية إلى إعادة بناء العالم على أسس من العدالة المفقودة والقيم المنشودة.
إن فكرة «الخلق الجديد» تعني الانتقال إلى حياة مغايرة لما كانت قبلها في مبانيها ونظامها وحقيقتها، فهي انتقال من الموت والموات إلى الحياة الحقيقية والحياة الحقة والحياة الطيبة، وإن كانت أمتنا عاشت عقوداً، بل قروناً من الموات، فإن «طوفان الأقصى» وهو ذلك الرجل الذي رسم لها هدايتها نحو «الخلق الجديد» بعد التمزق الشديد والتفرق المميت والفشل المريع.
«الخلق الجديد» يتمثل في بناء مشروع مقاوم متكامل يقدم بديلاً لهيمنة قوى الظلم
«الخلق الجديد» يتمثل في ضوء مشروع «طوفان الأقصى» في بناء مشروع مقاوم جديد متكامل يقدم بديلاً لهيمنة قوى الظلم على الإنسان؛ أي أن هذا المشروع في جوهره مشروع هداية للإنسانية، يقوم على مركزية الإيمان والقيم، باعتبارهما العدة الأهم في قضية التحرير والاستقلال والهداية العربية والإنسانية، ثم الفكرة التي يقوم عليها الابتكار لمشروع المقاومة والإبداع في واقع المعركة، وهو ما قدمته «طوفان الأقصى» والمقاومة الفلسطينية والإنسان في غزة في حادث التدافع مع قوى الظلم والاستعمار الصهيوني والأمريكي والأوروبي، وعلى مستوى معركة الصورة في الساحة الإنسانية العامة.
إن هذا القرن يمكن أن ينتهي فيه وجود قوى الظلم والعدوان (الطاغوت الأكبر والطاغوت الأصغر)، والمقدمات التي أرستها «طوفان الأقصى» إذا استثمر الإنسان العربي جوهر فكرة المقاومة التي أبدعتها وجسّدها مشروع «طوفان الأقصى» -والتقى حول استحقاقاتها أغلب الإنسان الغربي- وأن تستثمرها المنطقة العربية والإسلامية، بدلاً من استنزاف طاقات الإنسان والعالم العربي والمسلم لخدمة المشروعات الاستعمارية واللاإنسانية.
تدافع الشر
«الخلق الجديد» مقاومة تعتمد على الإنسان المؤمن بعدالة قضيته، ووجوب التدافع الإنساني للشر، وأن ترك الشر في ساحة الإنسان هو فتنة للناس وإهدار لقيمة الحق والتوحيد والاستخلاف والمساواة والإخاء والحرية.
.. وبناء إنسان مؤمن يدفع الشر مركزية هذا الإحياء الجديد لأمتنا العربية والإسلامية
إن بناء إنسان جديد يؤمن بهذا التدافع وأنه يمثل يد الله فيه التي تدفع الشر هو مركزية هذا الإحياء الجديد لأمتنا العربية والإسلامية، وللعالم أن يعيش بلا ظالمين، وأن يدخل في مشروع الهداية الربانية.
إن نسبة ما من الشباب العربي تقوم على محاكاة هذا النموذج (الخلق الجديد) خلال عقدين قادمين لقادرة على تحقيق الانتصار على هذا الكيان المغتصب وقواعده المساعدة وإسناده، ويكون ذلك عبر نشر هذا النموذج في الفكرة والمبدأ والتخطيط والتمويل.
«الخلق الجديد» تطوير في أفكار التدافع على الأرض بين الخير والشر، فإن ساحة المعركة نخلقها نحن ونحدد وقتها ومكانها ومسرحها وأدواتها وعدتها، إن مصانع التكنولوجيا العسكرية الغربية والأمريكية سوف تخسر نصف ما أنتجت، وستعيد التفكير في الصناعة العسكرية نتاجاً حتمياً لهذا التطوير الذي حدث في إبداعات التدافع العربي التي ابتكرتها المقاومة، في حين أن المقاومة سوف تبدع كذلك فيما طورته؛ أي أنها تطور المتطور الذي صنعته على عينيها وفي بيئتها، فهذه الأفكار لا تَشّبُع فيها ولا ملل ولا نهاية، لأن فعل التدافع مستمر ودائم، وكذلك فعل الإبداع في هذا الفعل مستمر ودائم.
