د. جابر قميحة
ما أكثر العقبات والصعوبات والموانع التي وضعها ويضعها العلمانيون وأعداء الإسلام، ومن سار ويسير في دربهم، للحيلولة دون انتصار الإسلام وقيمه والاحتكام إلى الشريعة بمفهومها الشامل.
ويرجع ذلك إلى أسباب متعددة من أهمها:
أ- موجة التغريب التي تسيطر على معطيات الفكر في الوطنين العربي والإسلامي، والغالبية يسمونها الغزو الفكري، وأنا أعتقد أن الأدق أن نقول «الغزو المعنوي» الذي يشمل الجانب الفكري، والجانب العقدي، والجانب السياسي، والجانب العسكري، والجانب اللغوي، والجانب التاريخي.. إلخ.
وهذا هو الواقع الذي تعيشه الأمة الآن، فالتغريب يحرص أول ما يحرص على تشكيك الأمة في معطياتها الدينية، والتراثية.
ب- جهل القائمين بأمور الشعوب بحقيقة الاحتكام إلى الشريعة، فهم ينظرون إليها على أساس أنها تهدد سلوكهم في الحكم، ومنهجهم ومناصبهم في قيادة الجماهير.
جـ- النظر إلى الحكم الإسلامي نظرة منقوصة، فهم ينظرون إلى الحكم الإسلامي على أساس أنه مجرد تطبيق للحدود، كرجم الزاني، وقطع يد السارق.. مع أنه من المعروف أن الحدود زواجر، ومن القواعد الإسلامية درء الحدود بالشبهات، ولأن يخطئ القاضي في العفو خيرٌ له من أن يخطئ في العقوبة، وتطبيق الحدود لا يتحقق إلا بسيادة العدالة بين الرعية، دون تفريق على أساس طبقي، ونحن نعرف كيف أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم الحد على امرأة من العلية هي فاطمة المخزومية، وقال قولته المشهورة: «والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها».
د- حرص الإسلام على أن يكون الحاكم قدوة حسنة للرعية في مأكله ومشربه، وملبسه فلا يتميز عليهم بشيء، وكثير من القائمين على الأمر عندنا يجدون في ذلك إنزالاً من كرامتهم، ونيلاً من هيبتهم.
هـ- رزق العالم الإسلامي للأسف بمجموعات من العلماء وهم علماء السلطة، الذين لا يرعون الله في فتاواهم، فهم ينشدون رضاء الحاكم، ويفتون بما يريده، ولا يفتون بما يغضبه، فهم الآكلون على كل مائدة، وكأنهم يخاطبون الحكام والرؤوس الكبيرة بلسان الحال: «إن لم يكن بكم علينا غضب فلا نبالي»!
وهذه الحواجز بنوعيها الداخلي والخارجي، لها إمكاناتها القوية وخصوصًا في الجوانب المادية والدعائية، والإعلامية.
وأرى أن التغلب على هذه الحواجز يجب أن يعتمد على نوعين من الخطط:
1- خطط عاجلة، أو إسعافية.
2- وخطط آجلة طويلة المدى، تتكفل بها مؤسسات حكومية وشعبية شرعية، معترف لها بالأمانة والصدق في التعامل مع الشريعة والشعوب، ويجب أن تكون شخصية العالم في هذا المجال، شخصية موسوعية تحيط إحاطة رأسية بعلوم الشريعة، ومعطيات العلوم الحديثة، كما يجب أن يكون عدد كبير من هؤلاء يتقنون اللغات الأجنبية، وكما قلت: إن هذا المجهود يتطلب تكاتفا قويًّا في العالم الإسلامي كله.
ويجب أن يكون العمل على محاور متعددة تنطلق أساسًا من تصحيح المفاهيم، وتفنيد الافتراءات التي يحاول أن يلصقها أعداء الإسلام بالإسلام ومعطياته، وعرض القيم والمبادئ الإسلامية، وبيان مدى صلاحيتها للمواضعات الحاضرة في السياسة والاجتماعيات والتربية والتعليم.. إلخ.
وهناك بشائر تحيي نفوسنا بالأمل، بل الإيمان اليقيني بأن المستقبل لهذا الدين.
وأهم هذه البشائر -من وجهة نظري- موجة التدين الصحيح التي غمرت الشباب في وقتنا الحالي، وهو ما نسميه «الصحوة الإسلامية» وخصوصًا بالنسبة للفتيات، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى الإقبال على دراسة العلوم الدينية، وخصوصًا في مجال السياسة، والاجتماع، والتربية، ولا ننسى أن من الدوافع إلى ذلك رد الفعل بعد أن أخفقت كل النظم، والأيديولوجيات السياسية والاجتماعية المنتشرة في العالم.
ومن أهم الوسائل والآليات المعينة في هذا المجال:
أ- الاهتمام بالدين مادة أساسية في كل مراحل التعليم، على أساس أن يدرس تدريسًا عمليًّا تطبيقيًا وخصوصًا قيم الجهاد والبناء والوحدة.
ب- إدخال اللغة العربية مادة أساسية في كل مراحل التعليم الجامعي، حتى الكليات العملية التي تبدو وكأنها لا علاقة لها بتدريس اللغة العربية؛ لأن هذه اللغة ليست مادة خطاب فحسب، ولكنها هي وعاء الدين، ووعاء القرآن الكريم، وهي لغة السماء.
جـ- حرص أولياء الأمور في بيوتهم على أن يكونوا قدوة حسنة أمام أبنائهم.
د- التزام وسائل الإعلام بصفة خاصة بهذه القيم، والبعد عن السقوط الخلقي الذي نراه فيها الآن.
وفي إيجازٍ مكثف شديد:
أقول للحكام وعلماء هذه الأمة: اتقوا الله في منشطكم ومكرهكم، وابتغوا رضاءه في كل خطوة تخطونها.
وأقول للشباب بخاصة: عليكم أن تقرؤوا، وتقرؤوا، وتقرؤوا على نطاق واسع جدًّا فيما يتعلق بالعلوم التراثية والمستجدات التي نراها في شتى المجالات الآن، فمن أهم الصراعات الدائرة في العالم الصراعات العلمية.
وقد كنا سادة العالم في هذه المجالات يوم أن كنا متمسكين بديننا، والآن أصبحنا لا نلتقط منهم إلا الفتات.
جـ- علينا أن نتحلى بالأمل، ولا نيأس أبدًا، وإن مشوارًا من ألف ميل يبدأ بخطوة واحدة، والمسلم لا يعرف اليأس والقنوط، وإن شاء الله نحن منتصرون ما التففنا حول قرآننا، وأخذنا أنفسنا به واتبعنا سُنة نبينا، وسرنا على الجادة التي تركنا عليها محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.