إن الدولة اليهودية قائمة دون شك لكن لا في «إسرائيل» فحسب، ولا في أي رقعة واحدة محدودة في جهة من الأرض، فليست لها حدود جغرافية ولا لغة واحدة ولا نحو ذلك من مقومات الدولة في بعض البلاد، وليس لهذين المقومين ونحوهما أهمية كبيرة، وان كان اليهود قد اتجهوا أخيراً إلى تكوين مملكة إسرائيلية بدأت في فلسطين، وهي تهدف إلى الاستيلاء على رقعة الشرق الأوسط والبلاد العربية بخاصة، لتتحكم في تجارة العالم بين الشرق والغرب حيث تلتقي القارات الثلاث: آسيا وأوروبا وأفريقية، وتشمل قناة السويس، ثم تستغل سكان هذه الرقعة الضعاف في نظرها، وتستولي على آبار النفط وكل المعادن فيها، وإن كانوا أيضًا يحاولون نشر اللغة العبرية بعد أحيائها بينهم، حتى يتم لدولتهم مقومان مهمان شكليان أكثر مما هما أساسيان، وهما وحدة الإقليم ووحدة اللغة. وهذان المقومان مع أهميتهما العظمى غير ضروريين لقيام الدولة اليهودية بخاصة، فهي قائمة بدونهما، لأن المقومات التي هي أهم منهما ولا قيام لدولة بدونهما قد اجتمع منها لليهود أكثر مما يلزم، فكان من جرائها أن الدولة اليهودية حقيقة قائمة فعلاً.
وأهم مقومات الدولة المتحققة لليهود كثيرة:
أولها: اتحاد مصالحهم وحاجتهم الآلية لمعاونة بعضهم بعضاً محلياً وعالمياً.
ثانيها: وحدة التاريخ والاشتراك في المفاخر والمآسي منذ خمسة وثلاثين قرناً.
ثالثها: وحدة الغرض وهو استغلال العالم لمصلحتهم.
رابعها: اضطرارهم للتعاون والتعصب ليأمنوا على أنفسهم وأموالهم من الأمم التي تجمع كلها على اضطهادهم، وهم أقلية ضئيلة العدد محلياً وعالمياً، فإذا أهملوا التعاون والتعصب بينهم لحظة ذابوا في الأمم.
خامسها: إحساسهم المشترك بالنقم على العالم بكثرة ما اضطهدتهم أممه جميعاً، وإحساسهم بنقمة العالم عليهم لاستغلالهم إياه ومحاولتهم احتكار خيراته.
سادسها: في منتهى الخطورة، وهو وحدة الدين الذي يمتاز بأنه يحثهم على اعتزال العالم والترفع عليه واحتكار خيراته وسكانه لخدمتهم، ويوجب عليهم استغلال أسوأ الوسائل كالكذب والخداع والسرقة والقتل والزنا والربا الفاحش والتدليس لإشاعة الرذيلة فيه وحل أخلاقه وقومياته وأديانه، وأن سيرة إلههم وأنبيائهم وزعمائهم تمدهم بأقوى المثل للتعصب ضد الأمميين، واحتقارهم والنقمة عليهم، واستباحة كل الوسائل الدنيئة لاستغلالهم والتسلط فوقهم على الدوام. وعاصمة هذه المملكة هي كتبهم المقدسة لا سيما التلمود وأقوال ربانييهم وزعمائهم الذين يمدون لهم في الضلال مداً، وان ملوكهم هم حكماؤهم الذين هم أيضاً أنبياؤهم، واليهود يخضعون لهؤلاء الحكماء خضوع التقي لربه، ويطيعون كلماتهم في عمى طاعة الأبناء البررة لا كرام الآباء.
ونفوذ الدولة اليهودية قائم في كل مكان عن طريق جمعياتهم الدينية والسياسية والماسونية سرية وعلنية ونسائهم وخداعهم وبذر بذور الفتنة بين الهيئات المختلفة في كل قطر وفي العالم معاً، وبإشرافهم على الصحافة ودور النشر ووكالات الأنباء ومذاهب العلم والفلسفة والفن والمسرح والسينما والمدرسة ونظم التعليم والبنوك والشركات والمصافق (البورصات) واهم منابع الثروة في معظم البلاد، واحتكار الذهب، ونظمهم السرية التي لا يعرف أهدافها إلا أكابر حكمائهم، وان نفذ كبارهم وصغارهم خططها تنفيذاً دقيقاً.