لا تستطيع قوى الظلم والاحتلال أن تواكب الأفكار المقاومة؛ لأن الحق في ذاته عامل قوة (وهو ما تملكه المقاومة)، بينما الباطل في ذاته عامل ضعف (وهو لصيق بفعل الظلم والاحتلال)، الحق يلازمه الإخلاص والصدق والتضحية والفداء والقيم، أما الباطل فيلازمه الشرك والكذب والتزوير والزيف والتوحش.
مشروع يستلهم نشأة الإسلام وسيرة نبيه ويفيد من الإمكانات المتوفرة في أفراده المؤمنين
مصطلحات المقاومة
إن البيئة التي ظننا أنها غير مواتية من أجل بناء جيل عربي إسلامي يتشوق لدرب المقاومة، وتحقيق التحرير والاستقلال، أصحبت الآن في أوج مناسبتها، فأشواق الشباب وأحلامهم تتعلق بهذا الدرب وهذا المبدأ، وإن أطفال الأمة يصبحون ويمسون على اسم المقاومة ومفرداتها؛ الشهادة والشهيد والنصر والصبر والتحرير، وعلم فلسطين وصوت أبي عبيدة، وأبي حمزة، و«كتائب عز الدين القسام»، و«سرايا القدس»، و«كتائب أبو علي مصطفى»، وأحرار جنين.. وغير ذلك.
«الخلق الجديد» نشأ على الحقيقة العارية التي لا لبس فيها ولا تضليل ولا غبش، ولا يختلط عليه طريق الحق وتمايزه عن طريق الباطل، لذلك يسترخص الجهد الفكري والعقلي والجسدي في طريق السير نحو الحق والحقيقة، ومن ثم استطاع أن يرى نور الحق ويبصر ماهيته ورسالته وغايته ومقاصده، وفي سبيل ذلك استقل جهده وعظم أمله في سبيل رفعة شأن تلك الماهية وتحقيق المقاصد والغايات وهدايات الرسالة.
«الخلق الجديد» لم يبدد طاقته ولم يستجب لإغراءات الحداثة والاستعمار الفكري والوجداني الجديد، ومن ثم فقد احتفظ بكل جهده وطاقته المادية والمعنوية والفكرية ليصرفها فيما هي مقررة له في طريق الاستقلال والنضال والفداء لمقدسات أمته وتحرير أرضه.
.. ويجب أن ينصهر فيه شباب الأمة من خلال محاضن وأفكار ملهمة للهداية والتحرير
«الخلق الجديد» مشروع يستلهم نشأة الإسلام وسيرة المجاهد الشهيد سيد المرسلين، في العمل في البيئة غير المواتية، يفيد من الإمكانات الإنسانية المتوفرة في أفراده المؤمنين، ويهيئ قوتهم المعنوية والإيمانية للقيام بأعظم أعمال الهداية وأجلها في تحرير الإنسان من الظلم والعدوان، وتقديم نموذج توحيدي يتعالى على النماذج الوضعية والمادية التي انحازت للشر والظلم في كل اختباراتها.
«الخلق الجديد» فجر جديد لم نشهده من قبل، ولم يشهده الإنسان على الأرض، ربما سمعه من سيرة الصالحين والأنبياء على الأرض، ولكن الشهود شيء غير السماع، ميزان جديد يقام للقِسط على الأرض يحتكم إلى العدالة والمعيار الواحد، بديلاً عن الموازيين القاسطة عن العدل والحق، التي ظلمت كل الإنسان، ظلمته في وجدانه وإنسانيته، وفي مصيره ومثله.
«الخلق الجديد» مشروع يجب أن ينصهر فيه شباب هذه الأمة، من خلال محاضن وأفكار هذا المشروع الجديد للهداية والتحرير، هذا المشروع الذي يستكمل البذور التي غرست خلال القرنين الماضيين، ولكنها لم تؤت ثمارها بعد، وحان الآن أن تنبت هذه البذور يافعة، وأن تورق فروعها أملاً في تحقق الثمر كما في قوله تعالى: (كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ) (الفتح: 29).