الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسَّلام على النبيِّ الهادي الأمين، محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى آله وصحبه ومن والاه؛ أمَّا بعد.
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنْ اتَّبَعَكَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ﴾ (الأنفال: 64)، هكذا خاطب ربُّ العزَّة سبحانه وتعالى نبيَّه وخاتمَ رسله محمدًا صلى الله عليه وسلم مؤيدًا ومثبِّتًا له أمام كيد أعدائه وخذلانهم، وها نحن نقولها لإخواننا المحاصرين في قطاع غزَّة: يا أهلنا في فلسطين؛ لا تهنوا ولا تحزنوا.
إن إيمانكم وصبركم وثباتكم وصمودكم صار مضرب الأمثال.
أصبح ملهمًا لكل الشعوب المتطلِّعة والطامحة للحرية.
لن يضيع ثباتكم سدًى، ولن يذهب صمودكم هباءً، والله معكم ولن يتركم أعمالكم.
أيُّها الإخوة الأحباب في غزة.
نبرأ ونعتذر إليكم من عجز الأنظمة والحكومات العربية والإسلامية لعدم السعي إلى فك الحصار عنكم، وعدم مواجهة ما تتعرَّضون له من مأساة كارثية تستهدف إبادتكم وتركيعكم وكسر إرادتكم، إنَّنا نعتذر إليكم اليوم.
لا عن خذلاننا لكم، فأنتم في سويداء القلب، ونحن إخوة دينٍ ودمٍ نفتديكم بأرواحنا ودمائنا في زمن عزَّ فيه الفداء، ولكن عن ظلم وتجبّر ذوي القربى:
وظلم ذوي القربى أشد مضاضةً على النفس من وقْع الحسام المهنَّد
وعن حال الحكام المخزي:
المستجير بعمرو عند كربته كالمستجير من الرمضاء بالنار
نعتذر إليكم عن هذا الواقع البئيس؛ الذي أصبح فيه قادة الأمة الجاثمون على صدرها لا تتمعَّر وجوههم لنصرة الأطفال والأرامل والضعفاء؛ الذين يتعرضون لهذه الجريمة النكراء التي يتحرك لها صاحب كل ضمير حي ﴿وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمْ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ (آل عمران).
أيها الأحباب في غزة الأبية الصامدة الصابرة.
أيها الصامدون المرابطون.
اعلموا أنكم على الحق وأنكم الأعز والأكرم والأقوى؛ رغم ما أنتم فيه، وأن شرفاء الأمة وأطهارها وراءكم يسدِّدون خطاكم ويدعمونكم بكل ما يملكون، وهم على أتم استعداد لبذل كل مرتخص وغال في سبيل نصرتكم، ولتعلموا يا أحبتنا أنكم حاملو لواء شرف الأمة وكرامتها، ولتستيقنوا أن نصر الله آتٍ، وأنه قريب منكم فلا تيأسوا ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ (الحج)، ولتتمثلوا قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ (آل عمران: 200).
جرائم إن الوضع المأساوي في غزة عارٌ في جبين الإنسانية جمعاء، كما أنَّ الصَّمت الرَّسمي العربي والإسلامي على ما يجري في غزَّة يتجاوز كل حدود المنطق والاحتمال الإنسانيِّ؛ رغم أن المشاهد رهيبة تُحرِّك الجماد، والأرقام غير محتملة: – 31% من المرضى الفلسطينيين الممنوعين من العلاج في الخارج من جانب السلطات الصهيونية من الأطفال دون سن الـ15 عامًا!
– 1700 مريض قلب وفشل كلوي وطفل حديث الولادة مهدَّدون بالموت في غزَّة؛ نتيجة توقُّف غرف العمليَّات وأجهزة التَّنفُّس الاصطناعي وغرف الرَّعاية المركّزة!
– 93 % من الفلسطينيِّين تنازلوا عن المُتطلَّبات المعيشيَّة اليوميَّة!