وكان خيراً لليهود أن تبقى دولتهم قائمة على هذا الوضع الغريب الفريد بين الدول، لانهم لم يحرزوا هذه السلطة العظمى إلا عن طريق هذا الوضع الشاذ الذي كفاهم شرور أنفسهم أولاً، فإن تجمعهم في رقعة وأمنهم فيها لا بد أن يثير الشر الكامن في انفسهم بين بعضهم وبعض، وأن يغري بينهم العداوة البغضاء كما وقع لهم قبل تشتيتهم، إذ كانوا في فلسطين مملكة ثم مملكتين، فسودوا العصر كله بالفتن والمنازعات الدينية والسياسية والاقتصادية، كما أن تجمعهم في رقعة سيحرمهم من الخيرات العالمية التي ملأت خزائنهم بالذهب، ومكنتهم من التسلط على خيرات العالم وأهله عن طريق التطفل على أرزاق غيرهم واستغلال عجزهم وغفلتهم وإثارة شهواتهم وغرائزهم البهيمية ليخضعوهم كالحيوانات.
وان تجمعهم سيضطرهم إلى الاعتماد على جهودهم وحدهم مع أن تطفل بعضهم على بعض عسير. وهم كالجراثيم يعيشون عيشتها المتطفلة على أجسام الناس، وما كان للجراثيم إلا أن تعيش متطفلة، وما كان لتطفلها أن يتحقق إلا في أجسام الناس لا في تطفل بعضها على بعض.
فالذين يقصرون الخطر اليهودي أو خطر الدولة اليهودية على هذه الرقعة الضئيلة ـ في فلسطين أو في الشرق الأوسط ـ قوم لا يفهمون أحداث التاريخ وتياراته وروحه، ولا يفطنون إلى نظم الاجتماع البشري، ولا يعرفون الكفاية عن الروح المالية لليهود. وخير لهم ولبلادهم ألا يشتغلوا بسياستها وتوجيهها. فهم في ذلك كالأنعام، بل هم أضل سبيلاً، وان كانوا في غير السياسة من العباقرة.
أن اليهود لا تتأدى بهم الغفلة -وهم يؤسسون «إسرائيل» في فلسطين، أو أقطار الشرق الأوسط- إلى حد نزحهم جميعاً من أقطار العالم. وتكدسهم في هذه الدولة، وأن كلما يهدفون إليه في رأيي هو اتخاذ هذه الدولة مركزاً يتدفق إليه ذهبهم، ويسيطرون منه على التجارة وأعمال الصيرفة العالمية بين الشرق والغرب، وينشرون منه المكايد التي تطيح بالعوائق ضد تسلطهم على العالم. هذا مع احتفاظهم بتشتتهم في أقطار الأرض كما هم الآن، ليسيطروا عليها ويستغلوها فمن ضاق به العيش في قطره هجره إلى هذه الدولة.
ومع ذلك فالدولة اليهودية قائمة، ولكن على طريقتها الشاذة، ومن مصلحتهم أن تكون كذلك، فلو تجمعوا داخل بقعة مع قلتهم -كأي شعب صغير من الأمميين وكما كانوا أثناء تجمعهم في فلسطين قبل تشتتهم- لكانوا عرضة لكوارث الطبيعة كالزلازل والقحط، ولغارات جيرانهم الأقوياء، وهم أقلية يسهل القضاء عليهم أو إضعافهم إذا تجمعوا جميعاً في إقليم.
وتلمس سطوة الدولة اليهودية ونفوذها في تسلطهم على اقتصاديات الدول الكبرى كأمريكا وروسيا، وكثير من الدول الصغرى وفي تسلطهم على حكوماتها ومذاهبها. فهم في الدول الديمقراطية يجمعون المال بما تعترف به هذه الدول لكل الناس من حق الحرية في جمعه، وهم في الدول الدكتاتورية يستميلون حكامها بذهبهم ونسائهم وكل ما لديهم من قوة ونفع لا يستغنى عنه هؤلاء الحكام، كي يتركوا لليهود نشاطهم الاقتصادي وغيره فيها.