– 51 % من الأطفال لم تعُد لديهم الرَّغبة في المشاركة في أية نشاطات، كما أنَّ 47% منهم لم يعودوا قادرين على أداء الواجبات المدرسيَّة أو العائليَّة!
– المرض الجسدي أصاب 41% من أطفال القطاع!
– 48 % من أطفال غزَّة يعانون من انخفاض الطاقة لسوء التغذية، وبسبب أوضاع الحصار القاسية على الأطفال بلغت نسبة التغيُّب عن المقاعد الدراسية 40%، بينما يعاني 50% من الطَّلبة غير المتغيِّبين من مشكلات في التَّركيز خلال الدِّراسة.
– أكثر من 3500 مُؤسَّسةٍ صناعيَّةٍ وتجاريَّةٍ وحرفيَّةٍ أُغلقت؛ ممَّا أدَّى إلى فُقدان أكثر من 75 ألف فلسطيني عملَهم!
– وذكرت التقارير الواردة من غزَّةِ خبرًا يتنافى مع جميع القيم والمبادئ الإنسانية وتقشعر له الأبدان؛ حيث أفادت أنَّ المخابز بدأت في طحن القمح المخصص لأعلاف الطُّيور والحيوانات وتحويله إلى دقيق لتلبية احتياجات السوق!! يا الله!! ألهذا الحال لم يتحرك ضمير حاكم عربي واحد لتقديم أي نوع من الدعم أو حتى ليستنكر أو يشجب أو يدين؟ أي عجز هذا وأي هوان هذا؟! وهل وصل الأمر إلى حد منع حجيج غزة من الذهاب لأداء فريضة الحج؟! لقد عرَّت أحداث غزة كل الذين يتترَّسون خلف المشروع الصهيوأمريكي، وأسقطت عنهم الأقنعة، وكشفت زيفهم، وسقطت عنهم جميعًا ورقة التوت.
هؤلاء الآثمون الخاطئون الذين يحُولون دون وصول المعونات لأهل القطاع.
ألم ترقَّ قلوبهم -إن كان لهم قلوب كالبشر- لأنَّات الأطفال والمرضى والمعوزين؟!
واجبات
لقد آن للشعوب الإسلامية أن تكسر طوق الحصار الذميم، وتقف موقفًا تُرضي به ربها، ولتتحرك مؤسسات المجتمع المدني والنخب، وليُعمِلوا عقولهم في ابتكار آليات ووسائل جديدة لكسر هذا الحصار.
إن على كل فرد أو مؤسسة أن يُفرِغَ وسعَه لكسر هذا الحصار المهين غير المسبوق، والذي يؤكد أننا نعيش عصرًا فقدنا فيه الكثير من الشهامة والمروءة والرجولة.
كما أن على علماء الأمة وقادة الفكر والرأي أن يتبوؤوا مكانتهم المستحقة، وأن يقوموا بدورهم في ريادة الأمة وقيادتها، وليتقدموا الصفوف لكسر هذا الحصار، ولتهبَّ الأمة ولتَسِرْ المسيرات وقوافل الإغاثة من المحيط إلى الخليج، ولتفرضْ الشعوب إرادتها، ولتقُل كلمتَها، دون خوف أو وَجَل، حتى لا يلحقَها الخزي والعار في الدنيا والآخرة، ولتثِقْ أنها قادرة على تحقيق أهدافها والوصول إلى غاياتها.
إن حالة الغيبوبة والبلاهة السياسية التي تحياها الأنظمة والحكومات جعلتها لا تدرك حقيقة مصالح الأمن القومي العليا لأوطانها، وأنها تقود الأمة بكل أسف إلى مزيد من الانهيار والهوان.
لقد آن الأوان أن نُري الله من أنفسنا خيرًا؛ بلا تردُّد أو إحجام أو تخاذل، كما أن على الحكام العرب والمسلمين أن يتقوا الله في أمتهم وأن يرتفعوا إلى مستوى آمالها وطموحاتها.
أيُّها الشُّرفاء في كلِّ مكانٍ.
إن الوضع الحالي لا يتطلَّب منَّا كلمات؛ فإنهم لن يأكلوا في غزَّة كلماتنا أو أوراق شجبنا، ولن يشربوا من دموع حزننا عليهم.
إنَّ غزّةَ بحاجةٍ منَّا إلى ما هو أقوى وأنفذ؛ تحتاج إلى الفعل الجادّ لكسر هذا الحصار الغاشم الظالم عن مليون ونصف المليون روح بشريَّة، وهذه مسئولية الجميع دون استثناء.
ولتعدوا قائمةً سوداءَ بأسماء المتخاذلين وأعوانهم ليلحقهم الخزي والعار والصَغَار إلى يوم الدين ﴿وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43)﴾ (إبراهيم).
كلمة إلى الحجيج ونحن في أفضل أيام الله، أيام عشر ذي الحجة، أيام الحج الأكبر ويوم عرفات الله؛ لا بد أن نعيش ونعايش الحج بكل معانيه ودلائله.
أعماله وتكبيراته وتسبيحاته، ولا بد من إسقاط ذلك كله على واقعنا، لا بد لنا من تمثُّل المعاني الحقيقية المناسبة للظروف التي نحياها.
إننا حين نكبِّر مع الحجيج لا بد أن نعي المعاني الحقيقية لهذا التكبير.
فالله عز وجل أكبر من الدنيا ومن فيها وما فيها.
الله أكبر من كل ظالم طاغٍ، باع نفسه ووطنه للشيطان من أجل متع شخصية زائلة.
الله أكبر ممن لم يتألَّم ويتحرك لنصرة أطفال غزة الأبرار المرضى الجائعين.
الله أكبر من كل حاكم متخاذل لم يتحرك ليرفع الظلم عن المظلومين.
كما أننا حين نردِّد معهم لبيك اللهم لبيك.
ينبغي أن تتحول إلى أعمال ودعوات لنصرة الإسلام ونصرة المستضعفين ومدِّ يد العون والغوث لهم.
لنرفع أيديَنا مع الحجيج بالدعاء لأهل فلسطين أن يجمع الله شملهم ويوحّد جمعهم، وأن يربط على قلوبهم ويثبّت أقدامهم، ولتلهج ألسنتنا معهم بالدعاء على كل من فرَّط أو تخاذل عن نصرة إخواننا المحاصرين ورفع الضيم عنهم، وأن يريَنا الله في الظالمين وأعوانهم آيةً عاجلةً غير آجلة ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾ (الشعراء: 227).
أيها الناس أجمعون.
هلمُّوا إلى الله.
ولتتكاتف الجهود وتتضافر كل القوى لرفع الحصار عن أهل غزة وتسيير قوافل الإغاثة إليهم والضغط على الأنظمة والحكومات لتوصيل الكهرباء ومدّهم بالوقود وبكل ما يحتاجونه.
لا عذر لأحد بعد اليوم فلنتحرك؛ كل حسب وسعه، وكما قال السلف: إن “أعظم الناس وسعًا أعظمهم إيمانًا”.
فلنهب جميعًا أفرادًا ومؤسساتٍ وهيئاتٍ ومنظماتِ مجتمع مدني لرفع هذا الظلم والجور، وعدم السماح بتركيع أهلنا المقاومين الشرفاء ﴿وَإِنَّ اللهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ﴾ (الحج: 39).
فلنتسابق إلى الله، باذلين ومضحِّين لنصرة إخواننا، غير عابئين بتثبيط المثبِّطين أو تقاعس المتخاذلين، ولنعلم أن الله متمُّ نوره ولو بعد حين ﴿وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ﴾ (يوسف: 21)، والله أكبر ولله الحمد.
____________________
موقع «الإخوان المسلمون».