وكذلك نلمس سطوة دولتهم القائمة فعلاً في استيلائهم على الحكم في روسيا، فالمكتب السوفيتي هناك الآن يتألف من سبعة عشر عضواً: منهم أربعة عشر يهودياً صريحاً وثلاثة من أصول يهودية أو من صنائع اليهود، وزوجات الثلاثة يهوديات(1).
وأعضاء المكتب الشيوعي الأعلى في بولندا أحد عشر منهم سبعة يهود صرحاء.
وتسيطر على سير الأمور الآن في رومانيا أنا بوكر اليهودية الشيوعية. وأعضاء المجلس الشيوعي في المجر خمسة كلهم يهود. وتشيكوسلوفاكيا في قبضة ثمانية رجال منهم خمسة يهود. ومن أعضاء مجلس العموم البريطاني الحالي ثمانون نائباً يهودياً صريحاً عدا المتنصرين منهم وصنائعهم من النواب، وعلى يد بريطانيا تحطمت الخلافة العثمانية التي أبى خليفتها عبد الحميد أن يبيع جانباً من فلسطين ليتخذوه وطناً قومياً.
وقد تمكن رئيس وزراء بريطانيا اليهودي دزرائيلي بذهب اليهودي روتشيلد من أن يشتري نصيب مصر في اسهم قناة السويس لبريطانيا بأربعة ملايين جنيه كي تكون بريطانيا إلى جوارهم في فلسطين(2) فتساعدهم على إنشاء وطنهم القومي. وبريطانيا هي التي تسلطت على فلسطين عقب الحرب العالمية الأولى عن طريق الانتداب بعد تحلل الخلافة الإسلامية التي أبت الخضوع قبل ذلك لمطالب اليهود. وأن أول مندوب سام لبريطانيا وأول نائب عام لها في فلسطين يهوديان. وبريطانيا قد فتحت لهم أبواب الهجرة على مصراعيها بعد الانتداب، وتحت حمايتها أسس اليهود مستعمراتهم، وزرعوها، وكونوا جامعتهم ومدارسهم ومعابدهم، ودربوا فرق جيشهم، فلما نضجت الثمرة تركوها خالصة لهم. وحرص بريطانيا الدائم على نفوذها في الشرق الأوسط إنما هو لمصلحتها ولتحمي إسرائيل الضعيفة من جيرانها العرب. وهي التي تغري الفتنة بين الأقطار العربية، كي لا تقوى فتخرجها من الشرق وتخرجهم من فلسطين.
_____________________
(1) معظم أعضاء المجلس الشيوعي الذي يحكم روسيا الآن (سنة 1951) من اليهود الصرحاء. فالأعضاء سبعة عشر هم: ستالين رئيس المجلس، وكاجانوفيتش نائبه، كم بيريا، وفيرشيلوف، ومولوتوف، وشفيرنيك، وكيرتشينسنين، وجوركين، واليا ايرهميرج، وديفنسكي، وهينسيرج، وميخليس، وفرمين، وجودي، ولوزوفسكي، وكافتانوف، وبيتر ليفنتسكي. وهؤلاء يهود صحراء إلا ثلاثة منهم: ستالين، وفيرشيلوف، ومولوتوف. ولكن زوجات الثلاثة يهوديات، وفيهم يهودي الأم أو الجدة أو صنيعة مجهول النسب من صنائع اليهود، كما أن أسماء كثير من اليهود بينهم مزدوجة فلكل منهم اسمه اليهودي الأصيل المستور، واسمه الحركي المشهور الذي يخفي الاسم اليهودي الأصيل، وهذه عادة كثير من اليهود حيث احتاج الأمر إلى التخفي أولاً، ولو لم يكن داع إلى التخفي أخيراً، فيبقى الاسم المزيف المشهور دون الاسم الأصيل المغمور، والحركة الشيوعية عامة حركة يهودية، فمؤسسها هو اليهودي كارل ماركس وهذا بعض صلات اليهودية بالشيوعية النظرية والعملية في روسيا وغيرها من البلاد. (انظر كتاب “روسيا اليهودية” وتأمل الشعار اليهودي البلشفي في صدر هذا الكتاب وحوله النجمة المسدسة وهي شعار علم إسرائيل).
(2) انظر المؤامرة بالتفصيل في كتاب “يقظة العالم اليهودي” ص 186 ـ191.
المصدر: كتاب «الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون»، ترجمة: محمد خليفة التونسي.